سعد صاحب الوائلي
لست محللاً عسكرياً ولا إستراتيجياً، ولكن وفقاً لبعضِ القراءات، فإن قضيةَ إحتجاز وإعاقة او مشاغلة السفن والبواخر الناقلة التجارية التي تتعاطى مع إسرائيل استيراداً او تصديراً من قبل أنصار الله الحوثيين في اليمن ستستمر وستبقى لها الغلبة لفترة ربما طويلة.
وعلى ما يبدو فإن المساعي والتحركات الأميركية الإسرائيلية الرامية لتشكيل قوةٍ عسكريةٍ دوليةٍ وبمظلةٍ من القرارات الأممية قد لا ترى النور في القريب، للأسباب التالية :
1ــــ الحرب الأوكرانية إستنزفت من الولايات المتحدة ومن الناتو الشيء الكثير، وهم بصدد تشكيلِ إستراتيجيةٍ جديدةٍ للتعاطي مع هذه الازمة الطويلة، لاسيما مع نشوبِ الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة. فالتمويلُ العسكري المخصصُ لِمَدِّ فلاديمير زيلينسكي بالأسلحة والاعتدة والمنظومات العسكرية شارف على النضوب، نظراً للضغوط الدخلية في اميركا وفي دول الناتو من قبل دافعي الضرائب، ولإستمرار الاحتجاجات المتفاقمة لانهاء الحرب الأوكرانية، والحاجة القائمة لتوقف ما تتحمله تلك الشعوب الأميركية الأوروبية من فاتورة الحرب الاوكرانية.
2ـــ شكلت الحربُ الإسرائيلية على غزة، منعطفاً كبيراً في تشتيت الامداداتِ العسكرية والتسليحية المجدولة، سواءٌ لإسرائيل من قبل اميركا والناتو، او لسواها، حيث تضاعفت موارد الانفاق والدعم للحروب القائمة (الأوكرانية، الإسرائيلية على غزة، مواقع ساخنةأخرى في العالم)، حيث اضعفت ــــ بمجملها ــــ وبشكلٍ كبيرٍ فرصَ إيجاد هامشٍ يُعتَدُّ به ويُعتمدُ عليه في التمكِين من تشكيلِ قوةٍ أمميةٍ تتولى مجابهةَ الحوثيين وفرضَ حمايةٍ امميةٍ على البواخر والسفن المارةِ عبرَ باب المندب.
3ـــ عقبَ نشوبِ الحرب الإسرائيلية في غزة، لم يَعُدْ من السهولةِ بمكان إستصدارُ قراراتٍ أمميةٍ من مجلس الامن او المنظمات الدولية بيسرٍ وبشكلٍ فوريٍ ،كما تَمَّ استحصالها على سبيلِ المثال عَقِبَ غزوِ المقبور صدام حسين دولة الكويت، ففي يومنا الراهن عَلَتْ العديدُ من التقاطعاتُ او لِنَقُلْ عدمُ التنسيق الوثيق فيما بين المنظمة الدولية وواشنطن وعواصم الناتو، لاسيما عَقِبَ تأججِ الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة وإستخدام تل ابيب للإسلحة المحرمة دولياً جهاراً نهاراً، وانكشاف زيفِ المُدَّعَياتِ الأممية والدولية بالديمقراطية وصون حقوق الانسان امام انظار العالم اجمع، ما اسفر عن اهتزازِ مصداقية هذه الجهات والمنظمات بشكلٍ كبيرٍ لا رجعةَ عنه لدى الرأي العام العالمي وشعوب الأرض كافة.
4 ـــ مازالَ لدى انصار الله الحوثيين في اليمن المزيدُ من الإسترتيجيات والتسليح والاعتدة والمنظومات التي لم يُكشفْ عنها حتى الان، بما يُبقي خشيةً كبيرةً لدى واشنطن وعواصم الناتو من تبني او التورط في حربٍ شاملةٍ مفتوحةٍ مع الحوثيين في صنعاء، حيث يَعسُرُ على تلك الجهات إدامةَ حربٍ جديدةٍ بإزاء حروب عدة في آن واحد، سواءٌ في أوكرانيا أو دعم إسرائيل في مواجهة غزة، فضلاً عن التواجد الروتيني الدائم والمتمركز في البحار والقواعد العسكرية الواسعة الانتشار في بقاع العالم والمنشغلة في مواجهة الصين وروسيا وايران وسواها.
5 ـــ تأجيج الحرب ضد انصار الله الحوثيون في منطقةٍ بحريةٍ حيويةٍ ومهمةٍ للغاية في باب المندب يعني اشتعالَ حربٍ شعواءَ يُغلق فيها المضيق الشريان الحيوي للإقتصاد العالمي، وتتضررُ فيها الملاحة الدولية والتجارة والنقل العالمي بأسره، وليس المصالحَ الإسرائيلية وحدها، ما يحمل واشنطن والناتو الى التفكير مئة مرة قبل التصعيد بأيّةِ خطوة غير محسوبة النتائج، وإستبقاء الحاجة لجدولة أولوياتها ومصالحها ومصالح دول الناتو قبل التورط بأيِّ إجراءٍ محفوفٍ بالمخاطر.
6 ــــ قد تلجأ إسرائيل وأميركا لوحدهما وربما بريطانيا في تشكيلِ قوةٍ بحريةٍ عسكريةٍ محدودةٍ لمواجهة تحركات انصار الله الحوثيين في باب المندب، ولكن سوف تكون دونَ غطاءٍ دوليٍ وأممي، كما انها ستُجَابَهُ بإحتمالياتِ توسعِ رقعة الضغط من قِبَلِ محور المقاومة سواءٌ في لبنان وفلسطين والعراق وايران ومناطق أخرى ربما، الى جانب احتمالية تعرض القواعد الأميركية في جغرافياتٍ عدةٍ لصواريخ وضربات محور المقاومة، وهو ما لا ترجوه تل ابيب وواشنطن في ظرفها العصيب وحربهما ضد حماس في غزة.
ــــ أَيَّةُ مواقفَ تصعيديةٍ من قِبَلِ السعودية او بلدان الخليج ضد صنعاء، سيعني إعادة الأمور الى مربعها الأول قبل التفاهمات الإيرانية السعودية الخليجية الأخيرة، والعودة الى حالة التوتر الشديد فيما بين طرفي الخليج، وبما يزيد من إحتمالية إرباك الموقف الخليجي وتعقده تارة أخرى وإدخاله في مربع إزماتٍ جديدة.
على أيَّةِ حال، أيَّةُ خطواتٍ أميركية إسرائيلية مستندة الى حلف الناتو في باب المندب، يعني إحتمالية إصطفاف قوى أخرى لمناصرة اليمن بينها قوى المقاومة ورأس حربتها إيران، الى جانب مواقف روسيا والصين، التي قد تحظى بأولويات وتفضيلات إستثنائية ليس في مضيق باب المندب وحده، بل في مضيق هرمز، إذا ما تم التصعيد ضد إيران في خضم هذه الازمة. من هنا ووفقاً لهذه القراءة ، فإن المعادلة الحوثية اليمنية ستبقى قائمة في باب المندب الى حين قد يطول. والله بالغ أمره.
https://telegram.me/buratha