إنتصار الماهود
العام هو 2023 أنا متوجهة من بغداد، الى مدينتي الأم سوق الشيوخ، جنوب محافظة ذي قار، هنا تشاهد بإم عينك وسائل النقل الخارجي، من مركبات حديثة ( جارجر، اوباما، النترا، بهبهان)، وغيرها من العجلات الحديثة،( أيباااه الله يرحم ايام الخير، من جنا نسافر بالريم المطعطعة والبرازيلي الي تحمى بنص الدرب)، ما علينا لنعد لحديثنا إن هذه العجلات الحديثة تختصر لنا الوقت، حتى 3 ساعات لنصل لوجهتنا بعد أن كنا نعاني من طول وبعد الطريق، أثناء السفر في أيام إبن صبحة اللخناء.
أثناء الاستراحة، توقفنا في مطعم على الطريق الدولي في بابل، مطعم يرقى ليكون بمصاف المطاعم المحترمة، في العاصمة بغداد من حيث الديكور والنظافة وطاقم الخدمة السوري والبنغالي، بل وحتى قائمة الطعام المتنوعة، دلال ليس بعده دلال.
فجأة فلاش باك غريب عاد بي الى زمن التسعينات، أيام المراهقة والسفر في تلك الايام العصيبة.
(أيباااه شلون أيام تخبل، چنا نسافر بالريم ويكعدون الصغار على المحرك، أو قمبورة الريم مثل ما يسميها السايق، حتى أهلنا لايدفعون عنا نفر زيادة للطريق، وإذا چنت مسافر بالصيف يبوووو، الله لايورطك وتشتكي من حر المحرك، الي كل شوي لازم يطبك السايق ويبرده وتبرد نفسك أنت هم).
لو تعبت أو أنهكك الحر يجب عليك السكوت لست ساعات حتى تصل لوجهتك أششش لا تتكلم أيها المسافر فلا بديل لديك.
أنا هنا أقارن لكم وببساطة وواقعية، بين سفري في الچارچر حديثا وسيارات الريم قديما، أما القطار الذي يفتقد وسائل الراحة فحدث بلا حرج، محظوظ من كان يحصل على تذكرة مقطورة المنام، يغفو ليلا أول انطلاق القطار، لينهض صباحا في مدينته، أو لن يحالفك الحظ لتجلس على مقاعد القطارات المتجهة للجنوب، والتي تعاني من الإهمال،أو إن وددت السفر في المنشآت الحكومية، فعليك التوجه الى كراج النهضة، قبل (طكة الابريج) كما كان والدي رحمه الله يتندر عليهم.
أيباااه أي رفاهية تلك التي كنا نعيشها، نحن في هذا الزمن الجميل، أما مطاعم الخدمة الخارجية، فحدث بلا حرج تفتقر لابسط قواعد النظافة، و قوائم الأكل الفقيرة، التي لا تتعدى أصنافا محددة ذات الأسعار المرتفعة، لذا كان المسافر يكتفي بما يحمله، من طعام بسيط كالبطاطا المسلوقة، أو البيض المسلوق، أو حتى كباب العروك مع الخبز الاسمر (والي بالكوة نبلعه كفيلكم علي داحي باب خيبر )، وكان الرجال يتسلون بحرق همومهم، و شكواهم مع سكائر السومر والمزبن، وإستكان الشاي الثقيل،كما يحبون أن يحتسوه على الطريق، تلك كانت تسليتهم الوحيدة، ونحن كنا نتسلى بحب عين الشمس، (نكرز منا لمن تصير شفايفنا بيض، چا طريق ست ساعات شيگضيه بوية، ما تفهموني لا آيباد ولا تلفون ولا أغاني حلوة، وتخلص كل السوالف أول ساعتين).
(ما علينا يبعد حبوتني، كانت أيام خير وعافية، والناس هسة تتمنى ترجع للريم وتترك الچارچر، وتعوف الريزو والمندي وترجع للفات الفلافل، الي مقلية بزيت ما يبدله صاحب المطعم لأسابيع، بحجة الحصار والإقتصاد بالمصاريف).
لقد عانى أهل الجنوب ومناطقهم من الإهمال، والإقصاء والإحتقار من سلطة هدام، ولا زلنا نعاني مع الأسف، من تبعية تلك الأيام الغابرة رغم مرور 20 عاما، على سقوط أرعن العوجة، لكنها ولله الحمد بدأت تستعيد عافيتها أقصد مناطقنا، شيئا فشيئا وأصبحنا نرى مناطق ومدن جنوبية عامرة مزدهرة، وأصبحت بعضها مقصدا سياحيا للقاصي والداني.
(اخ يا بوية لو عدل أنت، وتشوف الغمان)، وأنا أقصد غمان الشيعة، فهم كثر ممن تعودوا على جلد الذات وإحتقار النفس، كيف يروجون لأيام الأرعن صدام ويمجدونه، لو أنك حي يا والدي لجمعتهم جميعا، في نگرة السلمان وتركتهم بلا انترنيت، ولا هواتف نقالة او ستلايت، وسيارات حديثة ولسلبت منهم قوائم الطعام المتنوعة، وتركتهم يأكلون خبز النخالة الممزوج بنواة التمر المطحون، وجعلتهم يرتدون البازة والديولين والانگورة بدلا من ماركات الملابس العالمية، و أعطيتهم المبردة لتطفيء حر الصيف، بدلا من السبالت والمكيفات،(وعلي بس انت دواهم يا حجي عباس تتويهم توي هيج ناس).
وفي الختام لكم في سطور بسيطة ملخص الكلام:
مهما كانت الحكومات التي أعقبت صدام، تحمل في حكمها سلبيات، إلا أنها أفضل آلاف المرات من العيش، تحت سقف حكومة البعث الساقط، الذي أذاق الشيعة وأهل الجنوب الويلات، حكم أنهك مدننا وقطف الزهور من شبابنا، ليؤدها في مقابر جماعية لا نعلم مصير الكثير منهم حتى يومنا هذا، ومعاملتنا وكأننا مواطنون من الدرجة العاشرة في وطن نحن كنا لبنة الحضارة الأولى فيه.
كلامي صح لو لا حبوبة شتكولون؟.
https://telegram.me/buratha