د. عامر الطائي ||
اليوم، أُطلقت أكثر من 200 صاروخ من لبنان باتجاه مواقع إسرائيلية، وفقاً لما صرح به الإعلام الإسرائيلي. هذا التصعيد غير المسبوق يشير إلى مرحلة جديدة من التوتر بين “إسرائيل” وحزب الله، حيث تحاول المقاومة فرض معادلات جديدة على الأرض. بالمقابل، الاحتلال الصهيوني يواصل خرقه لكل المحرمات، مستهدفًا البنية التحتية والمدنيين على الأراضي اللبنانية.
ما يميز هذا المشهد المعقد هو الفارق الواضح في استراتيجيات الجانبين. فبينما يرد الاحتلال بعنف غير مبرر، ضاربًا عرض الحائط بأي قواعد أخلاقية أو معايير قانونية دولية، يعمل حزب الله على تحديد أهدافه بدقة متناهية. المقاومة تختار أهدافها بعناية، لتجنب المدنيين وتوجيه الضربات فقط نحو الأهداف العسكرية أو المواقع التي تشكل تهديدًا مباشرًا.
التكتيك الذي يتبعه حزب الله يعكس مستوى عالياً من الانضباط العسكري والالتزام بأخلاقيات الحرب، وهي سمة نادرة في النزاعات المسلحة في المنطقة. هذه الدقة تجعل من الصعب على الاحتلال الترويج لمزاعم التشويه أو تحميل المقاومة مسؤولية التصعيد.
على الجانب الآخر، يبدو أن “إسرائيل” اختارت استراتيجية قائمة على التصعيد العشوائي والانتقام من دون تمييز، مستهدفة ليس فقط المواقع العسكرية ولكن أيضًا المدنيين والممتلكات العامة في لبنان. هذا الأسلوب لا يحقق أي مكاسب استراتيجية بل يزيد من تفاقم الأوضاع ويعمق مشاعر العداء في المنطقة.
وفي ظل هذا التصعيد، يواجه المجتمع الدولي تحديًا كبيرًا، إذ يُتوقع منه أن يقف بحزم ضد الانتهاكات الصهيونية ويُجبرها على احترام القانون الدولي. إن استمرار الصمت على هذه الانتهاكات لا يضر فقط لبنان، بل يهدد استقرار المنطقة بأسرها.
الواقع على الأرض يشير إلى أن حزب الله، رغم التصعيد المستمر، ما زال يتمتع بقدرة عالية على ردع الاحتلال وفرض معادلات جديدة في الصراع. هذه القدرة ليست مجرد نتيجة لتطوير ترسانته الصاروخية، بل هي نابعة من استراتيجية دقيقة ومرونة في التعامل مع المستجدات العسكرية والسياسية.
الأحداث الحالية تشير إلى أن المقاومة اللبنانية باتت طرفًا فاعلًا في معادلة الردع، رغم محاولات الاحتلال الصهيوني لكسر هذه المعادلة. ومع استمرار التصعيد، ستظل المواجهة بين الطرفين قائمة على هذا التوازن بين القوة المفرطة والعشوائية من جهة، والدقة والالتزام بأخلاقيات الحرب من جهة أخرى.
https://telegram.me/buratha