قصي كريم الشويلي
في غياهب الليل، حينما يختلط سواد السماء بظلمات الأرض، وتصبح النجوم باهتةً كأنها دموعٌ في عين الفجر، جاءنا النبأ الفاجع، استشهاد السيد المجاهد حسن نصرالله. ذلك الرجل الذي عاش رافعًا راية الحق في وجه الباطل، حتى انسكبت دماؤه الطاهرة على الأرض، معلنةً انتصار الدم على الصواريخ، كما انتصر دم الحسين على السيف.
كان حسن نصرالله، في حياته، كالنجم الهادي في الليلة الظلماء، لا يَضل من اقتدى به، ولا يخيب من سار على دربه. كان يقف كالجبل الأشم، تعصف حوله الرياح، وتتراشق من حوله الصواريخ، لكن قلبه كان ثابتًا لا يلين. لقد أدرك منذ بواكير شبابه أن الطريق الذي سلكه مليءٌ بالأشواك، لكنه سار فيه دون أن يبالي، مؤمنًا بأن الشهادة هي النصر الأسمى، وأن الدماء الطاهرة تروي الأرض كما تسقي الأمطار الظامئين في الصحراء.
وكما حمل الحسين روحه على كفه في كربلاء، كان نصرالله يسير ويدرك أن كل خطوة تقربه من لقائه بالحق. لقد اشتبك مع عدوٍ لا يرحم، أطلق عليه صواريخه كأنما يريد أن يمحو ذكره، ولكن هيهات. فالدماء التي تسيل في سبيل قضيةٍ عادلة، هي التي تبقى وتخلّد، بينما تفنى الصواريخ ويطويها النسيان كما تطوي الريح رمادها.
لقد كان استشهاد نصرالله كقطرة الندى التي تتساقط في الصباح الباكر، صغيرةٌ في حجمها، لكن أثرها عظيم. سقط جسده، ولكن روحه بقيت كالشمس التي لا تخبو، تشرق على قلوب الملايين، ترويهم من معين الصبر والثبات. لم يكن استشهاده نهايةً، بل بدايةً جديدةً لقصةٍ طويلةٍ عنوانها النصر. وكما انتصر دم الحسين على السيف، انتصر دم نصرالله على الصواريخ، لأن الدماء الزكية هي الحبر الذي يُكتب به التاريخ.
في تلك اللحظة التي سقط فيها حسن نصرالله شهيدًا، ظن العدو أنه انتصر، ولكنه لم يدرك أن النصر الحقيقي لا يُقاس بعدد الصواريخ ولا بحجم الدمار. إنما يُقاس ببقاء الفكرة، وباستمرار الرسالة. فالدماء التي تسفك من أجل الحرية لا تزول، بل تبقى كالبذور التي تُزرع في الأرض، لتنبت أشجارًا عملاقةً يستظل بها الأجيال القادمة.
أيتها الصواريخ! ما أنتِ إلا نيرانٌ مؤقتة، يذهب بريقها وتذروها الرياح. أما دماء الشهداء، فإنها كالأنهار الجارية، تظل تسقي الأرض، وتبقى خالدةً في ذاكرة الزمن. لقد انتهت قصة جسد حسن نصرالله، ولكن نصرالله الروح باقٍ في قلوب المقاومين، وفي كل ضميرٍ حيّ، كالسيف الذي لا يُكسر، وكالنار التي لا تنطفئ.
وهكذا، ينتصر الدم على الصواريخ، تمامًا كما انتصر الحسين على سيوف يزيد. وكما قال الإمام: إن كان دين محمد لم يستقم .. إلا بقتلي يا سيوفُ خُذيني"، هكذا سار نصرالله على الدرب نفسه، وقال بدمائه الطاهرة: "إن كانت الحرية لا تُنال إلا بالشهادة، فلتكن دماؤنا مهرها". إن نصرالله لم يمت، بل هو حيٌّ في قلوب كل من آمن بالحق، وفي كل روحٍ تواقة إلى الكرامة.
https://telegram.me/buratha