نور الجبوري
في خطوة تاريخية جريئة، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم إنسانية بحق الشعب الفلسطيني. هذا القرار، الذي يعد صفعة مدوية لسياسات الاحتلال، لم يكن سوى استجابة متأخرة لصرخات الفلسطينيين الذين واجهوا أبشع أشكال الظلم والتنكيل على مدار عقود طويلة.
يأتي هذا القرار بعد سنوات من التحقيقات التي كشفت عن سلسلة من الجرائم التي ارتكبتها حكومة نتنياهو، بدءًا من تهجير السكان قسرًا، مرورًا بتدمير المنازل، وصولًا إلى القتل الممنهج للأطفال والنساء والمدنيين خلال الحملات العسكرية. لقد فضحت التقارير الحقوقية الدولية نظام الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل تحت غطاء “الأمن القومي”، مؤكدة أن هذه الجرائم تصل إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية التي تستوجب المحاسبة.
داخل إسرائيل، أحدث القرار هزة سياسية عميقة. فنتنياهو، الذي طالما اختبأ خلف ستار “الدفاع عن الوطن”، يجد نفسه اليوم في مواجهة مفتوحة مع العدالة الدولية. هذا القرار يضع حكومته على المحك، وسط دعوات داخلية للتخلي عنه خوفًا من العواقب الدولية التي قد تجر إسرائيل إلى عزلة غير مسبوقة. لكن نتنياهو، المعروف بمراوغاته السياسية، قد يستخدم هذا القرار لتأجيج المشاعر القومية داخل إسرائيل، محاولًا تصوير نفسه كضحية “مؤامرة دولية” تستهدف أمن الدولة العبرية.
اما على الجانب الفلسطيني، يُعتبر هذا القرار بمثابة انتصار رمزي في مسيرة نضالهم الطويلة. لقد نجح الشعب الفلسطيني، رغم التخاذل الدولي والصمت العربي، في إيصال صوتهم إلى المحكمة الجنائية الدولية. هذا الإنجاز يثبت أن العدالة قد تتأخر، لكنها لا تضيع، ويؤكد أن دماء الشهداء وآلام الأسرى واللاجئين لن تذهب هباءً. أما بالنسبة للمجتمع الدولي، فإن القرار يمثل اختبارًا حقيقيًا. فهل ستجرؤ الدول الكبرى على تنفيذ هذا الحكم، أم ستستمر في تسييس العدالة وحماية إسرائيل من المساءلة؟
رغم صدور مذكرة التوقيف، فإن الطريق إلى العدالة ما زال مليئًا بالعقبات. إسرائيل، التي ترفض الاعتراف بالمحكمة الجنائية الدولية، ستستخدم نفوذها السياسي والدبلوماسي لعرقلة تنفيذ القرار. كما أن الدعم الأمريكي والغربي قد يشكل درعًا يحمي نتنياهو من أي محاكمة فعلية. لكن هذا لا يعني أن الطريق مسدود. فالشعوب الحرة والمنظمات الحقوقية حول العالم تمتلك اليوم فرصة ذهبية للضغط على حكوماتها لمحاسبة هذا المجرم، وجعل القرار أكثر من مجرد حبر على ورق.
مذكرة التوقيف بحق نتنياهو ليست مجرد قرار قانوني، بل هي إعلان بأن زمن الإفلات من العقاب قد ولى. إنها رسالة لكل طاغية ومحتل بأن كراسي الحكم لا تحمي من يدوس على كرامة الإنسان. اليوم، يقف نتنياهو في قفص الاتهام، وغدًا ستتساقط الأقنعة عن كل من ساند الاحتلال وظلمه. العدالة قادمة، والشعوب الحرة لن تتوقف عن النضال حتى تتحقق كرامتها وسيادتها على أرضها. فلسطين ليست وحدها، والحق لن يموت مهما طال الظلم.
هل سيكون القرار بداية لتحقيق العدالة للفلسطينيين أم مجرد خطوة رمزية عابرة؟ الإجابة ستتضح في قادم الأيام .
https://telegram.me/buratha