عمار البغدادي
بالأمس هوى حارث العبيدي حيث يترجل الرجال الكبار عن صهوة القمم العالية شهداء على طريق الحرية والاستقلال والكرامة ملبين رسالة الوطن منطلقين إلى أفق أوسع من هذا الذي نعيش فيه تاركين وراء ظهورهم رصاص القاتل المأجور وهو يتحدث عن قصة الخيانة والغدر وغياب الرجولة .
حارث العبيدي رجل الاعتدال السياسي كما وصفه رئيس الوزراء والركن المهم في العملية الوطنية كما وصفه نواب والأخ الكبير الذي كان يمثل حلقة الوصل لصلة رحم تحولت إلى قضية التباس سياسي بين فرقين أساسيين شكلا قاعدة التفاهم المشترك بين الشيعة والسنة وحركا منذ القدم المياه الراكدة بين الطوائف والملل والشعوب في محيطنا العربي والعالم .
أن شــهادة حــــارث العبيدي لاينبغي قراءتها في إطار الحزن العراقي المقيم أو نتدرج في التعاطي معها بوصفها تعويذة سياسية ‘ إن العبيدي شهيد وطن قبل أن يكون شهيد مجلس النواب وصريع مشروع وطني قبل أن يكون قتيل محراب وإذا كان الجو السياسي ابنه بهذا التوصيف اللائق فان الأليق هو أن يتحول هذا الشهيد الكبير خطا في الاعتدال السياسي يجد منعكسه الوطني في مفردات حياتنا العراقية .
حارث العبيدي لم يهو لأنه نائب عن جبهة التوافق أو رجل مسؤول في مجلس النواب أو لأنه خطيب في مسجد بغدادي عريق ولو كان كذلك لجرى التحفظ الأمني على شخصه منذ اليوم الأول لوجوده في الحياة النيابية كما يجري التحفظ الأمني والاحتراس المحلي الشديد على كثيرين اقل من العبيدي في الاهمية والاعتدال .لقد استهدفوا من خلاله الاعتدال السني في خضم مشتجر خلاف على هوية الاعتدال التي بدات تتدرج في سلم المشروع السياسي للأحزاب والقوى الوطنية في هذا الإطار ‘ وإذا كان حارث العبيدي رئيس كتلة التوافق العراقية في مجلس النواب فان الدور الوطني السياسي والاجتماعي والديني الذي كان يؤديه قد تجاوز بكثير مساحة هذه الرئاسة وحدود هذه الوظيفة ‘ لقد استهدفوا الاعتدال والقامة المديدة ورحابة الصدر والمروؤة والكرامة وقيم الاستقلال الوطني .
إن البكاء الشديد لنواب المجلس خصوصا دموع حسن السنيد (الشيعي) دموع عراقية وبكاء وطني وحسرات حقيقية على الرجل الذي ترك مكانه فارغا في قلوب محبيه وإخوانه من كل الطوائف والمكونات السياسية والدينية والقومية ‘ وسيبقى مكان العبيدي فارغا مادام الاعتدال هوى باستشهاده في ساحة سياسية ملتبسة ومشروع وطني بحاجة إلى العبيدي وأمثاله وفي مسيرة عبدتها دماء الشهداء والصديقين من العلماء والمفكرين والشعراء والفدائيين منذ ربع قرن من تاريخ سقوط العبيدي في ساحة الشهداء .
حين رأيت دموع السنيد أدركت(تفاهة الأزمة) بين الأحزاب السياسية العراقية التي حفرت أخاديدها في وجوه العراقيين طيلة السنوات الست الماضية ونالت من جهودهم الوطنية الكبيرة لنيل الاستقلال واستحصال السيادة المنقوصة والفوز ب(كل) الحرية والكرامة ومغادرة أخر جندي من القوات الأمريكية والمتعددة الجنسيات من العراق ‘ أن هذه الدموع هي التي ستقرر قيامة الوحدة الوطنية وترسخ قواعد الانسجام السياسي وتقيم أركان (الحكومات الرشيقة ) حين يأتي قطاف الانتخابات القادمة بحكومة وحدة وطنية ثانية .
ان هؤلاء الذين يتصيدون نوابنا الكبار ويلتقطون الرجال الأشداء منهم سيدركون يوما ما خطا الحسابات وخطل المراهنات ورعونة التعويل على القتل نظرية يومية لكسر شوكة التحدي بالوقوف إلى جانب شعبنا في معركة نيل الاستقلال وإعادة البناء والأعمار وإصلاح ماخربته السياسات السابقة للنظام البائد ولن يفلح الرصاص المنهمر من مسدساتهم في النيل من كرامة النائب العبيدي الذي رفعته يد الله (ويد الله فوق أيديهم) إلى عليين وفي سماء مجد هذا الشعب قبل أن ترفعه اكف الأصدقاء والشخصيات النبيلة وقادة البلاد .إلى اسرة حارث العبيدي وبناته وشقيقته أقول .. أن حارث هو شهيدنا المشترك وشتان بينك ياشهيد الاعتدال وقامة الوطن وبين حارث الضاري ! .
https://telegram.me/buratha