المهندس لطيف عبد سالم العكيلي *باحث وكاتب .
سعيا في الاسهام بتعزيز توجهات القيادات الادارية في بناء القطاع المالي والمصرفي بدعائم فاعلة بوسعها ضمان قابليته على تلبية ما تستلزمه مهمة إعادة بناء البلاد واعمارها ،نظم قسم الدراسات الاقتصادية في مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية التابع إلى الجامعة المستنصرية صباح يوم الأربعاء الموافق 19/12/2012 ندوته العلمية السنوية التي وسمها بـ ( القطاع المصرفي الخاص في العراق ودوره التنموي في الاقتصاد العراقي ) .وفي بداية الندوة التي اقيمت فعالياتها على قاعة المركز ،وحضرها عدد من الاكاديميين والاقتصاديين والكتاب والباحثين ،إضافة إلى بعض العاملين في القطاع المصرفي والمهتمين بالشأن الاقتصادي ،رحب الأستاذ الدكتور ستار جبار البياتي رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بجمهور الحاضرين ،ثم عرج الى الحديث عن الغاية من عقد الندوة واهميتها في تدعيم الاقتصاد العراقي الذي ما يزال يعاني كثير من المشكلات التي ينبغي مواجهتها بحكمة ومهنية ؛بالنظر لسلبية اثارها على اقتصادنا الوطني التي تستوجب وضع معالجات كفيلة بتجاوزها ،ثم اعلن الدكتور البياتي دعوته إلى الدكتور ماجد الصوري مستشار البنك المركزي لرئاسة الجلسة التي عرضت فيها اربعة بحوث ،إضافة إلى الدكتور عبد الرحمن المشهداني بوصفه مقرر الجلسة .
اول بحوث هذه الجلسة الذي اعده الأستاذ وليد عيدي مدير عام الإحصاء والأبحاث في البنك المركزي العراقي جاء تحت عنوان( الجهاز المصرفي في العراق ) تناول عدداً من المؤشرات الإحصائية المهمة التي من ابرزها الزيادات المتتالية التي شهدتها رؤوس أموال المصارف الحكومية التي بلغت حتى نهاية شهر تشرين الأول من عام 2012 ما مجموعه ( 754 ) مليار دينار ،مقابل ( 4.053 ) مليار دينار للمصارف الخاصة .أما أرصدة الاستثمار في المصارف العاملة في العراق فقد سجلت لغاية 31/10/2012 مبلغا قدره ( 5.947 ) مليار دينار ،كانت حصة المصارف الحكومية منها (4.929 مليار دينار) ،مقابل ( 1.018 ) مليار دينار للمصارف الخاصة ،فضلا عن اشارة الباحث إلى أن إجمالي الديون المتأخرة التسديد في المصارف العراقية وصلت لغاية 31/10/2012 إلى ( 441 ) مليار دينار ،كانت حصة المصارف الحكومية منها ( 234) مليار دينار ،مقابل (207 ) مليار دينار للمصارف الخاصة .وفي نهاية بحثه قدم الباحث جملة من المقترحات ،لعل من اهمها الفصل بين المالكين للمصرف وبين إدارة العمليات المصرفية ،وضرورة تبني المصارف التقنيات المصرفية ،إضافة إلى تطوير نظم الرقابة الداخلية و تطبيق معيار الإفصاح والشفافية .
أما البحث الثاني الذي شاركت به رابطة المصارف الخاصة ووسمته بـ ( مؤشرات تطور العمل المصرفي الخاص في العراق ) ،فقد أكد على تزايد عدد المصارف الخاصة في العراق ووصولها إلى ( 32 ) مصرفاً خلال عقدين من الزمان ،إضافة إلى تنامي عدد فروعها في العراق إلى أكثر من ( 500 ) فرعاً ،فضلا عن فروع المصارف الخارجية العربية والأجنبية التي بلغت (11) مصرفاً تمارس نوعين من الصيرفة هي الصيرفة التجارية والصيرفة الإسلامية .
ومن جملة المؤشرات المهمة التي تناولتها هذه الورقة هو أن موجودات هذه المصارف بلغت ( 12.1 ) ترليون دينار عراقي ،حيث بلغ حجم الودائع ( 8.0 ) ترليون دينار ،ووصل الائتمان النقدي الى ما مجموعه ( 3.6 ) ترليون دينار ،في حين وصلت رؤوس أموال هذه المصارف واحتياطاتها الى ( 3.3 ) ترليون دينار عراقي .واللافت للانتباه تأكيد هذه الورقة على أن جدوى الاستثمار الرأسمالي في العراق ربما تكون الأوضح في القطاع المصرفي الذي وصلت فيه مجموع ارباح هذه المصارف الى ( 477.7 ) مليار دينار .
ثالث بحوث هذه الندوة الذي حمل عنوان ( أهمية تقييم الأداء المالي للمصارف الخاصة في تمويل النشاط الاستثماري / مصرف كردستان الدولي انموذجاً ) شارك به أستاذ المالية العامة المساعد الدكتور هاشم محمد العركوب من كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة الموصل .وقد عبر الباحث في ورقته على أن المصارف التجارية من المؤسسات المهمة التي تمثل قلب النظام المالي ؛بالنظر لكونها تؤدي مجموعة من الفعاليات ( النقدية والمالية ) التي تساهم في تحفيز النشاط الاقتصادي وتمويل جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية .
ويؤكد الباحث في ختام ورقته على التطور في أسلوب ومجال المصارف الأهلية على الرغم انخفاض حجم سيولة بنك كوردستان ( عينة البحث ) في السنوات 2008 و 2010 ، مقارنة بعام 2007 ، وتذبذب كفاءة أداءه ،معللا ذلك بالتوسع في استخدام الحاسبة الالكترونية واستخدام الوسائل والنظم الحديثة المناسبة لأداء الخدمات المصرفية بأحدث الطرق التكنولوجية المتطورة ،ومن جملة ذلك تشغيل ونصب عدد من أجهزة الصرف الآلي ( ATM ) ،وأجهزة نقاط البيع ( POS ) ، إضافة إلى تجديد نظام السويفت العالمي ( SWIFT ) واستخدام عمل الحوالات المنفذة عن طريق شركة ويسترن يونين العالمية .
اخر بحوث الندوة الذي حمل عنوان ( مساهمة القطاع المصرفي في الاقتصاد العراقي بعد عام 2003 ) شارك به الأستاذ المساعد الدكتور عمرو هشام محمد من قسم الدراسات الاقتصادية في مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية .وقد اشار الباحث في ورقته إلى أن مساهمة القطاع المصرفي تبقى ضعيفة في الاقتصاد العراقي على الرغم من اتجاهها التصاعدي .إذ لم تتجاوز نسبة مساهمته الـ ( 1.7% ) في عام 2009 ،إضافة إلى أن رؤوس أموال المصارف العراقية تبقى متواضعة بسبب عوامل عدة ،من جملتها ظهور المصارف الخاصة في بداية العقد التاسع من القرن الماضي في ظل ظروف الحصار الاقتصادي آنذاك ،ما جعلها منعزلة ومنغلقة على بيئتها المحلية التي كانت تعاني ضعفاً اقتصادياً وتدني في مستويات المعيشة .وهو الامر الذي افضى إلى حاجة المصارف الحكومية تحديداً إلى عملية إعادة هيكلة تتضمن إعادة النظر بعدد الموظفين في هذه المصارف ،والمهارات المطلوب توافرها لدى العاملين فيها .
ويرى الباحث أن الاقتصاد العراقي يعاني من مشاكل متعددة بعضها موروث عن الحقبة السابقة وبعضها مستجد ومرتبط بظروف الاقتصاد العالمي ،ما افضى إلى جعله يحتاج أكثر من غيره من الاقتصادات المجاورة إلى وجود قطاع مالي ومصرفي يمتاز بالكفاءة والفاعلية العالية ،بما يمكنه من تلبية متطلبات إعادة البناء والاعمار وإطلاق طاقاته الكامنة التي تعيده لوضعه الطبيعي والمستحق بين دول العالم .وفي نهاية الندوة جرى حوار علمي جاد بصدد محتوى الأوراق العلمية التي تم طرحها من قبل المشاركين من قبل الاقتصاديين والمهتمين بالقطاع المصرفي من الذين حضروا هذا اللقاء العلمي .وقد تركزت محاور النقاش في جملة من النقاط التي عبرت عن المشاكل التي يعاني منها القطاع المصرفي ،ومن ابرز مواضيعها الوعي المصرفي ،مدى التواصل بين المصارف وبين الزبائن ،التعامل بين المؤسسات المالية وسوق العراق للأوراق المالية والجهاز المصرفي ،العلاقة والتكامل بين البنك المركزي العراقي والمصارف الخاصة ،إضافة إلى الاستراتيجيات المصرفية الفاعلة واستخدام التقنيات المصرفية.
وبعد انتهاء فترة المناقشة جرى تثبيت التوصيات التي كان من اهمها إعادة هيكلة المصارف الحكومية و إجراء الإصلاحات القانونية من خلال إعادة النظر في الإطار التشريعي لعمل المصارف الخاصة وآليات تعاملها مع البنك المركزي العراقي واستخدام التقنيات المصرفية ،والتركيز على المهارات المطلوب توافرها لدى العاملين فيها ،إضافة إلى السير قدما بخطوات تسهم بتطبيق الحوكمة الرشيدة في القطاع المصرفي . أما مسك الختام فقد تضمن توزيع الشهادات التقديرية على الباحثين المشاركين بأعمال الندوة .
4/5/1315
https://telegram.me/buratha