الدكتور فاضل حسن شريف
يقول السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره عن قوله تعالى "وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود" (البقرة 125) أن جعل الاعتكاف قسيماً للطواف وللركوع والسجودـ أي الصلاة ـ وعده في قبالهما لهما فيه دلالة واضحة على أنه بنفسه عبادة مستقلة لا يعتبر فيها ضمّ عبادة أخرى إليها. وبما دل على الامر بالمسارعة للخير من الآية "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ" (البقرة 148).
في فقه القضاء للسيد محمد سعيد الحكيم: لو لم يجز حكم الحاكم بعلمه لزم إما فسقه، أو إيقاف الحكم، و هما معا باطلان، و ذلك لأنه إذا حكم بخلاف ما يعلم كان حاكما بالباطل فيفسق، و إذا توقف عن الحكم لزم إيقاف الحكم لا لموجب. بل يلزم تركه إنكار المنكر و إظهار الحق مع إمكانه، و هو محرم. و فيه: أنه إن استفيد من الأدلة موضوعية قيام الحجج التي يرتكز عليها القضاءكالبينة و اليمين و اليدو إن لم تكن حجة على الحاكم كان الحكم على طبقها حقا لازما غير موجب للفسق و إن كان مخالفا للواقع. و إن لم يتم ذلك تعين التوقف عن الحكم. و كفى بذلك موجبا له. و لا محذور في عدم إظهار الحق، إذا كان الخارج عنه متسترا بذلك، بل يجب ستره عليه حينئذ، و يحرم فضحه، فضلا عن عقوبته بعد عدم تمامية شروطها الشرعية. و لذا قد لا تجوز الشهادة عليه إذا لم يتم النصاب، و قد يحدّ الشهود حدّ الفرية. غاية الأمر أن ينكر المنكر عليه سرّا حينئذ. الخامس: ما تضمن الخطاب بالحكم عند تحقق موضوعه، كالخطاب بالحدود و القصاص عند تحقق أسبابها، في قوله تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى" (البقرة 178) و غيرها. فمع علم الحاكم بتحقق الموضوع يتعين عليه ترتيب الحكم، و العمل عليه. و فيه: أنه حيث لا ريب في عدم السلطنة على ترتيب تلك الأحكام إلا لخصوص بعض الناس، و في خصوص بعض الحالات، و البناء على عدم الإطلاق للخطابات المذكورة و عدم نظرها لمقام العمل، و أنها واردة لسببية هذه الأسباب في الجملة، أو لبيان مجرد كونها مقتضيات من دون أن تكون عللا تامة، أولى من البناء على إطلاقها، ثم تخصيصها، لاستلزامه كثرة موارد التخصيص، بنحو قد يكون مستهجنا. و لا سيما مع اختلاف أحكام بعض هذه الموضوعات باختلاف طرق الإثبات، مثل ما أشير إليه في السؤال الآتي من لزوم الحدّ مع البينة و جواز العفو مع الإقرار. و ما في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: (أنه سئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال و امرأتان، قال: فقال: إذا شهد عليه ثلاثة رجال و امرأتان. وجب عليه الرجم، و إن شهد عليه رجلان و أربع نسوة فلا تجوز شهادتهم، و لا يرجم، و لكن يضرب حدّ الزاني) و غيرهما. فإن اختلاف الحكم باختلاف الطريق شاهد بعدم تمامية موضوع الحكم قبل قيام الطريق.
في سؤال هل أن العمد و شبه العمد و الخطأ المحض في ذلك سواء؟ اجاب السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: نعم أصل الدية في الجميع على نحو واحد، لعدم الفرق بينها في ما سبق. و إن تقدم احتمال كون بعض الخصوصيات فيها واردة مورد العقوبة. كما أن ثبوت القصاص في العمد يبتني على العقوبة الرادعة و التنكيل بالجاني، لوضوح عدم تدارك الخسارة به، و ابتنائه على شدة التنكيل، المستلزم لقوة رادعيته، كما يناسبه قوله تعالى: "وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة 179). و مبنى التنازل عن القصاص و الانتقال للدية على رفع اليد عن العقوبة، و الاهتمام بتدارك الخسارة.
جاء في كتاب فاجعة الطف للسيد محمد سعيد الحكيم: خطبة الزهراء عليها السلام الكبرى عن الطبرسي: أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته. أيها المسلمون أغلب على إرثي؟. يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: "إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ" (البقرة 180.
جاء في كتاب مصباح المنهاج / التجارة للسيد محمد سعيد الحكيم: عن محمد بن مسلم المتقدم عن صحة الوصية من الأب بأولاده الصغار فالمستفاد عرفاً ابتناء الوصية المذكورة على قيام الوصي مقام الأب في رعاية مصلحة الصغير وسدّ حاجته في جميع شؤون حياته، وإن لم ينص عليها، ومقتضى ذلك ولايته على تزويجه إذا كان صلاحاً له أو كان الصغير محتاجاً له، كما يكون ولياً عليه في غير التزويج إذا كان كذلك. نعم لا يكفي مجرد عدم ظهور الضرر عليه بالتزويج، لقصور الوصية أو انصرافها عنه، لأن أهمية التزويج وما يترتب عليه من اللوازم في المزوج لا يناسب سلطنة الوصي فيه لذلك. وأما الثاني فربما يستدل على نفوذ الوصية فيه بقوله تعالى: "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاَ على المتقين فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلـح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم" (البقرة 181-183) بدعوى: أن صدورها وإن كان مختصاً بالوصية المالية للوالدين والأقربين، إلا أن الاستدلال بقوله: "فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه" (البقرة 183) في النصوص الكثيرة على نفوذ الوصية في غير ذلك شاهد بإلغاء خصوصيته وعموم نفوذ الوصية.
قال اية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره الصوم عرفاً وشرعاً ليس مجرد ترك المفطر، بل القصد إلى ذلك، ولذا يصدق مع فعل المفطر جهلاً أو نسياناً، ولا يصدق بتركه من دون قصد إليه، فهو متقوم بالقصد. وحينئذٍ فظاهر قوله تعالى: "فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل" (البقرة 187). لزوم الصيام بالمعنى المذكور من ظهور الفجر إلى الليل وإشغال النهار كله بذلك. وهو مقتضى إطلاق قوله تعالى: "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون* أياماً معدودات" (البقرة 183-184)، وغيره مما تضمن الصيام في اليوم، وصيام اليوم، من الآيات والنصوص الكثيرة. فيكون ذلك هو الأصل في الصوم، ما لم يثبت الاجتزاء بنية الصوم في أثناء النهار، واحتساب ما سبق من الإمساك من دون نية منه. هذا بالإضافة إلى نية الصوم، التي هي محل الكلام في المقام. وأما كون الداعي لذلك هو التقرب، وامتثال الأمر الشرعي به، فهو مفروغ عنه، تبعاً للمفروغية عن كون الصوم من العبادات، وليس الكلام في وجوب مقارنته للفجر وعدمها إلا تبعاً للكلام في وجوب مقارنة نية الصوم له، ولا يحتمل وجوب مقارنة نية الصوم للفجر، وعدم وجوب مقارنة التقرب به له، بحيث يكتفي بنية الصوم مقارنة للفجر مع تأخر التقرب بها عنه.
https://telegram.me/buratha