الدكتور فاضل حسن شريف
يقول اية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: لإطلاق أدلة وجوب الصوم ومشروعيته بعد عدم صدق المرض به. ولاسيما مع كثرة حصوله من الصوم، خصوصاً لمن صادف أن لم يتسحر، كما كان هو الغالب في أول تشريع الصوم حين كان النوم ليلاً موجباً لتحريم الطعام والشراب على الصائم، على ما تضمنته النصوص الواردة في تفسير قوله تعالى: "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ" (البقرة 187) بل تضمنت هذه النصوص أن بعض الصحابة كان يغشى عليه من الجوع نتيجة لذلك، ومع ذلك لم يأمره النبي صلى الله عليه واله وسلم بالإفطار.
جاء في كتاب مصباح المنهاج / الصوم للسيد محمد سعيد الحكيم: سألت الرضا عليه السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان، فنام عمداً حتى يصبح، أي شيء عليه؟ قال: لا يضره هذا، ولا يفطر، ولا يبالي، فإن أبي قال: قالت عائشة: إن رسول الله أصبح جنباً من جماع غير احتلام، فإن الاستدلال بحديث عائشة ليس من طريقتهم، ومناسب للتقية جداً. ومن هنا يضعف ما في ظاهر المقنع من عدم مفطريته، وعن الداماد والاردبيلي والكاشاني الميل إليه أو القول به. وقد استدل لهم بقوله تعالى: "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ" (البقرة 187). بدعوى: أن مقتضى إطلاق صدره وصراحة ذيله جواز الجماع في آخر جزء من الليل، وعدم إخلاله بالصوم، وحيث كان مستلزماً للبقاء على الجنابة عند الفجر كشف عن عدم مفطريته. وربما يجاب عن ذلك بأن إطلاق الصدر مقيد بالنصوص المتقدمة. والغاية في الذيل كما يمكن أن ترجع للجماع والأكل والشرب يمكن أن ترجع للأكل والشرب فقط، لأن القيد المتعقب لجمل متعددة كما يمكن رجوعه للكل يمكن رجوعه للأخير فقط، وهو المتيقن في المقام، بل المتعين بقرينة النصوص المتقدمة. ولعل الأولى أن يقال: الآية الكريمة قد وردت لنسخ حكمين كانا مشرعين سابقاً في الصوم: الأول: حرمة الجماع في ليلة اليوم الذي يصام. والثاني: جواز الأكل والشرب للصائم ما لم ينم، فإذا نام حرم الأكل والشرب عليه.
يبين المرجع الاعلى السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: أما في الكتاب المجيد فلعدم التعرض فيه للاعتكاف "وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد" (البقرة 187). وقد تقدم في الشرط الأول تقريب حمل الآية الأولى على الاعتكاف اللغوي، دون الشرعي، كما هو الظاهر من الثانية أيلسضاً. وأما الثالثة فلو سلم ورودها في الاعتكاف الشرعي لا إطلاق لها ببيان حدوده، بل هي واردة لبيان حكمه في ظرف انعقاده. وكذا الحال في السنة الشريفة، فإنها بين ما ورد في الاعتكاف في مدة خاصة كالعشر، والشهرين وما ورد في مقام البيان من جهات خاصة، كتحديد أقل الاعتكاف ومكانه وشروطه، وأحكامه في ظرف انعقاده، من دون أن يكون فيها ما يصلح لبيان عموم مشروعيته من حيثية المقدار. ومثله دعوى: أن ظاهر التحديد في النصوص بالثلاثة في طرف القلة جواز الزيادة عليها.
يبين المرجع الاعلى السيد محمد سعيد الحكيم: أن الصوم عرفاً وشرعاً ليس مجرد ترك المفطر، بل القصد إلى ذلك، ولذا يصدق مع فعل المفطر جهلاً أو نسياناً، ولا يصدق بتركه من دون قصد إليه، فهو متقوم بالقصد. وحينئذٍ فظاهر قوله تعالى: "فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" (البقرة 187). لزوم الصيام بالمعنى المذكور من ظهور الفجر إلى الليل وإشغال النهار كله بذلك. وهو مقتضى إطلاق قوله تعالى: "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون* أياماً معدودات" (البقرة 183-184)، وغيره مما تضمن الصيام في اليوم، وصيام اليوم، من الآيات والنصوص الكثيرة. فيكون ذلك هو الأصل في الصوم، ما لم يثبت الاجتزاء بنية الصوم في أثناء النهار، واحتساب ما سبق من الإمساك من دون نية منه. هذا بالإضافة إلى نية الصوم، التي هي محل الكلام في المقام. وأما كون الداعي لذلك هو التقرب، وامتثال الأمر الشرعي به، فهو مفروغ عنه، تبعاً للمفروغية عن كون الصوم من العبادات، وليس الكلام في وجوب مقارنته للفجر وعدمها إلا تبعاً للكلام في وجوب مقارنة نية الصوم له، ولا يحتمل وجوب مقارنة نية الصوم للفجر، وعدم وجوب مقارنة التقرب به له، بحيث يكتفي بنية الصوم مقارنة للفجر مع تأخر التقرب بها عنه.
جاء في كتاب مصباح المنهاج / التجارة للسيد محمد سعيد الحكيم: حرمة الرشوة في الجملة من القطعيات المدعى عليها الإجماع منّا ومن المسلمين عامة. وقد استدل عليها ـ مضافاً إلى ذلك ـ بالكتاب المجيد والسنة الشريفة. أما الكتاب المجيد فبقوله تعالى: "وَلاَ تَأكُلُوا أَموَالَكُم بَينَكُم بِالبَاطِلِ وَتُدلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأكُلُوا فَرِيقًا مِن أَموَالِ النَّاسِ بِالإِثمِ وَأَنتُم تَعلَمُونَ" (البقرة 188) . حيث قد يستدل به بحمل المال الذي يدلى به للحكام على الرشوة التي تكون سبباً للحكم بالجور وأكل فريق من أموال الناس حراماً. لكن الذي يظهر من غير واحد من المفسرين أن المال الذي يدلى به للحكام هو المال الذي يدعى بلا حق ويرفع أمره لهم ليحكموا فيه بالجور لغير أهله، فهو عين المال الذي أريد بقوله تعالى: "لِتَأكُلُوا فَرِيقًا مِن أَموَالِ النَّاسِ" (البقرة 188) . وهو وإن كان لا يناسب ظهور التعبير المذكور في التباين بينهما، إلا أنه يناسبه ما في معتبر أبي بصير: "قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : قول الله عز وجل في كتابه: "وَلاَ تَأكُلُوا أَموَالَكُم بَينَكُم بِالبَاطِلِ وَتُدلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ" (البقرة 188) ، فقال: يا أبا بصير إن الله عز وجل قد علم أن في الأمة حكاماً يجورون. أما إنه لم يعن حكام أهل العدل، ولكنه عنى حكام أهل الجور. يا أبا محمد إنه لو كان لك على رجل حق فدعوته إلى حكام أهل العدل، فأبى عليك إلا أن يرافعك إلى حكام أهل الجور ليقضوا له لكان ممن حاكم إلى الطاغوت..." لظهوره في ورود الآية للردع عن التحاكم لحكام أهل الجور، لا عن الرشوة للحكام. وأظهر منه في ذلك ما رواه في مجمع البيان عنه عليه السلام أنه قال: "علم الله أنه سيكون في هذه الأمة حكام يحكمون بخلاف الحق، فنهى المؤمنين أن يتحاكموا إليهم وهم يعلمون أنهم لا يحكمون بالحق"
https://telegram.me/buratha