الدكتور فاضل حسن شريف
واستمر الشيخ جلال الدين الصغير في حديثه عن نزول الآية (الرعد 43) في كتابه من عنده علم الكتاب قائلا: وقد نقل السيوطي عن ابن الضريس وأبي عبيد كل في كتابه فضائل القرآن وكذا عن أبي بكر بن الأنباري قولهم بنزولها في المدينة. ونقل عن أبي الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عباس، وعن ابن مردويه، عن ابن الزبير أنها مدنية، وعن ابن المنذر، وابن الشيخ، عن قتادة أنها مدينة إلا آية مكية: " وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ" (الرعد 31). وقال الجوزي: واختلفوا في نزولها على قولين: والثاني: أنها مدنية، رواه عطاء الخراساني، عن ابن عباس، وبه قال جابر بن زيد، وروي عن ابن عباس أنها مدنية، إلا آيتين نزلتا بمكة. ونقل الطبرسي فيما نقله من أقوال العامة عن الحسن البصري وعكرمة وقتادة قولهم أنها مدنية إلا آيتين نزلتا بمكة "وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ" (الرعد 31) وما بعدها. وعلى أي حال فإن جميع من قال بنزول آية: "وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" (الرعد 43) بحق علماء أهل الكتاب، أو قال بكون الكتاب المشار إليه في الآية إنما هو كتاب أهل الكتاب، فقد قال بنزولها في المدينة، لأنه لا يعقل أن تنزل في مكة وأولئك إنما أسلموا في المدينة.
واستطرد الشيخ الصغير قائلا: وعلى خلاف هؤلاء فقد قال جمع من المفسرين بنزولها في مكة حيث روى السيوطي عن النحاس في ناسخه، عن ابن عباس، وعن سعيد بن منصور، عن سعيد بن جبير كونها نزلت في مكة. ونقل عن أبي الحسن بن الحصار في كتابه الناسخ والمنسوخ قوله في قصيدة مطلعها: يا سائلي عن كتاب الله مجتهدا وعن ترتيب ما يتلى من السور إلى أن يقول: هذا الذي اتفقت فيه الرواة له وقد تعارضت الأخبار في أخر الرعد مختلف فيها متى نزلت وأكثر الناس قالوا الرعد كالقمر وانتهى السيوطي بعد ذلك إلى القول: والذي يجمع به بين الاختلاف أنها مكية إلا آيات منها. ونقل الجوزي عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس كونها مكية قال: وبه قال الحسن وسعيد بن جبير وعطاء وقتادة، وروى أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية إلا آيتين منها. ونقل الطبرسي في نقله أقوال العامة عن ابن عباس وعطاء قولهم بمكيتها، وعن الكلبي ومقاتل قولهم بذلك باستثناء آخر آية منها نزلت في عبد الله بن سلام. ونقل الآلوسي من طريق مجاهد عن ابن عباس، كونها مكية أيضا. ولكن العلامة الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه أكد على مكية السورة فقال: والسورة مكية كلها على ما يدل عليه سياق آياتها، وما تشتمل عليه من المضامين، ونقل عن بعضهم أنها مكية إلا آخر آية منها فإنها نزلت بالمدينة في عبد الله بن سلام، وعزي ذلك إلى الكلبي ومقاتل، ويدفعه أن مختتم السورة قوبل بها ما في مفتتحا من قوله: "وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ" (الرعد 1). ولا يكاد بالإمكان أن يخرج المدقق في تفاسير العامة بقول قاطع بجمع هذه المتعارضات، إلا أنه من الواضح أن الصفة المكية تلوح عليها أكثر من الصفة المدنية، كما في حديثه تعالى الكثير عن الذين كفروا، وتركيزه بالتبع إلى ذلك على الحديث العقائدي المرتبط بهم، وهي حالة تمت في الغالب في مكة، إلا أن بضعة آيات منها قد تلوح عليه هو الآخر الصفة المدنية كما في الآيات "وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ" (الرعد 22)، و "وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ" (الرعد 31)، و "وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ" (الرعد 36).
وعن أي شاهد وأي شهادة؟ يقول الشيخ جلال الدين الصغير: ليس من العسير ملاحظة أن أحد المهمات الكبرى التي أوكلت إلى رسول الله (ص) هي كونه مرسلا كشاهد من السماء على العالمين وهو يحكيه قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا" (الاحزاب 45) وكذا قوله تعالى: "إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا" (الفتح 8) وأيضا قوله تعالى: "إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ" (المزمل 15)، وإزاء هذه المهمة الكبرى لا بد لنا وأن نتساءل بجدية ومسؤولية عما إذا كانت هذه المهمة قد استوفت أغراضها في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحيث أن الشارع المقدس لم يعد بحاجة لأحد كي يقوم بهذه المهمة بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، أم أن الأمر ليس بهذه السذاجة بحيث أن الشهادة تنتفي بمجرد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما لا بد من وجود من يتم هذا الدور بعد وفاته بأبي وأمي؟.
https://telegram.me/buratha