الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب من عنده علم الكتاب للشيخ جلال الدين الصغير: وروي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: من "عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" (الرعد 43) إنما هو علي، لقد كان عالما بالتفسير والتأويل والناسخ والمنسوخ. وروي عن محمد بن الحنفية رضي الله عنه قوله: عند أبي أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه علم الكتاب الأول والآخر. ونقل عن سليم بن قيس، عن قيس بن سعد بن عبادة أن قال: "وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" (الرعد 43) علي. قال: معاوية بن أبي سفيان: هو عبد الله بن سلام قال قيس ابن سعد: أنزل الله: "إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ" (الرعد 7) وأنزل: "أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ" (هود 17) فالهادي من الآية الأولى، والشاهد من الآية الثانية علي، لأنه نصبه صلى الله عليه وآله وسلم يوم الغدير، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وقال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فسكت معاوية ولم يستطع أن يردها. ثم قال نقلا عن بعض المحققين: إن الله تبارك وتعالى بعث خاتم أنبيائه وأشرف رسله وأكرم خلقه بمنه وتحننه وفضله العظيم، بسابق علمه ولطفه بعد أخذه العهد والميثاق على أنبيائه وعباده بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ" (ال عمران 81) ولما فتح الله أبواب السعادة الكبرى والهداية العظمى برسالة حبيبه على العرب وقريش وخصوصا على بني هاشم بقوله تعالى: "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" (الشعراء 214) ورهطك المخلصين، اقتضى العقل أن يكون العالم بجميع أسرار كتاب الله، لا بد أن يكون رجلا من بني هاشم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه أقرب له من سائر قريش، وأن يكون إسلامه أولا ليكون واقفا على أسرار الرسالة وبدء الوحي، وأن يكون جميع الأوقات عنده بحسن المتابعة ليكون خبيرا عن جميع أعماله وأقواله، وأن يكون من طفوليته منزها من أعمال الجاهلية ليكون متخلقا بأخلاقه ومؤدبا بآدابه ونظيرا بالرشيد من أولاده فلم يوجد هذه الشروط لأحد إلا في علي عليه السلام.
ويستطرد الشيخ الصغير قائلا: وأما عبد الله بن سلام لم يسلم إلا بعد الهجرة فلم يعرف سبب نزول السور التي نزلت قبل الهجرة، ولما كان حاله هذه لم يعرف حق تأويلها بعد إسلامه، مع أن سلمان الفارسي الذي صرف عمره الطويل ثلاثمائة وخمسين سنة في تعلم أسرار الإنجيل والتوراة والزبور وكتب الأنبياء السابقين والقرآن لم يكن من "عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" (الرعد 43) لفقده الشروط المذكورة، فكيف يكون من "عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" (الرعد 43) ابن سلام الذي لم يقرأ الإنجيل ولم يوجد فيه الشروط، ولم يصدر منه مثل ما صدر من علي يعسوب الدين من الأسرار والحقائق في الخطبات مثل قوله: (سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين جنبي علوما كالبحار الزواخر) ومثل ما صدر من أولاده الأئمة الهداة عليهم سلام الله وبركاته من المعارف والحكم في تأويلات كتاب الله وأسراره. ونقل الحاكم الحسكاني الحنفي في كتابه شواهد التنزيل أغلب هذه الروايات. وكان ابن المغازلي الشافعي قد قال: أخبرنا أحمد ابن محمد بن طاوان إذنا أن أبا أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب أخبرهم قال: حدثنا محمد بن جعفر بن محمد العسكري حدثنا محمد بن عثمان حدثنا إبراهيم بن محمد ابن ميمون حدثنا علي بن عابس قال: دخلت أنا وأبو مريم على عبد الله بن عطاء قال أبو مريم: حدث عليا بالحديث الذي حدثتني عن أبي جعفر قال: كنت عند أبي جعفر جالسا إذ مر عليه ابن عبد الله بن سلام قلت: جعلني الله فداك هذا ابن الذي عنده علم من الكتاب؟ قال: لا، ولكنه صاحبكم علي بن أبي طالب الذي نزلت فيه آيات من كتاب الله عز وجل: الذي "عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" (الرعد 43) "أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ" (هود 17) "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ" (المائدة 55). وقال الآلوسي: وقال محمد بن الحنفية والباقر كما في البحر: المراد بمن علي كرم الله تعالى وجهه والظاهر أن المراد بالكتاب حينئذ القرآن.
ويستنتج الشيخ جلال الدين الصغير من روايات العامة معلقا على المنحرفين قائلا: هذه جملة من مرويات أهل العامة قدمتها لا على سبيل الحصر والاستقصاء، وإنما هو قراءة لما عن لنا من مصادرهم، فعلام إذن ترك داعية الانحراف كل هذه الروايات، وتلكم التي أوردناها عن أهل البيت عليهم السلام؟، وتشبث بروايات لا تستقيم لها طرق القوم، فضلا عن طرق أهل البيت عليهم السلام، أهو أمية وجهل بالقرآن؟ أم إحنة تجاه علي؟ أم ممالأة لأهل الكتاب؟ لعل هذه التساؤلات لو ربطت بما سننقله من أقوال تيار الانحراف تجاه الإمام أمير المؤمنين وخطه، ما من شأنه أن يكشف لنا عن الأجوبة الحقيقية المؤلمة.
https://telegram.me/buratha