الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تبارك وتعالى عن كلمة العقاب ومشتقاتها "وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ" ﴿الرعد 32﴾ جزاء فعل السُّوء، الجزاء بالشَّرِّ، عكسه الثَّواب، و "إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ" ﴿ص 14﴾ مَا يُعَاقَبُ بِهِ الْمُذْنِبُ كالمكذب، و "كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ" ﴿غافر 5)، و "مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ" ﴿فصلت 43﴾ عقاب بكسر العين هو الجزاء الذي ينال الإنسان على فعل الشر، و "وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب" ﴿البقرة 196﴾، و "سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ۗ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿البقرة 211﴾، و "كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿آل عمران 11﴾ معنى العقوبة والمعاقبة يختص بالعذاب، وأصلها العَقِب، وهو مؤخَّر الرِّجل، وعقيب الشيء ما يلي من آخره، و "وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿المائدة 2﴾، و "اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" ﴿المائدة 98﴾ العقاب هو الضرر المستَحق المقرون بالاستخفاف والإهانة، و "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" ﴿الأنعام 165﴾، و "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" ﴿الأعراف 167﴾ ما يوجب استحقاق العقاب أمرين، وهما: فعل القبيح والإخلال بالواجب، و "ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿الأنفال 13﴾، و "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿الأنفال 25﴾، و "وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿الأنفال 48﴾ أصل العقاب التلو وهو تأدية الاول إلى الثاني يقال عقب الثاني الاول إذا تلاه، وعقب الليل النهار، والليل والنهار هما عقيبان، و "كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ۙ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿الأنفال 52﴾.
قال الله جل جلاله عن النقمة والانتقام "مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ۗ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ" ﴿آل عمران 4﴾ ذو انتقام: عقوبة شديدة ممن عصاه لا يقدر على مثلها أحد، و "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ" ﴿المائدة 59﴾ تنقمون: تنقم فعل، ون ضمير، تنقمون: تكرهون أو تعيبون أو تُنكرون، و "وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ" ﴿المائدة 95﴾ فينتقم: الفاء حرف واقع في جواب الشرط، ينتقم فعل، ، و "وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ۚ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ" ﴿الأعراف 126﴾ وما تنقم منا اي ما تكره و ما تعيب منّا، و "فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ" ﴿الأعراف 136﴾ ال فرعون نزلت عليهم النقمة، و "وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ" ﴿التوبة 74﴾ نقموا اي كرهوا و عابوا أو أنكروا، و "فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ" ﴿ابراهيم 47﴾، و "فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ" ﴿الحجر 79﴾.
عَنِ الْمَشْرِقِيِّ حَمْزَةَ بْنِ الْمُرْتَفِعِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى "وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوىٰ" طه 81) مَا ذَلِكَ الْغَضَبُ؟ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍعليه السلام: هُوَ الْعِقَابُ يَا عَمْرُو إِنَّهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ زَالَ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ، فَقَدْ وَصَفَهُ صِفَةَ مَخْلُوقٍ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَسْتَفِزُّهُ شَيْءٌ فَيُغَيِّرَهُ. على أن مواضع معصية الله تعالى وانتهاك حرماته، حَرية بغضبه ولعنته، وقد تنزل اللعنة والنقمة عليها فتعم من فيها ولو من غير أهله. قال الله تعالى: "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" (الانعام 68). وفي حديث عبدالله بن صالـح عن الإمام الصادق عليه السلام: (قال: لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلساً يعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره). وفي صحيح عبدالله بن ميمون القداح عنه عليه السلام: (قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يقوم مكان ريبة).
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: منتقمون من مادة الانتقام، وكما قلنا سابقا فإنها تعني العقوبة والجزاء، وإن كانت كلمة الانتقام تعطي معنى آخر في محادثاتنا اليومية في عصرنا الحاضر، حيث تعني العقوبة المقترنة بإخماد نار الغضب وتفريغ ما في القلب من انفعال وحب الانتقام، إلا أن هذا الأمر لا وجود له في المعنى اللغوي للكلمة.
قال الله تبارك وتعالى "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿الرعد 6﴾ المثلات جمع مثلة بفتح الميم وضم الثاء ومعناها عقوبة. التفسير الاشتقاقي لجذر الكلمة مثل: المثلة: نقمة تنزل بالإنسان فيجعل مثالا يرتدع به غيره، وذلك كالنكال، وجمعه مثلات"مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ" (الرعد 6).
في رواية ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاقب أقواماً سرقوا وقتلوا وكفروا عقاباً أليماً، وكانت السرقة إحدى جرائمهم، فإنهم قدموا من عكل أو عرينة، فاجتووا المدينة، نزلوا بها، ثم مرضوا، ولم يلائمهم جوها، فأحسن إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمرهم بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، علاج للحمى، وعلاج للمرض الذي أصابهم، وبول كل ما أكل لحمه طاهر، فانطلقوا فلما صحوا رجعت إليهم الصحة، قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واستاقوا النعم أخذوا الإبل، فجاء الخبر في أول النهار، وكان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبطال، فبعث في آثارهم، فما ارتفع النهار حتى جيء بهم عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاضرين، ألقي القبض عليهم. عندما ارتفع النهار إلا والسراق عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقطع أيديهم وأرجلهم، ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها، وطرحهم بالحرة، على الصخور الحارة، يستسقون فلا يُسقون، قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا، وقتلوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله. وقد يصل بالسراق المحترفين حد استخدام العنف لمن يقف امامهم، وبمعنى اخرى يحاربون من يقف ضدهم فهم بالحقيقة محاربون مفسدون كما قال الله تبارك وتعالى "الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا" (المائدة 33). وبوجود هؤلاء السراق المحترفين في اوساط المجتمع فان ذلك يؤدي الى نشر الجريمة و والفاحشة واضاعة المال وقطع الرحم وهتك العرض، بالاضافة الى ان عملهم رجس من عمل الشيطان قال عز من قائل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ" (المائدة 90-91). ان انزال العقاب للسراق المحترفين يعني ضربة قوية للشيطان. قال رسول الله صلى الله عليه وآله (إنّ الشيطان لا يخرج في هذه الليلة، حتّى يضئ فجرها، ولا يستطيع فيها على أحد بخبل أو داء أو ضرب من ضروب الفساد، ولا ينفذ فيه سحر ساحر). فلا يترك السارق بدون عقوبة فان تركه يعني عصر الجاهلية "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ" (المائدة 50).
https://telegram.me/buratha