الدكتور فاضل حسن شريف
يستمر الشيخ جلال الدين الصغير متحدثا عن امتداد العصمة في كتابه عصمة المعصوم تكملة للحلقات السابقة قائلا: نجد أن جميع الآيات التي رأيناها تتحدث عن عصمة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في حدودها التفصيلية ، قد قرنت هي او مثيلاتها إلى جنبه جهة أخرى تماثله في عصمته ، فآية "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبَابِ" (ال عمران 7) إذ لا تحصر علم التأويل في الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فإن آية: "وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" (الرعد 43) بعد ان أظهرت تطابق علم «من عنده علم الكتاب» ، مع علم «الراسخين في العلم» فإنها أظهرت في نفس الوقت المرادف الآخر لعلم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. وآية الولاية "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ" (المائدة 55-56) التي دلّتنا في ما دلّتنا عليه على عصمة الرسول صلىالله عليه وآله وسلم في ولايته، فإنها قد قرنت إلى جنبه امتداداً طبيعياً في شأن هذه الولاية هو جهة "وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" (المائدة 55)، وأظهرت من ثم تطابق عصمة هذا الإمتداد في ولايته أيضاً مع عصمته الرسول صلى الله عليه وآله. ومثلها آية اولي الأمر: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" (النساء 59) فإنها في الوقت الذي ألزمت المسلمين بطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم باعتبارها تجلياً لطاعة الله سبحانه، فإنها قد قرنت بالرسول صلىاللهعليهوآله جهة أخرى تمثل امتداداً له وهي جهة أولي الأمر، ولم تفرّق بينه وبينها فيا لإلزام بالطاعة ، وهذا الإلزام هو نفسه الذي يدلّنا على عصمتهما، إذ لا يعقل أن يأمرنا الله بطاعة جهة على أي حال دون أن يكون قد ضمن عصمتها من الخطأ ، ولهذا تجد الفخر الرازي في تفسيره للآية يقول: إن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوماً عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ قد امر الله بمتابعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ منهي عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وإنه محال ، فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أن كل من أمر الله تعالى بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ فثبت قطعاً أن أولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون معصوماً.
ويستطرد الشيخ الصغير قائلا: ومثل هذه الآيات في دلالتها على وجود الامتداد الرسالي، وعصمة هذا الامتداد نجد الآية الكريمة: "ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ" (شورى 23) تسير بنفس الاتجاه ، فهي تشخّص وجود امتداد رسالي آخر بعد الرسول صلىاللهعليهوآله ، إذ لا يمكن فهم هذه المودة بعيداً عن الهدف الرباني. وغني عن البيان ان الآية ليست في صدد تبيان أحقية كل قربى الرسول صلى الله عليه وآله بهذه المودة، فحيث إنه تحدّث عن زوجات النبي صلى الله عليه وآله بلهجة الحديث عن أي شخص يخطىء ويصيب كما في قوله تعالى: "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَه" (الاحزاب 30-33) فإنه لا يريد بالمودة هنا كل قربى الرسول صلىاللهعليهوآله رغم ما في زوجات الرسول من قربى قريبة، وذلك لأن المودّة المفروضة هنا تشير إلى عصمة من طولبنا بمودتهم ، إذ لا يعقل أن الله الذي يخاطبنا بخاطبين مختلفين في شأن عواطفنا، فينهانا عن موادة الذين حادّوا الله ورسوله حتى لو كانت قرابتهم من أمسّ القرابات كما يتبيّن من قوله تعالى: "لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (المجادلة 22) بناء على مقتضيات الرسالة، ثم يأمرنا بموادّة جهة اخرى بعيداً عن هذه المقتضيات، وحينما يكون القربى عدلاً للرسالة، فإن كيانهم كامتداد رسالي يكون كياناً ثابتاً لا محالة، ومثل ما وجدنا هذا الامتداد، فإننا نلحظ العصمة هنا تسير معه كصنوان لا يفترقان، فالأمر بالموادّة هنا جاء مطلقاً ، وهذا الإطلاق في الأمر المعادل للرسالة أيضاً نجد فيه ما وجدنا في غيره من الآيات من أن الأمر المطلق بالموادّة يعكس حتماً عصمة المطلوب موادّتهم، إذ لا يخلو الأمر من أن يخطىء هؤلاء فيكون أمر القرآن قد تناقض مع الآية التي تنهانا عن موادّة الذين يحادّون الله ورسوله، ولا ريب أن كل خطأ مهما صغر هو محادّة وإن تضاءلت درجتها.
وعن الآيتين الكريمتين: "أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ" (هود 17)، و "وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" (الرعد 43) يقول الشيخ جلال الدين الصغير: ومثلما رأينا عصمة الرسول صلى الل هعليهوآله في شهادته على الأمم ، فإننا نجد الآييتين الكريمتين تعاود تبيان ما رأيناه في الآيات السالفة، فهي تحدد أولاً وجود الامتداد الرسالي بجهة غير جهة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، سميت في الآية الكريمة الأولى بالشاهد التالي لشهادته صلوات الله عليه وآله، وفي الثانية بالشاهد الثاني على رسالة رسول الله صلىاللهعليهوآله، وقد عادلت الآية شهادته مع شهادة الله سبحانه، وشاهد يستخدم القرآن الكريم كلمة "كَفَى" بكل ما تفيده من حصر للتصديق بشهادته، لا بد وأن تكون شهادته شهادة معصومة.
https://telegram.me/buratha