الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله جلت قدرته في القرآن الكريم عن يزغ ومشتقاتها "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ" ﴿سبإ 12﴾ وَمَنْ يَزِغْ: ومن يعدل عن الطاعة، يزغ منهم: يَمِلْ و يَعْدِلْ منهم، وسخَّرنا له من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يعدل منهم عن أمرنا الذي أمرناه به من طاعة سليمان نذقه من عذاب النار المستعرة، و "لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" ﴿التوبة 117﴾ يزيغ: يميل إلى التخلف عن الجهاد، يَزيغُ قُلوبُ فَريقٍ: تميل عن الحق للمشقة و شدة الحر و الجوع و العطش، لقد وفَّق الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الإنابة إليه وطاعته، وتاب الله على المهاجرين الذين هجروا ديارهم وعشيرتهم إلى دار الإسلام، وتاب على أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا معه لقتال الأعداء في غزوة تبوك في حرٍّ شديد، وضيق من الزاد والظَّهْر، لقد تاب الله عليهم من بعد ما كاد يَميل قلوب بعضهم عن الحق، فيميلون إلى الدَّعة والسكون، لكن الله ثبتهم وقوَّاهم وتاب عليهم، إنه بهم رؤوف رحيم. ومن رحمته بهم أنْ مَنَّ عليهم بالتوبة، وقَبِلَها منهم، وثبَّتهم عليها، و "إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا" ﴿الأحزاب 10﴾ زاغت: كَلَّت و ضعفت، و هو كناية عن شدة الخوف، لآن الخائف لا يستقر لع بصر، وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ: مالت خوفا وصارت دهشة، اذكروا إذ جاؤوكم مِن فوقكم من أعلى الوادي من جهة المشرق، ومن أسفل منكم من بطن الوادي من جهة المغرب، وإذ شخصت الأبصار من شدة الحَيْرة والدهشة، وبلغت القلوب الحناجر من شدة الرعب، وغلب اليأس المنافقين، وكثرت الأقاويل، وتظنون بالله الظنون السيئة أنه لا ينصر دينه، ولا يعلي كلمته، و "أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ" ﴿ص 63﴾ زاغت: زاغت: كَلَّت و ضعفت، و هو كناية عن شدة الخوف، لآن الخائف لا يستقر على بصر، وقال الطاغون: ما بالنا لا نرى معنا في النار رجالا كنا نعدهم في الدنيا من الأشرار الأشقياء؟ هل تحقيرنا لهم واستهزاؤنا بهم خطأ، أو أنهم معنا في النار، لكن لم تقع عليهم الأبصار؟ و "مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ" ﴿النجم 17﴾ ما زاغ البصر: ما مال بَصَره عمّا أمِرَ برُؤيته، أتُكذِّبون محمدًا صلى الله عليه وسلم، فتجادلونه على ما يراه ويشاهده من آيات ربه؟ ولقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته الحقيقية مرة أخرى عند سدرة المنتهى- شجرة نَبْق- وهي في السماء السابعة، ينتهي إليها ما يُعْرَج به من الأرض، وينتهي إليها ما يُهْبَط به من فوقها، عندها جنة المأوى التي وُعِد بها المتقون. إذ يغشى السدرة من أمر الله شيء عظيم، لا يعلم وصفه إلا الله عز وجل. وكان النبي صلى الله عليه وسلم على صفة عظيمة من الثبات والطاعة، فما مال بصره يمينًا ولا شمالا ولا جاوز ما أُمِر برؤيته. لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من آيات ربه الكبرى الدالة على قدرة الله وعظمته من الجنة والنار وغير ذلك، و "وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" ﴿الصف 5﴾ زَاغُوا: عدلوا عن الحق، واذكر لقومك أيها الرسول حين قال نبي الله موسى عليه السلام لقومه: لِمَ تؤذونني بالقول والفعل، وأنتم تعلمون أني رسول الله إليكم؟ فلما عدلوا عن الحق مع علمهم به، وأصرُّوا على ذلك، صرف الله قلوبهم عن قَبول الهداية؛ عقوبة لهم على زيغهم الذي اختاروه لأنفسهم. والله لا يهدي القوم الخارجين عن الطاعة ومنهاج الحق، الزيغ: الشك أو الميل عن الاستقامة و الميل عن الحق، و "فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ" ﴿آل عمران 7﴾ زَيْغٌ: ضلال و ميل عن الحق، هو وحده الذي أنزل عليك القرآن: منه آيات واضحات الدلالة، هن أصل الكتاب الذي يُرجع إليه عند الاشتباه، ويُرَدُّ ما خالفه إليه، ومنه آيات أخر متشابهات تحتمل بعض المعاني، لا يتعيَّن المراد منها إلا بضمها إلى المحكم، فأصحاب القلوب المريضة الزائغة، لسوء قصدهم يتبعون هذه الآيات المتشابهات وحدها؛ ليثيروا الشبهات عند الناس، كي يضلوهم، ولتأويلهم لها على مذاهبهم الباطلة، و "رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ" ﴿آل عمران 8﴾ لا تزغ قلوبنا: لا تُملها عن الحق، أو لا تصرفها عن الهدى، والزَّيغ: الميل عن الحق، ويقولون: يا ربنا لا تَصْرِف قلوبنا عن الإيمان بك بعد أن مننت علينا بالهداية لدينك، وامنحنا من فضلك رحمة واسعة، إنك أنت الوهاب: كثير الفضل والعطاء، تعطي مَن تشاء بغير حساب.
وردت كلمة يزغ ومشتقاتها في القرآن الكريم: زَيْغٌ، تُزِغْ، يَزِيغُ، زَاغَتِ، يَزِغْ، زَاغَ، زَاغُوا، أَزَاغَ. جاء في معاني القرآن الكريم: زيغ الزيغ: الميل عن الاستقامة، والتزايغ: التمايل، ورجل زائغ، وقوم زاغة، وزائغون، وزاغت الشمس، وزاغ البصر، وقال تعالى: "وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ" ﴿الأحزاب 10﴾، يصح أن يكون إشارة إلى ما يداخلهم من الخوف حتى أظلمت أبصارهم، ويصح أن يكون إشارة إلى ما قال: "يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ" (ال عمران 13)، وقال: "مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ" ﴿النجم 17﴾، مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ" ﴿التوبة 117﴾، "فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ " ﴿الصف 5﴾، لما فارقوا الاستقامة عاملهم بذلك.
جاء في كتاب مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للعلامة المجلسي: والزيغ الميل عن الاستقامة على الحق إلى الباطل، كما قال تعالى: "رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا" (ال عمران 8)، وقال "بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ" (التوبة 117)، وقال تعالى "فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ" (الصف 5) أي لما فارقوا الاستقامة عاملهم بذلك. وكان كثيرا ما يقول صلى الله عليه وآله وسلم: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قالوا: أو تخاف يا رسول الله؟ فقال: وما يؤمنني والقلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء، وفي لفظ آخر: إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه.
https://telegram.me/buratha