الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن العاقبة "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ ۗ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۗ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" ﴿يوسف 109﴾ وما أرسلنا من قبلك أيها الرسول للناس إلا رجالا منهم ننزل عليهم وحينا، وهم من أهل الحاضرة، فهم أقدر على فهم الدعوة والرسالة، يصدقهم المهتدون للحق، ويكذبهم الضالون عنه، أفلم يمشوا في الأرض، فيعاينوا كيف كان مآل المكذبين السابقين وما حلَّ بهم من الهلاك؟ ولَثواب الدار الآخرة أفضل من الدنيا وما فيها للذين آمنوا وخافوا ربهم، أفلا تتفكرون فتعتبروا؟ و "أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ" ﴿غافر 21﴾ عاقبة اسم اي خاتمة، ولم يَسِرْ هؤلاء المكذبون برسالتك أيها الرسول في الأرض، فينظروا كيف كان خاتمة الأمم السابقة قبلهم؟ كانوا أشد منهم بطشًا، وأبقى في الأرض آثارًا، فلم تنفعهم شدة قواهم وعِظَم أجسامهم، فأخذهم الله بعقوبته، بسبب كفرهم واكتسابهم الآثام، وما كان لهم من عذاب الله من واق يقيهم منه، فيدفعه عنهم، و "فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" ﴿الزخرف 25﴾ فانتقمنا من هذه الأمم المكذبة رسلها بإحلالنا العقوبة بهم خَسْفًا وغرقًا وغير ذلك، فانظر أيها الرسول كيف كان عاقبة أمرهم إذ كذبوا بآيات الله ورسله؟ وليحْذَر قومك أن يستمروا على تكذيبهم، فيصيبهم مثل ما أصابهم، و "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا" ﴿محمد 10﴾ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ: نهايتهم مثل عاد وثمود، أفلم يَسِرْ هؤلاء الكفار في أرض الله معتبرين بما حلَّ بالأمم المكذبة قبلهم من العقاب؟ دمَّر الله عليهم ديارهم، وللكافرين أمثال تلك العاقبة التي حلت بتلك الأمم، و "فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ" ﴿الحشر 17﴾ عَاقِبَتَهُمَا: عَاقِبَتَ اسم، هُمَا ضمير، عاقبتهما اي خاتمتهما او آخرتهما، فكان عاقبة أمر الشيطان والإنسان الذي أطاعه فكفر، أنهما في النار، ماكثَيْن فيها أبدًا، وذلك جزاء المعتدين المتجاوزين حدود الله، و "فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا" ﴿الطلاق 9﴾ عاقبة اي خاتمة، وكثير من القرى عصى أهلها أمر الله وأمر رسوله وتمادَوا في طغيانهم وكفرهم، فحاسبناهم على أعمالهم في الدنيا حسابًا شديدًا، وعذَّبناهم عذابًا عظيمًا منكرًا، فتجرَّعوا سوء عاقبة عتوهم وكفرهم، وكان عاقبة كفرهم هلاكًا وخسرانًا لا خسران بعده، و "هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا" ﴿الكهف 44﴾ عقبا اسم، العُقب: الآخرة، العاقبة، وَخَيرٌ عُقْبًا: الأعمال التي تكون لله ثوابها خير وعاقبتها حميدة، في مثل هذه الشدائد تكون الولاية والنصرة لله الحق، هو خير جزاءً، وخير عاقبة لمن تولاهم من عباده المؤمنين.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: وقوله تعالى: "أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار" (الرعد 22) أي عاقبتها المحمودة فإنها هي العاقبة حقيقة لأن الشيء لا ينتهي بحسب ما جبله الله عليه إلا إلى عاقبة تناسبه وتكون فيها سعادته، وأما العاقبة المذمومة السيئة ففيها بطلان عاقبة الشيء لخلل واقع فيه، وإنما تسمى عاقبة بنحو من التوسع، ولذلك أطلق في الآية عقبى الدار وأريدت بها العاقبة المحمودة وقوبلت فيما يقابلها من الآيات بقوله: "وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" (الرعد 25)، ومن هنا يظهر أن المراد بالدار هذه الدار الدنيا أي حياة الدار فالعاقبة عاقبتها. قوله تعالى: "جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ" (الرعد 23) العدن الاستقرار يقال: عدن بمكان كذا إذا استقر فيه ومنه المعدن لمستقر الجواهر الأرضية وجنات عدن أي جنات نوع من الاستقرار فيه خلود وسلام من كل جهة. و "جَنَّاتُ عَدْنٍ" (الرعد 23) بدل أو عطف بيان من قوله : "عُقْبَى الدَّارِ" (الرعد 22) أي عاقبة هذه الدار المحمودة هي جنات العدن والخلود فليست هذه الحياة الدنيا بحسب ما طبعها الله عليه إلا حياة واحدة متصلة أولها عناء وبلاء وآخرها رخاء نعيم وسلام، وهذا الوعد هو الذي يحكي وفاءه تعالى به حكاية عن أهل الجنة بقول : "وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ" (الزمر 74). قوله تعالى: "وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ" (الرعد 23) وهذا عقبى أعمالهم الصالحة التي داموا عليها في كل باب من أبواب الحياة بالصبر على الطاعة وعن المعصية وعند المصيبة مع الخشية والخوف. وقوله: "سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ" (الرعد 23) قول الملائكة وقد خاطبوهم بالأمن والسلام الخالد وعقبى محمودة لا يعتريها ذم وسوء أبدا.
في محاضرة للشيخ حبيب الكاظمي عن سوء العاقبة: إن من النماذج المخيفة لسوء العاقبة، ما ذكره القرآن الكريم عن بلعم بن باعوراء وهو رجل من بني إسرائيل، آتاه الله الآيات العظمى وكفر بها.. إذ يقول الله تعالى عنه في خطاب للنبي صلى الله عليه وآله: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ". وقد جاء في الروايات أن سبب هذه العاقبة السيئة، نيته لاستغلال الاسم الأعظم في الدعاء على رسول الله موسى عليه السلام، استجابة لطلب فرعون. فأصبح يضرب به المثل. قال الباقر عليه السلام في قوله تعالى "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا": (الأصل في ذلك بلعم، ثم ضربه الله مثلاً لكلّ مؤثرٍ هواه على هدى الله من أهل القبلة). إن الخلاصة المستفادة من هذه القصة، هي أن نحسن استغلال ما لدينا من الهبات الإلهية، وخاصة المعنوية منها، لئلا تتحول إلى وبالٍ ونقمة علينا. إذ بلا شك أن كل إنسان يحمل رصيداً من الملكات الطيبة، والبذور المعنوية، التي تحتاج إلى رعاية وحرص مستمر. لتتجذر وتستقيم في النفس، وإلا فما الفائدة من تعريض النفس لمشقة العبادة: صوماً، وحجاً، وصلاة. ومن ثم الركون إلى الهوى، واقتراف المحرمات. فقد ضاع الجهد، وذهب هباءً منثورا. والله تعالى يشير إلى هذه الحقيقة، حيث يقول: "وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" (الاعراف 176). إن من المؤسف حقاً أن يصبح الإنسان -بعدما كان يحمل أعظم الهبات الإلهية الاسم الأعظم كالكلب الذي يتخذ اللهاث حركة دائمة. نعم، الإنسان قد يصل به الفجور والفسق إلى مرحلة الختم على القلب، وبعد ذلك يصبح ميت الأحياء، لا ينفع معه أي وعظ أو إرشاد، كما يقول تعالى: "وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ" (فاطر 22). وفي هذه تذكرة وعبرة لمن أراد أن يعتبر، "ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" (الاعراف 176). ومن اسباب سوء العاقبة الرغبة في ارتكاب الحرام: يتطور الأمر من الميل إلى الممارسة العملية، وارتكاب الصغائر، ومن ثم الكبائر. وبهذا يحدث له احتراف في عالم الضلال والانحطاط ، "وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ" (البقرة 206). الانحراف العقائدي: حتى يصل والعياذ بالله إلى هذه المرحلة من الانتكاسة الخطيرة، فيكفر بالله ورسوله، "ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون" (الروم 10). من موجبات حسن العاقبة: مراقبة السلوك وترك الحرام -قدر الإمكان بكل صوره، والاستغفار عند الوقوع في الحرام. ولاستغفار: الاستغفار بعد صلاة الفجر، والعصر سبعين مرة، وفي صلاة الليل، وعند رقة القلب، وعقيب الذنب مباشرة. الصدقات اليومية فإنها تدفع البلاء، ومن البلاء الوقوع في الذنب. ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: (من قرأ "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" و "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ"، قبل أن تطلع الشمس لم يصبه في ذلك اليوم ذنب، وإن جهد إبليس). المواظبة على تسبيحات الزهراء بعد كل فريضة، وخاصة بعد صلاة الفجر. الالتزام بالتعقيبات الأساسية بين الطلوعين، والاستعاذات الصباحية: (أصبحت اللهم معتصماً بذمامك المنيع، الذي لا يطاول ولا يحاول.. )، و (أعيذ نفسي، وديني، وأهلي، ومالي، وولدي..). تذكر الموت والقيامة. كان رسول الله صلى الله عليه وآله كثيراً ما يوصي أصحابه بذكر الموت، فيقول: (أكثروا ذكر الموت فإنّه هادم اللذات، حايل بينكم وبين الشهوات). ظهور صاحب الأمر عجل الله فرجه: إن حسن العاقبة، لا تقتصر على الفرد الواحد فقط، بل أيضاً هنالك حسن عاقبة للأمة، وهو بلا شك لا ولن يتحقق إلا بفرجه صلوات الله وسلامه عليه.. قال تعالى: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" (الانبياء 105)، و "قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (الاعراف 128).
https://telegram.me/buratha