الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة قال الله تبارك وتعالى عن بغتة "بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ" ﴿الأنبياء 40﴾ بفتة اسم، بغتة: فجأة، ولسوف تأتيهم الساعة فجأة، فيتحيَّرون عند ذلك، ويخافون خوفًا عظيمًا، ولا يستطيعون دَفْعَ العذاب عن أنفسهم، ولا يُمْهلون لاستدراك توبة واعتذار، و "وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ" ﴿الحج 55﴾ ولا يزال الكافرون المكذبون في شك مما جئتهم به من القرآن إلى أن تأتيهم الساعة فجأة، وهم على تكذيبهم، أو يأتيهم عذاب يوم لا خير فيه، وهو يوم القيامة، و "فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" ﴿الشعراء 202﴾ فينزل بهم العذاب فجأة، وهم لا يعلمون قبل ذلك بمجيئه، فيقولون عند مفاجأتهم به تحسُّرًا على ما فاتهم من الإيمان: هل نحن مُمْهَلون مُؤخَّرون، لنتوب إلى الله مِن شركنا، ونستدرك ما فاتنا؟ و "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ۚ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" ﴿العنكبوت 53﴾ ويستعجلك أيها الرسول هؤلاء المشركون من قومك بالعذاب استهزاء، ولولا أن الله جعل لعذابهم في الدنيا وقتًا لا يتقدم ولا يتأخر، لجاءهم العذاب حين طلبوه، وليأتينهم فجأة، وهم لا يشعرون به ولا يُحِسُّون، و "وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ" ﴿الزمر 55﴾ بَغْتَةً: فجأة، واتبعوا أحسن ما أُنزل إليكم من ربكم، وهو القرآن العظيم، وكله حسن، فامتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهية من قبل أن يأتيكم العذاب فجأة، وأنتم لا تعلمون به، و "هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" ﴿الزخرف 66﴾ هل ينتظر هؤلاء الأحزاب المختلفون في عيسى ابن مريم إلا الساعة أن تأتيهم فجأة، وهم لا يشعرون ولا يفطنون؟ و "فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ۚ فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ" ﴿محمد 18﴾ ما ينتظر هؤلاء المكذبون إلا الساعة التي وُعدوا بها أن تجيئهم فجأةً، فقد ظهرت علاماتها ولم ينتفعوا بذلك، فمن أين لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة؟
عن كتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها" (محمد 18)، النظر هو الانتظار، والأشراط جمع شرط بمعنى العلامة، والأصل في معناه الشرط بمعنى ما يتوقف عليه وجود الشيء لأن تحققه علامة تحقق الشيء فأشراط الساعة علاماتها الدالة عليها. وسياق الآية سياق التهكم كأنهم واقفون موقفا عليهم إما أن يتبعوا الحق فتسعد بذلك عاقبتهم ، وإما أن ينتظروا الساعة حتى إذا أيقنوا بوقوعها وأشرفوا عليها تذكروا وآمنوا واتبعوا الحق أما اتباع الحق اليوم فلم يخضعوا له بحجة أو بموعظة أو عبرة ، وأما انتظارهم مجيء الساعة ليتذكروا عنده فلا ينفعهم شيئا فإنها تجيء بغتة ولا تمهلهم شيئا حتى يستعدوا لها بالذكرى وإذا وقعت لم ينفعهم الذكرى لأن اليوم يوم جزاء لا يوم عمل قال تعالى "يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي" (الفجر 24). مضافا إلى أن أشراطها وعلاماتها قد جاءت وتحققت، ولعل المراد بأشراطها خلق الإنسان وانقسام نوعه إلى صلحاء ومفسدين ومتقين وفجار المستدعي للحكم الفصل بينهم ونزول الموت عليهم فإن ذلك كله من شرائط وقوع الواقعة وإتيان الساعة، وقيل: المراد بأشراط الساعة ظهور النبي صلى الله عليه وآله وهو خاتم الأنبياء وانشقاق القمر ونزول القرآن وهو آخر الكتب السماوية. هذا ما يعطيه التدبر في الآية من المعنى وهي كما ترى حجة برهانية في عين أنها مسوقة سوق التهكم. وعليه فقوله: "بَغْتَةً" حال من الإتيان جيء به لبيان الواقع وليتفرع عليه قوله الآتي "فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ" (محمد 18) وليس قيدا للانتظار حتى يفيد أنهم إنما ينتظرون إتيانها بغتة ، ولدفع هذا التوهم قيل "إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً" (محمد 18) ولم يقل: إلا أن تأتيهم الساعة بغتة.
جاء في کتاب الامثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ما يستفاد من بعض الآيات القرآنية من أنّه سبحانه قد يمدّ البعض بالنعم الوافرة و هو بذلك يستدرجهم، أي أنّه يأخذهم فجأة و هم في ذروة التنعم، و يسلبهم كلّ شيء و هم في أوج اللّذة و التمتع، ليكونوا بذلك أشقى من كلّ شقي، و يواجهوا في هذه الدنيا أكبر قدر ممكن من العذاب، لأن فقدان هذا النعيم أشدّ وقعا على النفس، و أكثر مرارة كما نقرأ في الكتاب العزيز: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ" (الانعام 44). و مثل هؤلاء في الحقيقة مثل الذي يتسلق شجرة، فإنّه كلّما إزداد رقيا ازداد فرحا في نفسه، حتى إذا بلغ قمتها فاجأته عاصفة شديدة، فهوى على أثرها من ذلك المترفع الشاهق إلى الأرض فتحطمت عظامه، فتبدل فرحه البالغ إلى حزن شديد.
وعن كتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: ما ذكر من الوعد في قوله تعالى "فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ" (الاسراء 7) فإن الموعودين لم يعيشوا إلى زمن إنجاز هذا الوعد ، ونظيره الوعد المذكور في قول ذي القرنين على ما حكاه الله "فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا" (الكهف 98)، وكذا وعده تعالى الناس بقيام الساعة وانطواء بساط الحياة الدنيا بنفخ الصور كما قال "ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً" (الاعراف 187)، فوعد الصالحين من المؤمنين بعنوان أنهم مؤمنون صالحون بوعد لا يدركه أشخاص زمان النزول بأعيانهم ولما يوجد أشخاص المجتمع الذي يدرك إنجاز الوعد مما لا ضير فيه البتة. فالحق أن الآية إن أعطيت حق معناها لم تنطبق إلا على المجتمع الموعود الذي سينعقد بظهور المهدي عليه السلام وإن سومح في تفسير مفرداتها وجملها وكان المراد باستخلاف الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات استخلاف الأمة بنوع من التغليب ونحوه ، وبتمكين دينهم الذي ارتضاه لهم كونهم معروفين في الدنيا بالأمة المسلمة وعدهم الإسلام دينا لهم.
https://telegram.me/buratha