الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله عز وعلا عن كلمة السعير ومشتقاتها "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا" ﴿النساء 10﴾ سعيرا اسم، سَعيراً: ناراً تأجج، سيصْلوْن سعيرا: سيدخُلون نارًا موقدةً هائلةً، سعيرا: نارا شديدة يحترقون فيها، إن الذين يعْتَدون على أموال اليتامى، فيأخذونها بغير حق، إنما يأكلون نارًا تتأجّج في بطونهم يوم القيامة، وسيدخلون نارا يقاسون حرَّها، و "فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ ۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا" ﴿النساء 55﴾ فمن هؤلاء الذين أوتوا حظًّا من العلم، مَن صدَّق برسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعمل بشرعه، ومنهم مَن أعرض ولم يستجب لدعوته، ومنع الناس من اتباعه. وحسبكم -أيها المكذبون نار جهنم تسعَّر بكم، و "وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِهِ ۖ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ۖ مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا" ﴿الإسراء 97﴾ سَعِيرًا: لهبا وموقدا، ومن يهده الله فهو المهتدي إلى الحق، ومن يضلله فيخذلْه ويَكِلْه إلى نفسه فلا هادي له من دون الله، وهؤلاء الضُّلال يبعثهم الله يوم القيامة، ويحشرهم على وجوههم، وهم لا يرون ولا ينطقون ولا يسمعون، مصيرهم إلى نار جهنم الملتهبة، كلما سكن لهيبها، وخمدت نارها، زدناهم نارًا ملتهبة متأججة، و "بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا" ﴿الفرقان 11﴾ سعيرا: نارا عظيمة شديدة الإشتعال، السعير: التوقُّد الشديد أو النار الموقدة، أو لهب النار، و السُّعار: حر النار، نارا مسعرة: أي مشتدة، وما كذبوك؛ لأنك تأكل الطعام، وتمشي في الأسواق، بل كذَّبوا بيوم القيامة وما فيه من جزاء، وأعتدنا لمن كذب بالساعة نارًا حارة تُسَعَّر بهم، و "إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا" ﴿الأحزاب 64﴾ وأعدَّ لهم سعيرا: نارا شديدة يدخلونها، إن الله طرد الكافرين من رحمته في الدنيا والآخرة، وأعدَّ لهم في الآخرة نارًا موقدة شديدة الحرارة، ماكثين فيها أبدًا، لا يجدون وليًّا يتولاهم ويدافع عنهم، ولا نصيرًا ينصرهم، فيخرجهم من النار. يوم تُقَلَّب وجوه الكافرين في النار يقولون نادمين متحيِّرين: يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا رسوله في الدنيا، فكنا من أهل الجنة، و "وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا" ﴿الفتح 13﴾ سَعِيرًا: نارا شديدة الاستعار والإلتهاب، ومن لم يصدِّق بالله وبما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم ويعمل بشرعه، فإنه كافر مستحق للعقاب، فإنا أعددنا للكافرين عذاب السعير في النار، و "وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا" ﴿الإنشقاق 12﴾ يَصلى سعيرا: يدْخلها أو يُـقاسي حرّها، ويصلى سعيرا: يدخل النار الشديدة وفي قراءة بضم الياء وفتح الصاد واللام المشددة، وأمَّا مَن أُعطي صحيفة أعماله من وراء ظهره، وهو الكافر بالله، فسوف يدعو بالهلاك والثبور، ويدخل النار مقاسيًا حرها. إنه كان في أهله في الدنيا مسرورًا مغرورًا، لا يفكر في العواقب، إنه ظنَّ أن لن يرجع إلى خالقه حيا للحساب. بلى سيعيده الله كما بدأه ويجازيه على أعماله، إن ربه كان به بصيرًا عليمًا بحاله من يوم خلقه إلى أن بعثه، و "كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ" ﴿الحج 4﴾ السَّعِيرِ: ال اداة تعريف، سَّعِيرِ اسم، قضى الله وقدَّر على هذا الشيطان أنه يُضِل كل من اتبعه، ولا يهديه إلى الحق، بل يسوقه إلى عذاب جهنم الموقدة جزاء اتباعه إياه، و "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ" ﴿لقمان 21﴾ وإذا قيل لهؤلاء المجادلين في توحيد الله وإفراده بالعبادة: اتبعوا ما أنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: بل نتبع ما كان عليه آباؤنا من الشرك وعبادة الأصنام، أيفعلون ذلك، ولو كان الشيطان يدعوهم؛ بتزيينه لهم سوء أعمالهم، وكفرهم بالله إلى عذاب النار المستعرة؟ و "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ" ﴿سبإ 12﴾ عَذَابِ السَّعِيرِ: عذاب الحريق، نذقه من عذاب السعير: النار في الآخرة، وقيل في الدنيا بأن يضربه ملك بسوط منها ضربة تحرقه، وسخَّرنا لسليمان الريح تجري من أول النهار إلى انتصافه مسيرة شهر، ومن منتصف النهار إلى الليل مسيرة شهر بالسير المعتاد، وأسلنا له النحاس كما يسيل الماء، يعمل به ما يشاء.
وردت كلمة سعير ومشتقاتها في القرآن الكريم: سَعِيرًا، السَّعِيرِ، وَسُعُرٍ، وَسَعِيرًا، سُعِّرَتْ. جاء في معاني القرآن الكريم: سعر السعر: التهاب النار، وقد سعرتها، وسعرتها، وأسعرتها، والمسعر: الخشب الذي يشعر به، واستعر الحرب، واللصوص، نحو: اشتعل، وناقة مسعورة، نحو: موقدة، ومهيجة. والسعار: حر النار، وسعر الرجل: أصابه حر، قال تعالى: "وسيصلون سعيرا" (النساء 10)، وقال تعالى: "وإذا الجحيم سعرت" (التكوير 12)، وقرئ بالتخفيف (قرأ بالتخفيف ابن كثير وهشام وأبو عمرو وحمزة والكسائي وروح عن يعقوب وخلف وشعبة عن عاصم)، وقوله: "عذاب السعير" (الملك 5)، أي: حميم، فهو فعيل في معنى مفعول، وقال تعالى: "إن المجرمين في ضلال وسعر" (القمر 47)، والسعر في السوق، تشبيها باستعار النار.
جاء في في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ" (الملك 10) والمعنى: لو كنا في الدنيا نطيع الرسل في نصائحهم ومواعظهم أو عقلنا حجة الحق ما كنا اليوم في أصحاب السعير وهم مصاحبو النار المخلدون فيها. وقيل: إنما جمع بين السمع والعقل لأن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل. قوله تعالى "فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ" (الملك 11) كانوا إنما قالوا "لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ" (الملك 10) ندامة على ما فرطوا في جنب الله وفوتوا على أنفسهم من الخير فاعترفوا بأن ما أتوا به كان تبعته دخول النار وكان عليهم أن لا يأتوا به، وهذا هو الذنب فقد اعترفوا بذنبهم. وإنما أفرد الذنب بناء على إرادة معنى المصدر منه وهو في الأصل مصدر. وقوله "فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ" (الملك 11) السحق تفتيت الشيء كما ذكره الراغب وهو دعاء عليهم. قوله تعالى "كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ" (الحج 4) التولي أخذه وليا متبعا ، وقوله "فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ" (الحج 4). مبتدأ محذوف الخبر، والمعنى ويتبع كل شيطان مريد من صفته أنه كتب عليه أن من اتخذه وليا واتبعه فإضلاله له وهدايته إياه إلى عذاب السعير ثابت لازم.
https://telegram.me/buratha