الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة قال الله عز وعلا عن كلمة السعير ومشتقاتها "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ" ﴿فاطر 6﴾ ليكونوا من أصحاب السعير: النار الشديدة، يا أيها الناس إن وعد الله بالبعث والثواب والعقاب حق ثابت، فلا تخدعنَّكم الحياة الدنيا بشهواتها ومطالبها، ولا يخدعنَّكم بالله الشيطان. إن الشيطان لبني آدم عدو، فاتخذوه عدوًّا ولا تطيعوه، إنما يدعو أتباعه إلى الضلال؛ ليكونوا من أصحاب النار الموقدة، و "وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ" ﴿الشورى 7﴾ وفريقٌ في السعير: النار، وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحَيْنا إليك قرآنا عربيًّا؛ لتنذر أهل "مكة" ومَن حولها مِن سائر الناس، وتنذر عذاب يوم الجمع، وهو يوم القيامة، لا شك في مجيئه. الناس فيه فريقان: فريق في الجنة، وهم الذين آمنوا بالله واتبعوا ما جاءهم به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم فريق في النار المستعرة، وهم الذين كفروا بالله، وخالفوا ما جاءهم به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، و "وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ" ﴿الملك 5﴾ عَذَابَ السَّعِيرِ: عذاب النار، وأعتدنا لهم عذاب السعير: النار الموقدة، ولقد زيَّنا السماء القريبة التي تراها العيون بنجوم عظيمة مضيئة، وجعلناها شهبًا محرقة لمسترقي السمع من الشياطين، وأعتدنا لهم في الآخرة عذاب النار الموقدة يقاسون حرها، و "وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ" ﴿الملك 10﴾ وقالوا معترفين: لو كنا نسمع سماع مَن يطلب الحق، أو نفكر فيما نُدْعى إليه، ما كنا في عداد أهل النار، و "فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ" ﴿الملك 11﴾ فاعترفوا بتكذيبهم وكفرهم الذي استحقوا به عذاب النار، فبعدًا لأهل النار عن رحمة الله، و "إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا" ﴿الانسان 4﴾ وَسَعِيرًا: وَ حرف عطف، سَعِيرًا اسم، وسعيرا: نارا مسعرة، أي مهيجة يعذبون بها، إنا أعتدنا للكافرين قيودًا من حديد تُشَدُّ بها أرجلهم، وأغلالا تُغلُّ بها أيديهم إلى أعناقهم، ونارًا يُحرقون بها، و "فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ" ﴿القمر 24﴾ وَسُعُرٍ: وَ حرف عطف، سُعُرٍ اسم، السعر: شدة العذاب و النار أو الجنون، و السُّعُر و السُّعر: الجنون، كذبت ثمود وهم قوم صالح بالآيات التي أُنذرِوا بها، فقالوا: أبشرًا منا واحدًا نتبعه نحن الجماعة الكثيرة وهو واحد؟ إنا إذا لفي بُعْدٍ عن الصواب وجنون، و "إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ" ﴿القمر 47﴾ وَسُعُرٍ: نار تتأجج بهم، وسعر: نار مستعرة بالتشديد أي مهيجة في الآخرة، إن المجرمين في تيه عن الحق وعناء وعذاب. يوم يُجرُّون في النار على وجوههم، ويقال لهم: ذوقوا شدة عذاب جهنم، و "وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ" ﴿التكوير 12﴾ سُعِّرَتْ فعل، سعرت: أوقدت و أضرمت للكفار، وإذا النار أوقدت فأضرِمت، وإذا الجنة دار النعيم قُرِّبت من أهلها المتقين، إذا وقع ذلك، تيقنتْ ووجدتْ كلُّ نفس ما قدَّمت من خير أو شر.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَ إِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ * وَ إِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَ إِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ" (التكوير 11-13) "كشطت": من الكشط على وزن كشف، بمعنى قلع جلد الناقة، كما قال الراغب في مفرداته، و أمّا في لسان العرب فتعني: كشف الغطاء عن الشيء، و تكشط السحاب أي، تقطع و تفرّق. و ما يراد من "كشطت" في الآية، هو: رفع الحجب الفاصلة بين العالمين الدنيوي و العلوي، التي تمنع رؤية الناس للملائكة أو الجنّة و النّار، فيرى الإنسان حينها عالم الوجود شاخص أمام ناظريه شخوصا حقيقيا، و كما تصور الآيات التالية ذلك، حيث أنّ الجنّة ستقترب من الإنسان ليرى نعيمها، و تزداد النّار سعيرا لاهبة. نعم، أو ليس يوم القيامة يوم البروز فلا الحقائق ستخفى، و لا يكون للحجب أثرا. فالآية و ما سبقها و سيلحقا إذن حسب التفسير أعلاه قد تحدثت عن المرحلة الثّانية للقيامة مرحلة ما بعد البعث فما ذكره كثير من المفسرين، من كون الآية تشير إلى انهيار و تحطم السماوات، و المتعلق بحوادث المرحلة الاولى للقيامة مرحلة الفناء العام، يبدو أنّه بعيد، لأنّه لا ينسجم مع معنى «كشطت» من جهة اخرى. و يتأكد ذلك بوضوح من خلال الآية: "وَ إِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ" (التكوير 12). فجهنّم موجودة في كل الأوقات، و لكنّ حجب الدنيا هي المانعة من رؤيتها، فالآية على سياق الآية (49) من سورة التوبة: "وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ"، و كما أنّ جهنّم موجودة فالجنّة كذلك بدلالة آيات قرآنية كثيرة. و يبّين البيان القرآني بذات السياق السابق: "وَ إِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ" (التكوير 13). و هذا المعنى هو تكرار لما جاء في الآية (90) من سورة الشعراء: "وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ".
جاء في في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: وقوله "فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير" (الشورى 7) في مقام التعليل ودفع الدخل كأنه قيل: لما ذا ينذرهم يوم الجمع؟ فقيل : "فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ" (الشورى 7) أي إنهم يتفرقون فريقين: سعيد مثاب وشقي معذب فلينذروا حتى يتحرزوا سبيل الشقاء والهبوط في مهبط الهلكة. قوله تعالى "إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ" (فاطر 6) في مقام تعليل ما تقدمه والحزب هو العدة من الناس يجمعهم غرض واحد، واللام في "لِيَكُونُوا" للتعليل فكونهم من أصحاب السعير علة غائية لدعوته، والسعير النار المسعرة وهو من أسماء جهنم في القرآن. وقوله "أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ" (لقمان 21) أي أيتبعون آباءهم ولو كان الشيطان يدعوهم بهذا الاتباع إلى عذاب السعير؟ فالاستفهام للإنكار ولو وصلية معطوفة على محذوف مثلها والتقدير أيتبعونهم لو لم يدعهم الشيطان ولو دعاهم. ومحصل الكلام: أن الاتباع إنما يحسن إذا كانوا على الحق وأما لو كانوا على الباطل وكان اتباعا يدعوهم به إلى الشقاء وعذاب السعير وهو كذلك فإنه اتباع في عبادة غير الله ولا معبود غيره.
https://telegram.me/buratha