الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في موسوعة الامام الخوئي للسيد أبوالقاسم الخوئي: قد اعتبر في الشريعة المقدسة أُمور على وجه الموضوعية في تحقّق الإسلام بمعنى أن إنكارها أو الجهل بها يقتضي الحكم بكفر جاهلها أو منكرها وإن لم يستحق بذلك العقاب لاستناد جهله إلى قصوره وكونه من المستضعفين. فمنها: الاعتراف بوجوده جلت عظمته و وحدانيته في قبال الشرك، وتدل على اعتبار ذلك جملة من الآيات والروايات وهي من الكثرة بمكان. و منها: الاعتراف بنبوة النبي ورسالته صلّى اللَّه عليه وآله وسلم و هو أيضاً مدلول جملة وافية من الأخبار والآيات، منها: الاعتراف بالمعاد وإن أهمله فقهاؤنا قدس سرهم إلّا أنّا لا نرى لإهمال اعتباره وجهاً، كيف وقد قرن الايمان به بالايمان باللَّه سبحانه في غير واحد من الموارد على ما ببالي كما في قوله عزّ من قائل "إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِر" (النساء 59) إلى غير ذلك من الآيات، ولا مناص معها من اعتبار الإقرار بالمعاد على وجه الموضوعية في تحقق الإسلام. و هل هناك أمر آخر يعتبر الاعتراف به في تحقق الإسلام على وجه الموضوعية ويكون إنكاره سبباً للكفر بنفسه؟ فيه خلاف بين الأعلام فنسب في مفتاح الكرامة إلى ظاهر الأصحاب أن إنكار الضروري سبب مستقل للكفر بنفسه، وذهب جمع من المحقِّقين إلى أن إنكار الضروري إنما يوجب الكفر والارتداد فيما إذا استلزم تكذيب النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم و إنكار رسالته، كما إذا علم بثبوت حكم ضروري في الشريعة المقدسة وأن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أتى به جزماً ومع الوصف أنكره ونفاه، لأنه في الحقيقة تكذيب للنبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم و إنكار لرسالته، وهذا بخلاف ما إذا لم يستلزم إنكاره شيئاً من ذلك كما إذا أنكر ضرورياً معتقداً عدم ثبوته في الشريعة المقدّسة وأنّه مما لم يأت به النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم إلّا أنه كان ثابتاً فيها واقعاً بل كان من جملة الواضحات فإن إنكاره لا يرجع حينئذ إلى إنكار رسالة النبيّ، فإذا سُئل أحد في أوائل إسلامه عن الربا فأنكر حرمته بزعم أنه كسائر المعاملات الشرعية فلا يكون ذلك موجباً لكفره وارتداده، وإن كانت حرمة الربا من المسلّمات في الشريعة المقدّسة، لعدم رجوع إنكارها إلى تكذيب النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أو إنكار رسالته.
عن كتاب الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ما ذكره صاحب المصباح من أن (الاصل في البيع مبادلة مال بمال) فلا يكون دليلا على ذلك لعدم حجية قوله. وعلى هذا فإذا كان المبيع موردا لغرض المشتري سواء أكان مالا عند العقلاء أم لا كالحشرات واشتراه بأغلى الثمن صدق عليه مفهوم البيع. وهذا بين لا ريب فيه. غاية ما يلزم كون المعاملة على ما ليس بمال عرفا سفهية. ولا دليل على بطلانها بعد ما شملته أدلة صحة البيع. والفاسد شرعا إنما هو معاملة السفيه والدليل على الفساد فيها أن السفيه محجور شرعا عن المعاملات وإذن فلا وجه لاخذ قيد المال في تعريف البيع. قيل: إذا تعلق غرض المشتري باشتراء مالا يعد مالا في نظر أهل العرف كان ذلك الغرض موجبا لعروض المالية له. لما عرفته آنفا من أن مالية الاشياء متقومة بنظر العقلاء، ورغبتهم فيها. ومن البديهي أن المشتري من أفرادهم. والجواب عن ذلك: أن مالية الاشياء وإن كانت متقومة برغبة العقلاء وتنافسهم فيها إلا أن المراد من العقلاء نوعهم، دون الشخص الواحد. ولاجل ذلك أن من اعتبر المالية في البيع فقد رتب على اعتباره هذا فساد بيع الحيات والعقارب والديدان والخنافس، وأشباهها من هوام الارض وصغار دوابها، وغير ذلك مما لا يعد مالا في نظر نوع العقلاء وإن كان ذا رغبة لدى بعضهم لغرض ما. ويضاف إلى ذلك أنا لو سلمنا وجود الدليل على اعتبار المالية في البيع. إلا أن ذلك حكم شرعي غير مربوط بمفهوم البيع حتى يؤخذ في تعريفه. ولو صح أخذ ذلك في تعريف البيع لحسن بنا أن نأخذ أحكام البيع برمتها في تعريفه. مع أنه واضح الفساد. ثم لا يخفى على الفطن العارف أن مفهوم البيع لا يتحقق إلا بدخول العوض في ملك من خرج المعوض عن ملكه: بان يفك البائع اضافته القائمة بالمتاع، ويجعلها قائمة بالثمن. ويفك المشتري اضافته القائمة بالثمن، ويجعلها قائمة بالمتاع. ومثال ذلك أنه إذا باع زيد طعامه من عمرو بدينار صار الدينار ملكا لزيد. ولو صار الدينار ملكا لبكر لما صدق عليه مفهوم البيع بوجه. ويستوضح هذا المعنى من الكتاب العزيز ومن كلمات الفصحاء "فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة" (النساء 76) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الظاهرة في أن دخول العوض مكان المعوض معتبر في مفهوم البيع، والشراء.
جاء في كتاب الحج للسيد أبوالقاسم الخوئي قدس سره: ان جملة لا أحب غير ظاهرة في الكراهة بالمعنى الاخص، بل استعملت في القرآن المجيد في الموارد المبغوضة المحرمة كثيرا، كقوله تعالى: "لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ" (النساء 148) وهو الغيبة المحرمة وكذلك ما نسب إلى الذوات، فان الظاهر منها انه تعالى لا يحبهم لاجل اسرافهم واعتدائهم وكفرهم وظلمهم، ولمبغوضية هذه الافعال عنده تعالى، بل تستعمل هذه الجملة في المبغوضية حتى في المحاورات فيما بين العقلاء. وبالجملة: جملة لا أحب غير ظاهرة في الجواز مع الكراهة بل أما تستعمل في المبغوضية المحرمة أو الاعم منها ومن الكراهة، فلا تكون هذه الجملة صالحة لرفع اليد عن ظهور تلك الروايات في الحرمة. ومنها: مرسل الصدوق، قال: (قال الصادق عليه السلام: إذا أراد المتمتع الخروج من مكة إلى بعض المواضع فليس له ذلك لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه إلا أن يعلم انه لا يفوته الحج) فان المستفاد منه ان المنع عن الخروج من جهة احتمال فوت الحج، لو علم بعدم الفوت فلا يحرم الخروج. وفيه: ضعف السند بالارسال، وان كان ظاهر كلام الصدوق ثبوت كلام الصادق عليه السلام عنده ولذا يقول رضي الله عنه قال الصادق عليه السلام ولو لم يكن كلامه عليه السلام ثابتا عنده لم ينسب الخبر إليه صريحا بل قال روي ونحو ذلك. ولكن مع ذلك لا نتمكن من الحكم بحجية المرسلة لسقوط الوسائط بينه وبين الامام عليه السلام ولعله قدس سره بنى على اصالة العدالة التي لا نعتمد عليها، فمجرد الثبوت عند الصدوق لا يجدي في الحجية.
https://telegram.me/buratha