الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في موقع مؤسسة تراث الشهيد محمد بافر الحكيم عن مفهوم الامة في السياق القرآني للدكتور محمد جعفر العارضي: ومما تقدم نصير مع السيد محمد باقر الحكيم قدس سره الى أنَّ القرآن الكريم حينما يؤكد هنا على مفهوم الأُمَّة يعبر بها عن الجماعة التي يشترك افرادها في التأريخ المعنوي العقائدي و السلوكي. وكذلك يشترك ابناؤها في العقيدة و السلوك الاجتماعي القائم على هذه العقيدة، فتظهر رابطة السلوك الاجتماعي العام متمثلا بالدعوة الى الخير و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر. و تظل للفظة الأُمَّة دلالتها على جماعة العلماء في هذا السياق، فيكون العلم من مظاهر السلوك العام الذي تتبناه هذه الامَّة. ويظهر ايضا الأجل المعنوي، و«هو الاجل للعلاقات التي تربط بين هؤلاء الاشخاص عقائديا وسلوكيا، والتغييرات الرئيسة التي تحصل في الجوانب المعنوية للروابط والعلاقات السائدة في تلك الامم، حيث يترتب على هذه التغييرات العقائدية والسلوكية التغييرات الاجتماعية. وورد لفظ الامة في سورة الحج "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ" (الحج 34)، و"لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ" (الحج 67). و هنا اشارة لطيفة من السيد محمد باقر الحكيم قدس سره الى أنَّ (ما يصدر من الناس من اعمال سلوكية و اجتماعية، و ما يقومون به من نشاطات فكرية و معنوية صالحة او طالحة يؤثر بشكل مباشر في حركة التأريخ و الاوضاع الاجتماعية للناس و في تحديد عمر هذه الامَّة او تلك). و لا شك أنَّنا بازاء عمر قيمي و اخلاقي لهذه الامَّة او تلك، فضلا عن العمر التأريخي. وفي التفاتة رائعة من السيد محمد باقر الحكيم قدس سره تأتي مسألة الفروق الدلالية التي تنم عن ذائقة لغوية و مقدرة عالية يتمتع بها في التماس المعنى و التحليل الدلالي السياقي، ولا سيما التفريق بين لفظتي الأمَّة و القوم، إذ يلحظ أنَّ لفظة قوم تستعمل للدلالة على (الجماعة التي تكون الروابط فيما بينها روابط شعوبية ذات علاقة بالدم و التأريخ المادي و الارضي. أمَّا الأمَّة فهي لفظة يراد منها بمعناها اللغوي مجرد الجماعة، و لكنَّها تطورت في الاستعمال القرآني فاصبحت كلمة تعني الجماعة التي ترتبط فيما بينها بالروابط الفكرية والعقائدية والسلوكية).
عن السيد محمد باقر الحكيم قدس سره في صفحة دراسات بوكالة براثا للانباء في دراسة معمقة في نظام الشعائر و العبادات في الاسلام: نظام الشعائر و العبادات ، النظرية العامة لنظام الشعائر و العبادات :يحسن بنا أن نشير إلى الرؤية النظرية العامة التي يمكن أن نستخلصها من هذا الاستعراض للايام و الليالي ، و هنا تبدو امامنا عدة قضايا مهمة :الاولى : أن الليالي الشريفة تتميز بالاحياء بالعبادة لما في الليل من خصوصية الخلوة باللّه تعالى للمناجات بالدعاء في العبادة له تعالى ، كما أن الاتجاه فيها هو الاهتمام بالطهارة المتمثلة بالغسل .الثانية : أن الايام الشريفة كالاعياد تتميز بموضوع النظافة و الزينة، لذا جاء التأكيد ايضاً للغسل و الطيب و حسن الثياب ، و الاعمال الاجتماعية العامة بحيث أن الصلوات فيها تقسم بهذا الطابع ايضاً كما في صلوات الجمعة و العيدين ، و كذلك التأكيد لاهمية زيارة الاخوان و الانفاق و الاحسان و غيرها من المفردات الاجتماعية.الثالثة : التعبير عن الولاء و الحب لاهل البيت و الارتباط بهم ، و كذلك التمجيد لاعمالهم و البراءة من اعدائهم ، و عمل هذه الاعمال يمثل ظاهرة عامة في جميع الليالي والايام الفاضلة ، ويبدو ذلك واضحاً من خلال التأكيد لزيارة الامام الحسين و الامام علي عليهما السلام فيها ، و كذلك الاكثار من الصلوات على النبي و آله ، بل ارتباط هذه الايام بمناسباتهم .الرابعة : أن عبادة الصوم لها خصوصية في الايام الشريفة ، ففي يومي العيدين تحرم هذه العبادة ، و أما في الايام الاخرى فهي مستحبة بدرجة عالية كما في الايام الاربعة ، و أما في يوم الجمعة فلم يرد تأكيد استحباب صومه إلاّ في حالات خاصة مثل طلب الحاجة أو تكميل الصوم للاربعاء و الخميس .الخامسة : تقسيم الايام و الليالي على المراسم العبادية في اكثر اشهر السنة ، و هي رجب ، و شعبان، و رمضان، و شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة، و ربيع الاول، فإذا أضفنا إليها المناسبات الخاصة باهل البيت عليهم السلام تصبح هذه الايام على مدار السنة كلها .السادسة: أن الكثير من التفاصيل في هذه الايام والليالي والاختلاف فيها إنما كان من اجل ملء محتوى هذه الخطوط العامة التي تمثل اتجاهاً في النظرية، حيث كان ذلك ضمن المخطط العام الذي وضعه إئمة اهل البيت للتربية الروحية و الاخلاقية ، و بناء الارادة و التكامل النفسي و معالجة الامراض النفسية و الروحية .السابعة : أن الملاحظ في الايام و الليالي أنها تمثل بمجمل برامجها و اعمالها امتداداً لايام الجمعة و العيدين و ليلة الجمعة و القدر، بحيث تمثل الاعمال و العبادات في الايام و الليالي التي شرعها الاسلام في اصل الرسالة الإسلامية ، الاصل الذي تفرعت عنها بقية الاعمال و العبادات في الايام و الليالي الاخرى، و بذلك نعرف أن ماجاء عن اهل البيت عليهم السلام بشأن هذه الايام و الليالي إنما هو من علمهم الواسع بتفاصيل الشريعة، أو يعبر عن رؤية نظرية اصيلة و واقعية للشريعة و تشريعاتها، بحيث يمكن أن ينفتح و يستنبط منها هذه التفاصيل استنباطاً صحيحاً يتطابق مع ما روي عن الامام علي عليه السلام من قوله: (علّمني رسول اللّه ألف باب من العلم ، ينفتح لي من كل باب ألف باب). ثالثاً: المساجد و الاماكن المقدسة: و من مفردات الشعائر الإسلامية لدى الجماعة الصالحة مفردة المساجد و الاماكن المقدسة، حيث تحظى هذه المفردة بأهمية خاصة في نظرية أهل البيت عليهم السلام، تتميز بسعتها و شمولها و عمقها، و ذلك إلى جانب مفردة الايام المباركة التي تناولناها بالحديث السابق. و مفردة الاماكن المقدسة من المفردات التي يجمع عليها المسلمون بل أقرتها جميع الاديان السماوية، و العنوان العام للمكان المقدس عند المسلمين هو المسجد الذي هو مكان العبادة لدى المسلمين. و مصطلح المسجد خاص بالمسلمين في مقابل مصطلحات اخرى لاهل الاديان السابقة ، تدعى بها الاماكن المقدسة مثل الصومعة للنصارى و البيعة لليهود و المصلى للصابئة، حيث وردت هذه المصطلحات في قوله تعالى: "الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج 40).
https://telegram.me/buratha