الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في موقع المرجع عن النبي صلّى الله عليه وآله يستشير في أمر الحرب: لما كان المسلمون قرب بدر، وعرفوا بجمع قريش، ومجيئها ، خافوا وجزعوا من ذلك، فاستشار النبي صلى الله عليه وآله أصحابه في الحرب، أو طلب العير. قام المقداد فقال: يا رسول الله، إنها قريش وخيلاؤها، وقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا: أن ما جئت به حق من عند الله ، والله لو أمرتنا: أن نخوض جمر الغضا (نوع من الشجر صلب) ، وشوك الهراس لخضناه معك، ولا نقول لك ما قالت بن إسرائيل لموسى: "قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ" (المائدة 24). ويظهر من بعض النصوص: أن الصحابة كانوا ـ في أكثرهم ـ يميلون إلى طلب العير ، وترك النفير. وقد ذكر الله تعالى ذلك في قرآنه المجيد ، فهو يقول "وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ" (الانفال 7). لقد كان لحرب بدر أثرها في بث روح الاعتماد على النفس، ومواجهة المسؤوليات بصلابة وشجاعة، حيث لا بد من قتل فراعنة قريش، وإفناء صناديدها وأسرهم "لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً" (الانفال 42). وعن أبي أيوب، قال في ضمن حديث له: (فتمنينا معشر الأنصار لو أنا قلنا مثل ما قال المقداد أحب إلينا من مال عظيم) فأنزل الله عز وجل على رسوله: (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ" (الانفال 5). وإن التأمل في كلام سعد بن معاذ والمقداد يفيد: أنهما لم يشيرا عليه لا بالحرب، ولا بالسلام، بل ما زادا على أن أظهرا التسليم والانقياد لأوامر النبي صلى الله عليه وآله ونواهيه، وما يقضيه في الأمور. إنهما لم يبديا رأيا ، ولا قدما بين يديه أمرا. وهذا هو منتهى الإيمان، وغاية الإخلاص والتسليم، وقمة الوعي لموقعهما، ووظائفهما ، وما ينبغي لهما. فهما ما كانا يريان لنفسيهما قيمة في مقابل قضاء الله ورسوله على حد قوله تعالى: "وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ" (الاحزاب 36). وقوله تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (الحجرات 1). ولهذا الإيمان العميق، والتسليم المطلق، كان سرور رسول الله واستبشاره سلام الله عليه وعلى آله الطاهرين.
حصلت معركة بدر قبل معركة صفين بين المسلمين بقيادة الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم وكفار قريش بقيادة ابو سفيان قال الله تعالى "وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ" (الانفال 41). وبعد سنوات حصلت معركة مشابهة وهي معركة صفين بين اخ الرسول امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام والامويين بأمرة معاوية بن ابي سفيان. وهكذا المعركة بين الحق والباطل تستمر الى قيام الساعة حيث لم تمر الا سنوات وحصلت معركة الطف بين جبهتي الحق بقيادة الامام الحسين بن علي عليه السلام و جبهة الباطل بقيادة يزيد بن معاوية. في زيارة الامام الصادق عليه السلام لعمه العباس عليه السلام (اشهد انك مضيت على ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله) لان معركة بدر فرقت بين الحق والباطل، بين حق محمد صلى الله عليه واله وسلم وباطل ابو سفيان، وبين الاسلام والجاهلية. ومعركة كربلاء فرقت بين حق الحسين عليه السلام وباطل يزيد، وبين اسلام اهل البيت وجاهلية بني امية. من أصحاب الحسين الذين رأوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنس بن الحارث الكاهلي الاسدي، وهو صحابي جليل كبير السن وشهد بدرا وحنينا.
عن موقع الدكتور عصام مسلم عن دروس من غزوة بدر الكبرى: لقد ثبت للعالم أن المنهج الإسلامي لا يعترف برابطةٍ غير رابطة العقيدة، ففي بدر الْتقَى القريبُ بقريبه المشركِ فكان السيفُ الحكَمَ بينهما، وكان المبدَأُ القرآنيُّ الذي التزمَه المسلمون دائمًا: "لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (المجادلة 22). أما صفُّ المنافقين فقد تزعزَع، ودخل ناسٌ منهم في الإسلام، وترَكوا اتِّباع ابن أبيِّ ابن سلول بعد أن رجحَت كفَّة المسلمين، فصارت بقية المنافقين على وجَل مِن حالهم، "يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ" (المنافقون 4).
ورد أن أصحاب الحسين، خير من أصحاب رسول الله في بدر وخير من أصحاب المهدي الذين هم خلاصة الغيبة الكبرى والامتحانات الدنيوية والبلاء الدنيوي خلال الغيبة الكبرى احسن منهم، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه واله، واصحاب المهدي يقدمون على الحرب مع احتمال النجاة، وأما أصحاب الحسين عليه السلام، أقدموا على الحرب مع اليقين بالموت. فكيف بالحسين سلام الله عليه.
https://telegram.me/buratha