الدكتور فاضل حسن شريف
لم تكن هجرة المسلمين الاولى من مكة الى المدينة بل سبقتها هجرة الى الحبشة بسبب ضغط قريش عليهم "وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً" (النساء 100). خرج النبي صلى الله عليه واله وسلم من بيته متوجها الى المدينة بعد ان رد الله تعالى مكر اعدائه كما جاء في اية 30 من سورة الانفال "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" بعد ان حطم الرسول مع علي بن ابي طالب عليه السلام اصنام الكعبة في احد الليالي كما جاء في مسند احمد حيث جاء في الحديث الشريف (يا علي ان اول من كسر الاصنام جدك ابراهيم ثم انت يا علي) كما جاء في الاية "وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ" (الانبياء 60). قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: (أَنَا صِنْوُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، وَ السَّابِقُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَ كَاسِرُ الْأَصْنَامِ، وَ مُجَاهِدُ الْكُفَّارِ، وَ قَامِعُ الْأَضْدَادِ). بعد تحطيم ابراهيم عليه السلام الاصنام ونجاته من النار تباحث مع لوط عليه السلام وقرر الهجرة "فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي" (العنكبوت 26) وهي نفس الحالة حصلت مع النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم نجا من حصار قريش بحماية ابو طالب ثم تحطيم اصنام الكعبة ليلا مع علي بن ابي طالب عليه السلام ونجاته من رؤية قريش له قرر الهجرة الى المدينة، وقبلها خرج جعفر بن ابي طالب الى الحبشة. هاجر النبي صلى الله عليه واله وسلم بسبب مكر اعدائه "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الانفال 30) وبعد ان حطم اصنامهم "وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ" (الانبياء 60).
جاء في کتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ" (الشعراء 71) ظل بمعنى دام، والعكوف على الشيء ملازمته والإقامة عنده ، واللام في "لَها" للتعليل أي ندوم عاكفين عليها لأجلها وهو تفريع على عبادة الأصنام. والصنم جثة مأخوذة من فلز أو خشب أو غير ذلك على هيئة خاصة يمثل بها ما في المعبود من الصفات، وهؤلاء كانوا يعبدون الملائكة والجن وهم يرون أنها روحانيات خارجة عن عالم الأجسام منزهة عن خواص المادة وآثارها ، ولما كان من الصعب عليهم التوجه العبادي إلى هذه الروحانيات باستحضارها للإدراك توسلوا إلى ذلك باتخاذ صور وتماثيل جسمانية تمثل بأشكالها وهيئاتها ما هناك من المعنويات. وكذلك الحال في عبادة عباد الكواكب لها فإن المعبود الأصلي هناك روحانيات الكواكب ثم اتخذ أجرام الكواكب أصناما لروحانياتها ثم لما اختلفت أحوال الكواكب بالحضور والغيبة والطلوع والغروب اتخذوا لها أصناما تمثل ما للكواكب من القوى الفعالة فيما دونها من عالم العناصر كالقوة الفاعلة للطرب والسرور والنشاط في الزهرة فيصورونها في صورة فتاة، ولسفك الدماء في المريخ، وللعلم والمعرفة في عطارد وعلى هذا القياس الأمر في أصنام القديسين من الإنسان. فالأصنام إنما اتخذت ليكون الواحد منها مرآة لرب الصنم من ملك أو جن أو إنسان غير أنهم يعبدون الصنم نفسه بتوجيه العبادة إليه والتقرب منه ولو تعدوا عن الصنم إلى ربه عبدوه دون الله سبحانه. وهذا هو الذي يكذب قول القائل منهم: إن الصنم إنما هي قبلة لم تتخذ إلا جهة للتوجه العبادي لا مقصودة بالذات كالكعبة عند المسلمين وذلك أن القبلة هي ما يستقبل في العبادة ولا يستقبل بالعبادة وهم يستقبلون الصنم في العبادة وبالعبادة ، وبعبارة أخرى التوجه إلى القبلة والعبادة لرب القبلة وهو الله عز اسمه وأما الصنم فالتوجه إليه والعبادة له لا لربه ولو فرض أن العبادة لربه وهو شيء من الروحانيات كانت له لا لله فالله سبحانه غير معبود في ذلك على أي حال. وبالجملة فجوابهم عن سؤال إبراهيم "ما تَعْبُدُونَ" (الشعراء 70) بقولهم "نَعْبُدُ أَصْناماً" (الشعراء 71) إبانة أن هذه الأجسام المعبودة ممثلات مقصودة لغيرها لا لنفسها ، وقد أخذ إبراهيم قولهم "نَعْبُدُ" وخاصمهم به فإن استقلال الأصنام بالمعبودية لا يجامع كونها أصناما ممثلة للغير فإذ كانت مقصودة بالعبادة فمن الواجب أن يشتمل على ما هو الغرض المقصود منها من جلب نفع أو دفع ضر بالتوجه العبادي والدعاء والمسألة والأصنام بمعزل من أن تعلم بمسألة أو تجيب مضطرا بإيصال نفع أو صرف ضر ولذلك سألهم إبراهيم بقوله "هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ" إلخ. قوله تعالى "قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ" اعترض عليه السلام عليهم في عبادتهم الأصنام من جهتين: إحداهما: أن العبادة تمثيل لذلة العابد وحاجته إلى المعبود فلا يخلو من دعاء من العابد للمعبود، والدعاء يتوقف على علم المعبود بذلك وسمعه ما يدعوه به، والأصنام أجسام جمادية لا سمع لها فلا معنى لعبادتها. والثانية: أن الناس إنما يعبدون الإله إما طمعا في خيره ونفعه وإما اتقاء من شره وضره والأصنام جمادات لا قدرة لها على إيصال نفع أو دفع ضرر. فكل من الآيتين يتضمن جهة من جهتي الاعتراض ، وقد أوردهما في صورة الاستفهام ليضطرهم على الاعتراف. قوله تعالى "قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ" (الشعراء 74) كان مقتضى المقام أن يجيبوا عن سؤاله عليه السلام بالنفي لكنه لما كان ينتج خلاف ما هم عليه من الانتحال بالوثنية أضربوا عنه إلى التشبث بذيل التقليد فذكروا أنهم لا مستند لهم في عبادتها إلا تقليد الآباء محضا. وقوله "وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ" (الشعراء 74) أي ففعلنا كما كانوا يفعلون وعبدناهم كما كانوا يعبدون ، ولم يعدل عن قوله "كَذلِكَ يَفْعَلُونَ" (الشعراء 74) إلى مثل قولنا: يعبدونها ليكون أصرح في التقليد كأنهم لا يفهمون من هذه العبادات إلا أنها أفعال كأفعال آبائهم من غير أن يفقهوا منها شيئا أزيد من أشكالها وصورها. قوله تعالى "قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ" (الشعراء 75-76) لما انتهت محاجته مع أبيه وقومه إلى أن لا حجة لهم في عبادتهم الأصنام إلا تقليد آبائهم محضا تبرأ عليه السلام من آلهتهم ومن أنفسهم وآبائهم بقوله "أَفَرَأَيْتُمْ" إلخ.
للامام العسكري عليه السلام كتاب منسوب اليه اسمه تفسير الامام العسكري مكون من 286 صفحة. وكبار العلماء نسب الكتاب للامام عليه السلام منهم الصدوق والطبرسي والمجلسي والعاملي والشهيد الثاني، اما القائلين بعدم صحة نسبه للامام فمنهم الحلي والاردبيلي والبلاغي والخوئي. ومن الامثلة الموجودة في هذا الكتاب فان تفسير "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" (البقرة 172) تعني توحيد الله ونبوة محمد رسول الله وامامة علي ولي الله. اما تفسير "وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا" (البقرة 171) يعني الذين يعبدون الاصنام واتخاذهم للانداد من دون محمد وعلي.
https://telegram.me/buratha