الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة قال الله جل جلاله عن الاستعاذة و الاعاذة ومشتقاتها "وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿الأعراف 200﴾ فَاسْتَعِذْ: فَ حرف واقع في جواب الشرط، اسْتَعِذْ فعل، فَاسْتَعِذْ بالله: قل أعوذ بالله , أي التجئ إلى الله، وإما يصيبنَّك أيها النبي من الشيطان غضب أو تُحِس منه بوسوسة وتثبيط عن الخير أو حث على الشرِّ، فالجأ إلى الله مستعيذًا به، إنه سميع لكل قول، عليم بكل فعل، و "وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ" ﴿يوسف 23﴾ مَعاذَ اللهِ: أعوذ بالله ( أتحصن بالله و ألتجيء إليه) من هذا الفعل، وقالت: هلمَّ إليَّ، فقال: معاذ الله أعتصم به، وأستجير مِن الذي تدعينني إليه، و "قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ" ﴿يوسف 79﴾ معاذ اسم، مَعاذَ اللهِ: نعوذ بالله و نعتصم به، قال يوسف عليه السلام: نعتصم بالله ونستجير به أن نأخذ أحدًا غير الذي وجدنا المكيال عنده -كما حكمتم أنتم، فإننا إن فعلنا ما تطلبون نكون في عداد الظالمين، و "فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" ﴿النحل 98﴾ فَاسْتَعِذْ: فَ حرف واقع في جواب الشرط، اسْتَعِذْ فعل، استعذ بالله: اعتصم بالله و التجئ إلي، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم أي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإذا أردت أيها المؤمن أن تقرأ شيئًا من القرآن فاستعذ بالله مِن شرِّ الشيطان المطرود من رحمة الله قائلا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، و "وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ" ﴿المؤمنون 98﴾ وَأَعُوذُ: وَ حرف عطف، أَعُوذُ فعل، وقل أيها النبي: رب أستجير بك من إغواء الشياطين ووسوستها، المغرية على الباطل والفساد والصد عن الحق، وأستجير بك يا رب مِن حضورهم في شيء من أموري.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قال الله تبارك وتعالى "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ (6)" (الناس 1-6) التّفسير: بربّ النّاس أعوذ: في هذه السّورة يتجه الخطاب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم باعتباره الأسوة و القدوة: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلهِ النَّاسِ" (الناس 1-3) يلاحظ أن الآيات ركزت على ثلاث من صفات اللّه سبحانه هي الربوبية و المالكية و الألوهية و ترتبط كلها ارتباطا مباشرا بتربية الإنسان و نجاته من براثن الموسوسين. المقصود من الاستعاذة باللّه ليس طبعا ترديد الاستعاذة باللسان فقط، بل على الإنسان أن يلجأ إليه جلّ و علا في الفكر و العقيدة و العمل أيضا، مبتعدا عن الطرق الشيطانية و الأفكار المضللة الشيطانية، و المناهج و المسالك الشيطانية و المجالس و المحافل الشيطانية، و متجها على طريق المسيرة الرحمانية، و إلّا فإن الإنسان الذي أرخى عنان نفسه تجاه وساوس الشيطان لا تكفيه قراءة هذه السّورة و لا تكرار ألفاظ الاستعاذة باللسان. على المستعيذ الحقيقي أن يقرن قوله "ربّ النّاس" بالاعتراف بربوبية اللّه تعالى، و بالانضواء تحت تربيته؛ و أن يقرن قوله "ملك النّاس" بالخضوع لمالكيته، و بالطاعة التامة لأوامره؛ و أن يقرن قوله: "إله النّاس" بالسير على طريق عبوديته، و تجنب عبادة غيره. و من كان مؤمنا بهذه الصفات الثلاث؛ و جعل سلوكه منطلقا من هذا الإيمان فهو دون شك سيكون في مأمن من شرّ الموسوسين. هذه الأوصاف الثلاثة تشكل في الواقع ثلاثة دروس تربوية هامّة، ثلاث سبل وقاية، و ثلاث طرق نجاة من شرّ الموسوسين، إنّها تؤمن على مسيرة الإنسان من الأخطار. قوله تعالى "مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ" (الناس 4-5). كلمة "الوسواس" أصلها كما يقول الراغب في المفردات صوت الحلي اصطكاك حلية بحلية. ثمّ اطلق على أي صوت خافت. ثمّ على ما يخطر في القلب من أفكار و تصورات سيئة، لأنّها تشبه الصوت الباهت الذي يوشوش في الأذن. "الوسواس": مصدر، و يأتي بمعنى اسم الفاعل بمعنى الموسوس، و هي في الآية بهذا المعنى. "الخنّاس" صيغة مبالغة من الخنوس و هو التراجع، لأنّ الشياطين تتراجع عند ذكر اسم اللّه؛ و الخنوس له معنى الاختفاء أيضا، لأن التراجع يعقبه الاختفاء عادة. فقوله سبحانه: "مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ" (الناس 4) أي أعوذ باللّه من شرّ الموسوس ذي الصفة الشيطانية الذي يهرب و يختفي من ذكر اسم اللّه. الشياطين يمزجون أعمالهم دائما بالتستر. و يرمون بالقاءاتهم في الإنسان بطريقة خفية حتى يخال الإنسان أن هذه الإلقاءات من بنات أفكاره، و هذا ما يؤدي إلي ضلاله و غوايته. عمل الشيطان هو التزيين، و إخفاء الباطل تحت طلاء الحق، و الكذب في قشر من الصداق، و الذنب في لباس العبادة، و الضلال خلف ستار الهداية. و بإيجاز، الموسوسون متسترون، و طرقهم خفية، و في هذا تحذير لكل سالكي طريق اللّه أن لا يتوقعوا رؤية الشياطين في صورتهم الأصلية، أو رؤية مسلكهم على شكله المنحرف. أبدا فهم موسوسون خناسون و عملهم الحيلة و المكر و الخداع و التظاهر و الرياء و إخفاء الحقيقة. لو أنّ هؤلاء أماطوا اللثام عن وجههم الحقيقي، و لم يخلطوا الحق بالباطل، لو أن هؤلاء قالوا كلمتهم صريحة واضحة «لم يخف على المرتادين» كما يقول أمير المؤمنين علي عليه السّلام نعم لم يخف في هذه الحالة على روّاد طريق الحق. و لكنّهم يأخذون شيئا من هذا و شيئا من ذاك فيخلطونه و بذلك تنطلي حيلتهم على الآخرين أو كما يقول علي عليه السّلام: (فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه). عبارة "يوسوس" و عبارة "في صدور النّاس" تأكيد على هذا المعنى.
ان مصطلح القطع في قراءة القران الكريم يعني قطع القراءة عند حدوث طارئ مثلا الاجابة على الهاتف فتقطع القراءة وبعد الرجوع تقرأ الاستعاذة من الشيطان ثم اكمال القراءة، اما مصطلح الوقف يعني الوقف عند نهاية كل اية وهذا فعل الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم كما ورد عن السيدة ام سلمة. ورد في الروايات ان الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان يرقي الأطفال الصغار مثل الحسن والحسين عليهما السلام (أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامّة). فالرقى والتعاويذ والأذكار والأدعية مشروعة، ولكن بجوار الأسباب المادية التي تكملها وتقويمها الأسباب الروحية. ولكن، لا يكفي المسلم أن يذهب الإنسان إلى شخص يقول له أقرأ عليك القرآن أو المعوذات أو آية الكرسي، ويكتفي بهذا. كيف ذلك إذا كان يعاني من مرض عضوي؟ فلا بد من علاج هذا المرض العضوي، وإذا كان مصابًا بفيروس، لا بد من علاج هذا الفيروس، فهذا هو الذي شرعه الإسلام وعاشه المسلمون. إن الإسلام شرع لنا أن نذهب في كل أمر إلى خبرائه نسألهم عنه، ونستفتيهم فيه، سواء أكان في أمور الدين أم أمور الدنيا، كما قال تعالى: "وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ" (فاطر 14). وقال عز وجل: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (النحل 43).
https://telegram.me/buratha