الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن كلمة السفيه ومشتقاتها "قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ ۚ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ" ﴿الأنعام 140﴾ سفها اسم، سفها: جهلا، قد خسر وهلك الذين قتلوا أولادهم لضعف عقولهم وجهلهم، وحرموا ما رزقهم الله كذبًا على الله، قد بَعُدوا عن الحق، وما كانوا من أهل الهدى والرشاد، فالتحليل والتحريم من خصائص الألوهية في التشريع، والحلال ما أحله الله، والحرام ما حرَّمه الله، وليس لأحد من خَلْقه فردًا كان أو جماعة أن يشرع لعباده ما لم يأذن به الله، و "قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ" ﴿الأعراف 66﴾ سفاهة اسم، سفاهة: خفة عقل و ضلالة عن الحق، في سَفاهةٍ: في خفة من العقل و الإدراك، في سفاهة: جهالة، قال الكبراء الذين كفروا من قوم هود: إنا لنعلم أنك بدعوتك إيانا إلى ترك عبادة آلهتنا وعبادة الله وحده ناقص العقل، وإنا لنعتقد أنك من الكاذبين على الله فيما تقول، و "قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَـٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ" ﴿الأعراف 67﴾ قال هود: يا قوم ليس بي نقص في عقلي، ولكني رسول إليكم من رب الخلق أجمعين، و "أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ۖ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ" ﴿الأعراف 155﴾ السُّفَهَاءُ: ال اداة تعريف، سُّفَهَاءُ اسم، السُّفَهاءُ: الذين لا يحسنون التصرف، وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا: استفهام استعطاف، أي لا تعذبنا بذنب غيرنا، واختار موسى من قومه سبعين رجلا مِن خيارهم، وخرج بهم إلى طور سيناء للوقت والأجل الذي واعده الله أن يلقاه فيه بهم للتوبة مما كان من سفهاء بني إسرائيل من عبادة العجل، فلما أتوا ذلك المكان قالوا: لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة فإنك قد كلَّمته فأرِنَاهُ، فأخذتهم الزلزلة الشديدة فماتوا، فقام موسى يتضرع إلى الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتُهم، وقد أهلكتَ خيارهم؟ لو شئت أهلكتهم جميعًا من قبل هذا الحال وأنا معهم، فإن ذلك أخف عليَّ، أتهلكنا بما فعله سفهاء الأحلام منا؟ و "وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا" ﴿الجن 4﴾ سَفِيهُنَا: سَفِيهُ اسم، نَا ضمير، سَفِيهُنَا: إبليس، وأنه كان يقول سفيهنا: جاهلنا، وأن سفيهنا وهو إبليس كان يقول على الله تعالى قولا بعيدًا عن الحق والصواب، مِن دعوى الصاحبة والولد.
جاء في کتاب اقتصادنا للشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره عن علاقة الملكية والخلافة: وكانت الملكية الخاصة أسلوباً لإنجاز الجماعة أهداف هذه الخلافة ورسالتها، فلا تنقطع صلة الجماعة ولا تزول مسؤوليتها عن المال لمجرّد تملّك الفرد له، بل يجب على الجماعة أن تحمي المال من سفه المالك إذا لم يكن رشيداً، لأنّ السفيه لا يستطيع أن يقوم بدور صالح في الخلافة. ولذا قال الله تعالى "وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً" (النساء 5)، ووجّه الخطاب إلى الجماعة، لأنّ الخلافة في الأصل لها، ونهاها عن تسليم أموال السفهاء إليهم ، وأمرها بحماية هذه الأموال والإنفاق منها على أصحابها، وبالرغم من أنّه يتحدّث إلى الجماعة عن أموال السفهاء، فقد أضاف الأموال إلى الجماعة نفسها فقال "وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ" (النساء 5). وفي هذا إشعار بأنّ الخلافة في الأصل للجماعة، وأنّ الأموال أموالها بالخلافة، وإن كانت أموالاً للأفراد بالملكية الخاصة. وقد عقبّت الآية على هذا الإشعار بالإشارة إلى أهداف الخلافة ورسالتها، فوصفت الأموال قائلة "أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً" (النساء 5)، فالأموال قد جعله الله للجماعة ، يعني: أنّه استخلف الجماعة عليها، لا ليبذروها أو يجمّدوها، وإنّما ليقوموا بحقّها ويستثمروها ويحافظوا عليه، فإذا لم يتحقّق ذلك عن طريق الفرد، فلتقم الجماعة بمسؤوليتها. وعلى هذا الأساس يستشعر الفرد المسؤولية في تصرّفاته المالية أمام الله تعالى، لأنّه هو المالك الحقيقي لجميع الأموال، كما يحسّ بالمسؤولية أمام الجماعة أيضاً، لأنّ الخلافة لها بالأصل، والملكية للمال إنّما هي مظهر من مظاهر تلك الخلافة وأساليبها، ولهذا كان من حقّ الجماعة أن تحجر عليه إذا لم يكن أهلاً للتصرّف في ماله، لصغرٍ أو سفهٍ، وأن تمنعه عن التصرّف في ماله بشكل يؤدّي إلى ضرر بليغ بسواه، وكذلك أن تضرب على يده، إذا جعل من ماله مادّة للفساد والإفساد، كما ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله على يد سمرة ابن جندب وأمر بقطع نخلته الخاصّة ورميها، حين اتّخذها مادّة فساد، وقال له: (إنّك رجلٌ مُضار).
وعن الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: في تفسير العياشي، عن يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله "وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ" (النساء 5)، قال: من لا تثق به. وفيه، عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الآية "وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ" (النساء 5) قال: كل من يشرب الخمر فهو سفيه. وفيه، عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله "وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ" (النساء 5) قال: هم اليتامى لا تعطوهم أموالهم حتى تعرفوا منهم الرشد فقلت : فكيف يكون أموالهم أموالنا؟ قال: إذا كنت أنت الوارث لهم. وفي تفسير القمي، عن الباقر عليه السلام: في الآية: فالسفهاء النساء والولد إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وولده سفيه مفسد لم ينبغ له أن يسلط واحدا منهما على ماله الذي جعل الله له قياما يقول: معاشا الحديث. أقول: والروايات في هذه المعاني كثيرة، وهي تؤيد ما قدمناه أن للسفه معنى وسيع ذو مراتب كالسفيه المحجور عليه والصبي قبل أن يرشد والمرأة المتلهية المتهوسة وشارب الخمر ومطلق من لا تثق به، وبحسب اختلاف هذه المصاديق يختلف معنى إيتاء المال، وكذا معنى إضافة "أَمْوالَكُمُ" (النساء 5) وعليك بالتطبيق والاعتبار. وقوله في رواية ابن أبي حمزة: إذا كنت أنت الوارث لهم إشارة إلى ما قدمناه أن المال كله للمجتمع بحسب الأصل ثم لكل من الأشخاص ثانيا وللمصالح الخاصة فإن اشتراك المجتمع في المال أولا هو الموجب لانتقاله من واحد إلى آخر. وفي الفقيه، عن الصادق عليه السلام: انقطاع يتم اليتيم الاحتلام وهو أشده، وإن احتلم ولم يؤنس منه رشد وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله. وفيه، عنه عليه السلام: في قوله تعالى "وَابْتَلُوا الْيَتامى" الآية قال: إيناس الرشد حفظ المال. أقول: وقد تقدم وجه دلالة الآية عليه.
https://telegram.me/buratha