الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة قال الله سبحانه وتعالى عن كلمة شيع ومشتقاتها "وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ" ﴿القصص 15﴾ شِيعَتِهِ: شِيعَتِ اسم، هِ ضمير، ودخل موسى المدينة مستخفيًا وقت غفلة أهلها، فوجد فيها رجلين يقتتلان: أحدهما من قوم موسى من بني إسرائيل، والآخر من قوم فرعون، فطلب الذي من قوم موسى النصر على الذي من عدوه، و "مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ" ﴿الروم 32﴾ شيعا اسم، وَكَانُوا شِيَعًا: فرقا مختلفة وأحزابا، ولا تكونوا من المشركين وأهل الأهواء والبدع الذين بدَّلوا دينهم، وغيَّروه، فأخذوا بعضه، وتركوا بعضه؛ تبعًا لأهوائهم، فصاروا فرقًا وأحزابًا، يتشيعون لرؤسائهم وأحزابهم وآرائهم، يعين بعضهم بعضًا على الباطل، كل حزب بما لديهم فرحون مسرورون، يحكمون لأنفسهم بأنهم على الحق وغيرهم على الباطل، و "وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ" ﴿سبإ 54﴾ بِأَشْيَاعِهِم: بِ حرف جر، أَشْيَاعِ اسم، هِم ضمير، بِأَشْيَاعِهِمْ: بأمثالهم وأنصارهم، كما فُعل بأشياعهم: أشباههم في الكفر، وحيل بين الكفار وما يشتهون من التوبة والعودة إلى الدنيا ليؤمنوا، كما فعل الله بأمثالهم من كفرة الأمم السابقة، إنهم كانوا في الدنيا في شَكٍّ من أمر الرسل والبعث والحساب، مُحْدِث للريبة والقلق، فلذلك لم يؤمنوا، و "وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ" ﴿الصافات 83﴾ شِيعَتِهِ: شِيعَتِ اسم، هِ ضمير، مِنْ شِيْعَتِهِ: من أهل دينه وسنته، وإن من شيعته: أي ممن تابعه في أصل الدين، وإنَّ من أشياع نوح على منهاجه وملَّته نبيَّ الله إبراهيم، حين جاء ربه بقلب بريء من كل اعتقاد باطل وخُلُق ذميم، حين قال لأبيه وقومه منكرًا عليهم: ما الذي تعبدونه من دون الله؟ أتريدون آلهة مختلَقَة تعبدونها، وتتركون عبادة الله المستحق للعبادة وحده؟ فما ظنكم برب العالمين أنه فاعل بكم إذا أشركتم به وعبدتم معه غيره؟ و "وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ" ﴿القمر 51﴾ أَشْيَاعَكُمْ: أَشْيَاعَ اسم، كُمْ ضمير، أشياعكمْ: أمثالهم في الكفر، أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ: أهلكنا أمثالكم من الأمم، ولقد أهلكنا أشياعكم: أشباهكم في الكفر من الأمم الماضية، ولقد أهلكنا أشباهكم في الكفر من الأمم الخالية، فهل من متعظ بما حلَّ بهم من النَّكال والعذاب؟
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيدالطباطبائي: قوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ" (الانعام 159)، وجه الكلام السابق وإن كان مع المشركين وقد ابتلوا بتفريق الدين الحنيف، وكان أيضا لأهل الكتاب نصيب من الكلام وربما لوح إليهم بعض التلويح ولازم ذلك أن ينطبق قوله "الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً" (الانعام 159) على المشركين بل عليهم وعلى اليهود والنصارى لاشتراك الجميع في التفرق والاختلاف في الدين الإلهي. لكن اتصال الكلام بالآيات المبينة للشرائع العامة الإلهية التي تبتدئ بالنهي عن الشرك وتنتهي إلى النهي عن التفرق عن سبيل الله يستدعي أن يكون قوله "الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً" (الانعام 159) موضوعا لبيان حال النبي صلىاللهعليهوآله مع من كان هذا وصفه فالإتيان بصيغة الماضي في قوله "فَرَّقُوا دِينَهُمْ" (الانعام 159) لبيان أصل التحقق سواء كان في الماضي أو الحال أو المستقبل لا تحقق الفعل في الزمان الماضي فحسب. ومن المعلوم أن تمييز النبي صلى الله عليه وآله وإخراجه من أولئك المختلفين في الدين المتفرقين شيعة شيعة كل شيعة يتبع إماما يقودهم ليس إلا لأنه رسول يدعو إلى كلمة الحق ودين التوحيد، ومثال كامل يمثل بوجوده الإسلام ويدعو بعمله إليه فيعود معنى قوله "لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ" (الانعام 159) إلى أنهم ليسوا على دينك الذي تدعو إليه، ولا على مستوى طريقك الذي تسلكه. فمعنى الآية أن الذين فرقوا دينهم بالاختلافات التي هي لا محالة ناشئة عن العلم "وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ" (ال عمران 19) والانشعابات المذهبية ليسوا على طريقتك التي بنيت على وحدة الكلمة ونفي الفرقة إنما أمرهم في هذا التفريق إلى ربهم لا يماسك منهم شيء فينبئهم يوم القيامة بما كانوا يفعلون ويكشف لهم حقيقة أعمالهم التي هم رهناؤها.
جاء في تفسير الكاشف لمحمد جواد مغنية عن من هم أولوا الأمر: واستدل الشيعة على عصمة أهل البيت بأن العصمة منحة إلهية يختص اللَّه بها من ارتضى من عباده، ومحال أن تحصل العصمة بالاكتساب، مهما اجتهد الإنسان، وجاهد، كما هو شأن سائر الصفات، كالعدالة والايمان، وما إليهما. وعليه ينحصر الطريق إلى معرفة العصمة بالوحي فقط ، وقد ثبت النص كتابا وسنة على عصمة أهل البيت عليه السلام، من ذلك قوله تعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" (الأحزاب 33). ومن ذلك قول الرسول الأعظم صلى الله عليه واله: (من أطاعني فقد أطاع اللَّه، ومن عصاني فقد عصى اللَّه ومن أطاع عليا فقد أطاعني، ومن عصى عليا فقد عصاني). رواه الحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح، وصححه أيضا الذهبي في تلخيص المستدرك، وفي الكتاب المذكور قال النبي صلى الله عليه واله: علي مع القرآن، والقرآن مع علي لن يفترقا، حتى يردا علي الحوض. وروى الترمذي في مسنده والحاكم في مستدركه وابن حجر في صواعقه عن الرسول الأعظم صلى الله عليه واله انه قال: اللهم أدر الحق مع علي كيف دار. وأيضا روى الإمام ابن حنبل والترمذي والحاكم وابن حجر قوله صلى الله عليه واله: (اني قد تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي الثقلين: كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي)، واشتهر عن النبي صلى الله عليه واله: انما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا. إلى عشرات الأحاديث، وكلها مدوّنة في كتب السنة وصحاحهم، ومروية بأسانيدهم، وقد جمعها ووضع لها علماء الشيعة مؤلفات خاصة في القديم والحديث، فمن القديم كتاب الشافي للشريف المرتضى، وتلخيصه للشيخ الطوسي، ونهج الحق للعلامة الحلي، ومن الحديث المجلد الثالث من أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين، ودلائل الصدق للشيخ المظفر، والمراجعات لشرف الدين. وعن هوية التشيع للشيخ الدكتور احمد الوائلي: موضوع العصمة موضوع مهم في الفكر الشيعي خاصة والإسلامي عامة. فالعصمة لغة هي المنع ومنه قوله تعالى: "سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ" (هود 43). أما في الاصطلاح الكلامي فالعصمة: لطف يفعله الله تعالى بالمكلف لا يكون معه داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك . وواضح من هذا التعريف أن العصمة لا إلجاء فيها وإنما هي مجدد مدد من الله تعالى واستعداد من العبد، فهي أشبه شئ بأستاذ يقبل على تلميذه لأنه وجد عند التلميذ استعدادا أكثر من غيره لتلقي العلم. وقد أجمعت الأمة الإسلامية على عصمة الأنبياء عن تعمد الكذب فيما يبلغونه عن الله تعالى واختلفوا بعد ذلك في صدور ما ينافي العصمة منهم على سبيل السهو أو النسيان سواء كانت أدلتهم في ذلك سمعية أو عقلية، على صدور أو عدم صدور ما ينافي العصمة ذهب بعض أئمة السنة إلى جواز وقوع كل ذنب منهم صغيرا كان أو كبيرا حتى الكفر وبوسع القارئ الرجوع إلى آراء الباقلاني والرازي والغزالي مفصلا في نظرية الإمامة بينما البعض الآخر فصل في ذلك ولم بصل إلى هذا الحد في تجريدهم من العصمة. أما الشيعة فقد ذهبوا إلى عصمة الأنبياء مطلقا قبل البعثة وبعدها وقد ساقوا لذلك أدلة كثيرة. وقد تعرض الفخر الرازي في كتابه عصمة الأنبياء وكذلك الشيخ المجلسي في البحار مفصلا.
عن ابن بابوية: عن يحيى بن ابي القاسم قال: سألت الصادق عليه السلام عن قوله الله عزّ وجلّ: "الم * ذلك الكتابُ لا ريب فيه هدىً للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب" (البقرة 1-3)، فقال: المتقون شيعة علي عليه السلام، والغيب فهو الحجة القائم الغائب وشاهد ذلك قول الله عزّ وجلّ: "وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ" ﴿يونس 20﴾. قال أمير المؤمنين عليه السلام عن محن المؤمن (الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنتهم لتسلم بها طاعاتهم ويستحقوا عليها ثوابها)، و (إن أشدّ الناس بلاءً النبيون ثم الوصيون ثم الأمثل فالأمثل) كما قال الله تعالى "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ" (البلد 4).
https://telegram.me/buratha