الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن فرعون وآله في القرآن الكريم "وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ" ﴿البقرة 49﴾ فرعون اسم علم، واذكروا نعمتنا عليكم حين أنقذناكم من بطش فرعون وأتباعه، وهم يُذيقونكم أشدَّ العذاب، فيُكثِرون مِن ذَبْح أبنائكم، وترك بناتكم للخدمة والامتهان، وفي ذلك اختبار لكم من ربكم، وفي إنجائكم منه نعمة عظيمة، تستوجب شكر الله تعالى في كل عصوركم وأجيالكم، و "وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ" ﴿البقرة 50﴾ وأغرقنا آل فرعون: قومه معه، واذكروا نعمتنا عليكم، حين فَصَلْنا بسببكم البحر، وجعلنا فيه طرقًا يابسةً، فعبرتم، وأنقذناكم من فرعون وجنوده، ومن الهلاك في الماء، فلما دخل فرعون وجنوده طرقكم أهلكناهم في الماء أمام أعينكم، و "كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿آل عمران 11﴾ آل فرعون والذين من قبلهم: من الأمم كعاد وثمود، شأن الكافرين في تكذيبهم وما ينزل بهم، شأن آل فرعون والذين من قبلهم من الكافرين، أنكروا آيات الله الواضحة، فعاجلهم بالعقوبة بسبب تكذيبهم وعنادهم، والله شديد العقاب لمن كفر به وكذَّب رسله، و "ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ" ﴿الأعراف 103﴾ فرعون اسم علم، إلى فرعون وملئِهِ: قومه، ثم بعثنا من بعد الرسل المتقدم ذِكْرهم موسى بن عمران بمعجزاتنا البينة إلى فرعون وقومه، فجحدوا وكفروا بها ظلمًا منهم وعنادًا، فانظر أيها الرسول متبصرًا كيف فعلنا بهم وأغرقناهم عن آخرهم بمرأى من موسى وقومه؟ وتلك نهاية المفسدين، و "وَقَالَ مُوسَىٰ يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ" ﴿الأعراف 104﴾ يَا فِرْعَوْنُ: يَا حرف نداء، فِرْعَوْنُ اسم علم، وقال موسى لفرعون محاورًا مبلِّغًا: إني رسولٌ من الله خالق الخلق أجمعين، ومدبِّر أحوالهم ومآلهم، و "قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ" ﴿الأعراف 109﴾ قال الأشراف من قوم فرعون: إن موسى لساحر يأخذ بأعين الناس بخداعه إياهم، حتى يخيل إليهم أن العصا حية، والشيء بخلاف ما هو عليه، وهو واسع العلم بالسحر ماهر به، و "وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ" ﴿الأعراف 113﴾ جاء السحرة فرعون قالوا: أئنَّ لنا لجائزة ومالا إن غَلَبْنا موسى؟
فرعون كانت بدايته تشير اليها الآية الكريمة "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" (القصص 4) ونهايته الآية الكريمة "وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ" (البقرة 50). من المعجزات معجزة موسى في العصا والسحرة وعبور البحر ضد فرعون. قال رسول الله عليه السلام يقول: من شر خلق الله خمسة: إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون ذو الأوتاد، ورجل من بني إسرائيل ردهم عن دينهم، ورجل من هذه الأمة يبايع على كفر عند باب لد. قال: ثم قال: إني لما رأيت معاوية يبايع عند باب لد ذكرت قول رسول الله عليه السلام فلحقت بعلي عليه السلام فكنت معه.
جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: قوله تعالى "فألقى عصاه فإذا هي ثعبان" (الشعراء 32) (الاعراف 106) روي أنه لما ألقاها صارت ثعبانا فاغرا فاه بين لحييه ثمانون ذراعا وضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر ثم توجه نحو فرعون وقام على ذنبه، وارتفع من الأرض نحوا من الميل فهرب منه وأحدث في ذلك اليوم أربعمائة مرة، وانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفا وصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذي أرسلك خذه وأنا أومن بك وأرسل معك بني إسرائيل فأخذه فعاد عصا. قوله تعالى "كدأب آل فرعون" (ال عمران 11) (الانفال 53) (الانفال 55) أي عادة "آل فرعون" (ال عمران 11) (الانفال 53) (الانفال 55) الذين دأبوا فيها أي داوموا عليها. قوله تعالى "امرأة فرعون" (التحريم 11) آسية بنت مزاحم آمنت حين سمعت يتلقف عصا موسى الأفك فعذبها فرعون فأوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد، واستقبل بها الشمس، وأضجعها على ظهرها ووضع رحى على صدرها ولما قالت: "رب ابني لي عندك بيتا في الجنة" (التحريم 11) أويت بيتها في الجنة يبنى. قال تعالى: "فأتبعهم فرعون بجنوده" (طه 78) واتبعه: أي تبعه. وقال تعالى: "في تسع آيات إلى فرعون" (النمل 12) وهي: العصا، واليد، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم والحجر، والبحر، والطور، الذي رفع فوق بني إسرائيل، هذا قول ابن عباس، وقد ذكر الطوفان، والسنون ونقص من الثمرات مكان الحجر، والبحر، والطور، وقيل: إنها تسع آيات في الأحكام. قال تعالى "ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين" (الاعراف 129) والسنن: جمع سنة وهي الطريقة التي سنها الله تعالى لإهلاك من كذب أنبياء الله تعالى وآياته. قوله تعالى "يعرضون عليها غدوا وعشيا" (المؤمنون 46) أي يعذبون بها في هذين الوقتين وفيما بين ذلك الله أعلم بحالهم فإذا قامت القيامة قيل لهم: "أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" (المؤمنون 46). قوله تعالى "فأخذه الله نكال الآخرة والأولى" (النازعات 25) أي أغرقه الله في الدنيا ويعذبه في الآخرة. وقوله تعالى "آل فرعون" (ال عمران 11) (الانفال 53) (الانفال 55) قومه، وأهل دينه، و "آل موسى وال هارون" (البقرة 148) أبنائهما أو أنفسهما. والمؤمن: المصدق بالله عز وجل وبما وعد به، ومنه قوله: "قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه" (المؤمنون 28). قوله تعالى "لقد أخذنا آل فرعون بالسنين" (الاعراف 129) أي بالجدب لقلة الأمطار والمياه. قال الله تعالى "ذكرهم بأيام الله" (ابراهيم 5) أي بنعمة أنجائهم أي قوم موسى عليه السلام من آل فرعون.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَ قارُونَ وَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ما كانُوا سابِقِينَ" (العنكبوت 39) الآية تذكر أسماء ثلاثة من الجبابرة الذين كان كل واحد منهم بارزا للقدرة الشيطانية، فتقول: "وَقارُونَ وَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ" (العنكبوت 39). فقارون كان مظهر الثروة المقرونة بالغرور و عبادة الذات و الأنانية و الغفلة. و فرعون كان مظهر القدرة الاستكبارية المقرونة بالشيطنة. و أمّا هامان، فهو مثل لمن يعين الظالمين المستكبرين. ثمّ يضيف القرآن "وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ و الدلائل فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ" (العنكبوت 39) فاعتمد قارون على ثروته و خزائنه و علمه، و اعتمد فرعون و هامان على جيشهما و على القدرة العسكرية، و على قوة إعلامهم و تضليلهم لطبقات الناس المغفّلين الجهلة. لكن برغم كل ذلك لم يفلحوا "وَما كانُوا سابِقِينَ" (العنكبوت 39). فأمر اللّه الأرض التي هي مهد الاطمئنان و الدعة بابتلاع قارون. و أمر الماء الذي هو مصدر الحياة بابتلاع فرعون و هامان. و عبأ جنود السماوات و الأرض لإهلاكهم جميعا، بل ما كان مصدر حياتهم أمر اللّه أن يكون هو نفسه سببا لفنائهم. كلمة "سابقين" (العنكبوت 39) تعني من يتقدم و يكون أمام الآخرين، فمفهوم قوله تعالى: "وَما كانُوا سابِقِينَ" (العنكبوت 39) أي إنّهم لم يستطيعوا أن يهربوا من سلطان اللّه برغم ما كان عندهم من إمكانات، بل أهلكهم اللّه في اللحظة التي أراد، و أرسلهم إلى ديار الفناء و الذلة و الخزي. كما يذكر في الآية التي بعدها "فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ" (العنكبوت 40). وقوله تعالى "وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا" (العنكبوت 40) و نعرف أنّ هذا الكلام إشارة إلى عقاب فرعون و هامان و جنودهما، و قد ذكرت هذه القصّة في سور متعددة من القرآن الكريم. و يبيّن في ختام الآية التأكيد على هذه الحقيقة، و هي أنّ ما أصابهم هو بسبب أعمالهم، و هم زرعوا فحصدوا "وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" (العنكبوت 40). أجل، إنّ عقاب هذه الدنيا و الآخرة هو تجسيد أعمالهم، حيث يغلقون جميع طرق الإصلاح في وجوههم. فاللّه أكثر عدلا و أسمى من أن يظلم الإنسان أدنى ظلم. و هذه الآية- كسائر كثير من آيات القرآن تثبت أصل الحرية في الإرادة و الإختيار عند الإنسان، و تقرر أن التصميم في كل مكان يصدر من الإنسان نفسه. و قد خلقه اللّه حرّا و يريده حرّا .. فعلى هذا يبطل اعتقاد أتباع مذهب (الجبر) الذين لهم وجود بين المسلمين- مع الأسف- بهذا المنطق القوي للقرآن الكريم. قوله تعالى "وَ جاءَ فِرْعَوْنُ وَ مَنْ قَبْلَهُ وَ الْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ" (الحاقة 9). ال "خاطئة" (الحاقة 9) بمعنى الخطأ و لكليهما معنى مصدري و المراد من الخطأ هنا هو الشرك و الكفر و الظلم و الفساد و أنواع الذنوب. ال "المؤتفكات" (الحاقة 9) جمع مؤتفكة من مادّة ائتفاك بمعنى الانقلاب، و هي هنا شارة إلى ما حصل في مدن قوم لوط، حيث انقلبت بزلزلة عظيمة. و المقصود ب "وَمَنْ قَبْلَهُ" (الحاقة 9) هم الأقوام الذين كانوا قبل قوم فرعون، كقوم شعيب، و قوم نمرود الذين تطاولوا على رسولهم. ثمّ يضيف تعالى: "فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً" (الحاقة 10) لقد خالف الفراعنة موسى و هارون عليهما السّلام و واجهوهما بمنتهى العنف و التشكيك و الملاحقة. و كذلك كان موقف أهل مدينة سدوم من لوط عليه السّلام الذي بعث لهدايتهم و إنقاذهم من ضلالهم. و هكذا كان أيضا موقف أقوام آخرين من رسلهم حيث التطاول. و التشكيك و الإعراض و التحدّي. إنّ كلّ مجموعة من هؤلاء الأقوام المتمردّين قد ابتلاهم اللّه بنوع من العذاب، و أنزل عليه رجزا من السماء بما يستحقّون، فالفراعنة أغرقهم اللّه سبحانه في وسط النيل الذي كان مصدرا لخيراتهم و بركة بلدهم و إعمار أراضيهم و ديارهم، و قوم لوط سلّط اللّه عليهم الزلزال الشديد ثمّ مطر من الحجارة ممّا أدّى إلى موتهم و فنائهم من الوجود.
https://telegram.me/buratha