الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقتين السابقتين قال الله تعالى عن فرعون وآله في القرآن الكريم "فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ۚ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ" ﴿يونس 83﴾ فرعون اسم علم، على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم: يصرفهم عن دينه بتعذيبه، وإن فرعون لعال: متكبر، ما آمن لموسى عليه السلام مع ما أتاهم به من الحجج والأدلة إلا ذرية من قومه من بني إسرائيل، وهم خائفون من فرعون وملئه أن يفتنوهم بالعذاب، فيصدُّوهم عن دينهم، وإن فرعون لَجبار مستكبر في الأرض، وإنه لمن المتجاوزين الحد في الكفر والفساد، و "وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ" ﴿يونس 88﴾ وقال موسى: ربنا إنك أعطيت فرعون وأشراف قومه زينة من متاع الدنيا، فلم يشكروا لك، وإنما استعانوا بها على الإضلال عن سبيلك، ربنا اطمس على أموالهم، فلا ينتفعوا بها، واختم على قلوبهم حتى لا تنشرح للإيمان، فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الشديد الموجع، و "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ" ﴿يونس 90﴾ وقطَعْنا ببني إسرائيل البحر حتى جاوزوه، فأتبعهم فرعون وجنوده ظلمًا وعدوانًا، فسلكوا البحر وراءهم، حتى إذا أحاط بفرعون الغرق قال: آمنتُ أنه لا إله إلا الذي آمنتْ به بنو إسرائيل، وأنا من الموحدين المستسلمين بالانقياد والطاعة، و "إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ۖ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ" ﴿هود 97﴾ أرسلنا موسى إلى فرعون وأكابر أتباعه وأشراف قومه، فكفر فرعون وأمر قومه أن يتبعوه، فأطاعوه، وخالفوا أمر موسى، وليس في أمر فرعون رشد ولا هدى، وإنما هو جهل وضلال وكفر وعناد، و "وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ" ﴿ابراهيم 6﴾ واذكر أيها الرسول لقومك قصة موسى حين قال لبني إسرائيل: اذكروا نعمة الله عليكم حين أنجاكم من فرعون وأتباعه يذيقونكم أشد العذاب، ويذبِّحون أبناءكم الذكور، حتى لا يأتي منهم من يستولي على مُلْك فرعون، ويبقون الإناث على قيد الحياة ذليلات، وفي ذلكم البلاء والإنجاء اختبار لكم من ربكم عظيم، و "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا" ﴿الإسراء 101﴾ فاسأل أيها الرسول اليهود سؤال تقرير حين جاء موسى أسلافهم بمعجزاته الواضحات، فقال فرعون لموسى: إني لأظنك يا موسى ساحرا، مخدوعًا مغلوبًا على عقلك بما تأتيه من غرائب الأفعال، و "قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا" ﴿الإسراء 102﴾ يَا فِرْعَوْنُ: يَا حرف نداء، فِرْعَوْنُ اسم علم، فردَّ عليه موسى: لقد تيقَّنتَ يا فرعون أنه ما أنزل تلك المعجزات التسع الشاهدة على صدق نبوتي إلا رب السموات والأرض، لتكون دلالات يَستدِل بها أولو البصائر على وحدانية الله تعالى في ربوبيته وألوهيته، وإني لعلى يقين أنك يا فرعون هالك ملعون مغلوب.
الولاية التكوينية لها امثلة في القرآن الكريم منها قصة موسى عليه السلام مع فرعون " قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ" (طه 49-50) اي الخلق ثم الهداية. فرعون ملك مصر كما ان قيصر ملك الروم والشام وكسرى ملك الفرس وتبع ملك اليمن والنجاشي ملك الحبشة وبطليموس ملك الهند. عن أبي ذر قال: قلت لمعاوية: أما أنا فأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن أحدنا فرعون هذه الأمة، فقال معاوية: أما أنا فلا. عن أبو الحسن العاملي (ت : 1138 هـ) : فرعون في القرآن تأويله فراعنة هذه الأمة من اعداء آل محمد عليهم السلام.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله "إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ" (القصص 8) أي فيما كانوا يفعلونه في أبناء بني إسرائيل وموسى تحذرا من انهدام ملكهم وذهاب سلطانهم بيدهم إرادة لتغيير المقادير عن مجاريها فقتلوا الجم الغفير من الأبناء ولا شأن لهم في ذلك وتركوا موسى حيث التقطوه وربوه في حجورهم وكان هو الذي بيده انقراض دولتهم وزوال ملكهم. والمعنى: فأصابه آل فرعون وأخذوه من اليم وكان غاية ذلك أن يكون لهم عدوا وسبب حزن إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين في قتل الأبناء وترك موسى: أرادوا أن يقضوا على من سيقضي عليهم فعادوا يجتهدون في حفظه ويجدون في تربيته. وبذلك يظهر أن تفسير بعضهم كونهم خاطئين بأنهم كانوا مذنبين فعاقبهم الله أن ربي عدوهم على أيديهم ليس بسديد. قوله تعالى "وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ" (القصص 9) شفاعة من امرأة فرعون وقد كانت عنده حينما جاءوا إليه بموسى وهو طفل ملتقط من اليم تخاطب فرعون بقوله "قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ" (القصص 9) أي هو قرة عين لنا "لا تَقْتُلُوهُ" (القصص 9) وإنما خاطب بالجمع لأن شركاء القتل كانوا كثيرين من سبب ومباشر وآمر ومأمور.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَ إِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَ لا يَتَّقُونَ (11)" (الشعراء 10-11) أوّل قصّة تتناولها هذه السورة هي قصة موسى عليه السّلام، و تشرح جوانب مختلفة من حياته و مواجهته لفرعون و اتباعه حتى هلاكهم بالغرق في النيل. و قد جاء الكلام عن بني إسرائيل و موسى و فرعون و قومه حتى الآن في سور شتى كالبقرة و المائدة و الأعراف و يونس و الإسراء و طه كما ورد الكلام في هذا الشأن أيضا في بعض السور التالية و هذه البحوث و إن تكررت بحسب الظاهر إلّا أن الإمعان أو التدقيق فيها يكشف عن أن كلّ بحث منها يتناول جانبا خاصّا من هذه القصّة ذات المحتوى العزيز، و يعوّل على هدف معين. حين نزلت الآيات محل البحث كان المسلمون قلّة ضعافا و كان أعداؤهم كثرة أولي قوّة و بأس شديد، بحيث لا يمكن الموازنة بين الفرقتين، فكان ينبغي أن يبيّن اللّه قصص الأمم السابقة المشابهة لحال هؤلاء، ليعلم المسلمون أن هذه القوّة التي يمتلكها الأعداء و هذا الضعف الظاهري الذي يكتنف المسلمين لن يؤدي أيّ منهما بنفسه إلى اندحار المسلمين، و لتزداد معنويات المسلمين و تثبّت استقامتهم و مقاومتهم. ينبغي الالتفات إلى أنّ الصفة الوحيدة المذكورة عن قوم فرعون هنا هي الظلم، و من الواضح أن الظلم له معنى جامع واسع و من مصاديقه الشرك كما تقول الآية (13) من سورة لقمان "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" (لقمان 13). كما أنّ استعباد بني إسرائيل و استثمارهم و ما قارنهما من زجر و تعذيب من المصاديق الأخرى أيضا، ثمّ بعد هذا كله فإن قوم فرعون ظلموا أنفسهم بأعمالهم المخالفة، و هكذا يمكن تلخيص أهداف دعوة الأنبياء جميعهم بمبارزة الظلم بجميع أبعاده. و كان لموسى الحق في كلامه هذا تماما، لأنّ فرعون و أتباعه و حاشيته كانوا مهيمنين على مصر، بحيث لم يكن لأحد أن يخالفهم و لو برأيه، و إذا أحسّوا بأدنى نغمة مخالفة لأي شخص بادروا إلى الإجهاز عليه فورا. قوله تعالى "فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ" (الشعراء 16) تمثل الآية المرحلة الثّانية، أي مواجهة موسى و هارون لفرعون. و جملة "فَأْتِيا فِرْعَوْنَ" (الشعراء 16) تكشف عن أنّهما ينبغي أن يواجها فرعون نفسه بأيّة قيمة أو أيّ ثمن كان. و التعبير ب "رسول" (الشعراء 16) بصيغة الإفراد مع أنّهما موسى و هارون نبيّان مرسلان، يشير إلى وحدة دعوتهما، فكأنّهما روحان في بدن واحد لهما خطّة واحدة و هدف واحد. و ضمن دعوتكما لفرعون بأنّكما رسولا ربّ العالمين اطلبا منه أن يرسل بني إسرائيل و يرفع يده عنهم: أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ. و بديهي أن المراد من الآية أن يرفع فرعون عن بني إسرائيل نير العبوديّة و القهر و الاستعباد، ليتحرروا و يأتوا مع موسى و هارون، و ليس المراد هو إرسال بني إسرائيل معهما فحسب. و هنا يلتفت فرعون فيتكلم بكلمات مدروسة و ممزوجة بالخبث و الشيطنة لينفي الرسالة و يقول لموسى: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً" (الشعراء 18). إذ التقطناك من أمواج النيل الهادرة فأنقذناك من الهلاك، و هيّأنا لك مرضعة، و عفونا عن الحكم الصادر في قتل أبناء بني إسرائيل الذي كنت مشمولا به، فتربّيت في محيط هادئ آمن منعّما، و بعد أن تربيت في بيتنا عشت زمانا "وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ" (الشعراء 18). ثمّ توجه إلى موسى و ذكّره بموضوع قتل القبطي فقال: "وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ" (الشعراء 19).
عن الاختلاف والوحدة في نظر القرآن الكريم (2) للسيد محمد باقر الحكيم: الاختلاف بسبب الفساد في الأرض: وفي تطور آخر إلى جانب الاختلاف العقائدي بدأ سبب آخر للاختلاف ينطلق من الهوى أيضاً، وهو: الاختلاف بسبب الجهل والطغيان، وتحول بعض الممارسات السلوكية إلى عادات ثابتة، أو تقاليد مقدسة لوراثتها عن الآباء والأجداد، وبفعل الاجتهادات والتغيرات القائمة على الهوى والأغراض الشخصية أو الظنون والأوهام، الأمر الذي أدى إلى انقسام الناس إلى جماعات متعصبة وأحزاب متفرقة يقتل بعضهم البعض الآخر ويشرده من دياره، أو يستعبده ويستغله من أجل مصالحه وحاجاته وإرضاء لرغباته وشهواته كما في قوله تعالى "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" (القصص 4).
https://telegram.me/buratha