الصفحة الإسلامية

فرعون وآله في القرآن الكريم (ح 6)


الدكتور فاضل حسن شريف

تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن فرعون وآله في القرآن الكريم "وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ" ﴿غافر 26﴾ فرعون اسم علم، وقال فرعون لأشراف قومه: اتركوني أقتل موسى، وليدع ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا، فيمنعه منا، إني أخاف أن يُبَدِّل دينكم الذي أنتم عليه، أو أن يُظْهِر في أرض مصر الفساد، و "وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ" ﴿غافر 28﴾ وقال رجل مؤمن من آل فرعون: قيل: هو ابن عمه، وقال رجل مؤمن بالله من آل فرعون، يكتم إيمانه منكرًا على قومه: كيف تستحلون قَتْلَ رجل لا جرم له عندكم إلا أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبراهين القاطعة مِن ربكم على صِدْق ما يقول؟ فإن يك موسى كاذبًا فإنَّ وبالَ كذبه عائد عليه وحده، وإن يك صادقًا لحقكم بعض الذي يتوعَّدكم به، إن الله لا يوفق للحق مَن هو متجاوز للحد، بترك الحق والإقبال على الباطل، كذَّاب بنسبته ما أسرف فيه إلى الله، و "يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" ﴿غافر 29﴾ قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى: أي ما أشير عليكم إلا بما أشير به على نفسي وهو قتل موسى، ا قوم لكم السلطان اليوم ظاهرين في أرض مصر على رعيتكم من بني إسرائيل وغيرهم، فمَن يدفع عنا عذاب الله إن حلَّ بنا؟ قال فرعون لقومه مجيبًا: ما أريكم أيها الناس من الرأي والنصيحة إلا ما أرى لنفسي ولكم صلاحًا وصوابًا، وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصواب، و "وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ" ﴿غافر 36﴾ وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا: بناءً عاليا، وقال فرعون مكذِّبًا لموسى في دعوته إلى الإقرار برب العالمين والتسليم له: يا هامان ابْنِ لي بنًاء عظيمًا، لعلي أبلغ أبواب السماوات وما يوصلني إليها، فأنظر إلى إله موسى بنفسي، وإني لأظن موسى كاذبًا في دعواه أن لنا ربًا، وأنه فوق السماوات، وهكذا زُيَّن لفرعون عمله السيِّئ فرآه حسنًا، وصُدَّ عن سبيل الحق؛ بسبب الباطل الذي زُيِّن له، وما احتيال فرعون وتدبيره لإيهام الناس أنه محق، وموسى مبطل إلا في خسار وبوار، لا يفيده إلا الشقاء في الدنيا والآخرة.

جاء في الحديث النبوي الشريف (يا عمار إن رأيت عليا قد سلك واديا وسلك الناس كلهم واديا فاسلك مع علي فإنه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من هدى) وهي اشارة الى العقل الجماعي. وهنالك امثلة وقصص قرآنية كثيرة ومنها ان الكثرة مع فرعون ضد موسى عليه السلام "وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ" (الشعراء 44) و "فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ"(الشعراء 41)، وقلة آمنت بموسى عليه السلام "قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ" (الاعراف 121-122). كل الأنبياء والرسل قالوا إنا مسلمون حتى فرعون قال حين أدركه الغرق "قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (يونس 90).

عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً" (المزمل 15) إنذار للمكذبين أولي النعمة من قومه صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله بعد ما أوعد مطلق المكذبين أولي النعمة بما أعد لهم من العذاب يوم القيامة بقياس حالهم إلى حال فرعون المستكبر على الله ورسوله المستذل لرسول الله ومن آمن معه من قومه ثم قرع أسماعهم بما انتهى إليه أمر فرعون من أخذ الله له أخذا وبيلا فليتعظوا وليأخذوا حذرهم. وفي الآية التفات عن الغيبة إلى الخطاب كان المتكلم لما أوعدهم بالعذاب على الغيبة هاج به الوجد على أولئك المكذبين بما يلقون أنفسهم بأيديهم إلى الهلاك الأبدي لسفاهة رأيهم فشافههم بالإنذار ليرتفع عن أنفسهم أي شك وترديد وتتم عليهم الحجة ولعلهم يتقون ، ولذا عقب قياسهم إلى فرعون وقياس النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله إلى موسى عليه‌ السلام والإشارة إلى عقابه أمر فرعون بقوله "فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً" (المزمل 17) إلخ. فقوله "إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ" (المزمل 15) إشارة إلى تصديق رسالة النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله من قبله تعالى وشهادته على أعمالهم بتحملها في الدنيا وتأديتها يوم القيامة ، وقد تقدم البحث عن معنى شهادة الأعمال في الآيات المشتملة عليها مرارا، وفي الإشارة إلى شهادته صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله نوع زجر لهم عن عصيانه ومخالفته وتكذيبه. وقوله "كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً" (المزمل 15) هو موسى بن عمران عليه ‌السلام. قوله تعالى "فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً" (المزمل 16) أي شديدا ثقيلا. إشارة إلى عاقبة أمر فرعون في عصيانه موسى عليه ‌السلام، وفي التعبير عن موسى بالرسول إشارة إلى أن السبب الموجب لأخذ فرعون مخالفته أمر رسالته لا نفس موسى بما أنه موسى ، وإذا كان السبب هو مخالفة الرسالة فليحذروا مخالفة رسالة محمد صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله. كما أن وضع الظاهر موضع الضمير في قوله "فَعَصى فِرْعَوْنُ" (المزمل 15) للإيماء إلى أن ما كان له من العزة والعلو في الأرض والتبجح بكثرة العدة وسعة المملكة ونفوذ المشية لم يغن عنه شيئا ولم يدفع عنه عذاب الله فما الظن بهؤلاء المكذبين؟ وهم كما قال الله "جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ" (ص 11).

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قال الله تعالى "هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَ ثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَ اللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (20)" (البروج 17-18) فيما تعرضت الآيات السابقة لقدرة اللّه المطلقة و حاكميته، و لتهديد الكفار الذين يفتنون المؤمنين. تتعرض الآيات أعلاه لما يؤكّد هذا التهديد. فتخاطب النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قائلة: "هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ" (البروج 17). تلك الكتائب الجرارة التي وقفت بوجه أنبياء اللّه عليهم السّلام بتصورها الساذج بأنّها ستقف أمام قدرة اللّه عزّ و جلّ. و تشير إلى نموذجين واضحين، أحدهما من غابر الزمان، و الآخر في زمن قريب من صدر دعوة الإسلام: "فِرْعَوْنَ وَ ثَمُودَ" (البروج 18). فأحدهما ملك الشرق و الغرب، و الآخر وصلت مدنيته لأن يحفر الجبال لبناء البيوت و القصور الفخمة، و لهما من الجبروت ما لم يستطع أحد من الوقوف‌. بوجههم، و لكنّ العزيز الجبار أهلكهم بالماء و الهواء، مع ما لهاتين المادتين من لطافة و ليونة، و ما يمثلانه باعتبارهما من الوسائل المهمّة المستلزمة لأساسيات حياة الإنسان، فقد أغرقت أمواج و تيارات نهر النيل ذلك الطاغي (فرعون) و جنوده، فيما سلّط اللّه الهواء القارص بأعاصير مدمرة اجتاحت قوم ثمود حتى قطعت دابرهم، فأهلكوا جميعهم. القرآن الكريم يذكّر مشركي مكّة بذلك النموذجين ليعرفوا أنفسهم أمام اللّه تعالى، فإنّ كان اللّه قد أهلك تلك الجيوش العظيمة و بما تملك من عناصر القوّة بماء و هواء، فهل سيبقى لزمام أمورهم من شي‌ء، و هم أضعف من أولئك علما بأنّ البشر أمام اللّه بكلّ ما يحملون من قوّة فهم سواء، فلا فرق بين ضعيف و قوي. فأين الخالق من المخلوق! و إنّما اختير قوم (فرعون) و (ثمود) دون بقية الأقوام السالفة كنموذجين للعصاة و الضالين، باعتبارهما كانا يمتلكان قدرة و قوّة مميزة على بقية الأقوام، و أهل مكّة على معرفة بتاريخهما إجمالا. و تقول الآية التالية: "بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ‌" (البروج 19). فآيات و دلائل الحق ليست بخافية على أحد، و لكن العناد و اللجاجة هما اللذان يحجبان عن رؤية طريق الحق و الإيمان. و كأن "بل" (البروج 19) تشير إلى أنّ عناد و تكذيب أهل مكّة أشدّ و أكثر من قوم فرعون و ثمود و هم مشغولون دائما بتكذيب الحق و إنكاره و يستخدمون كلّ وسيلة في هذا الطريق، بلحاظ أن "بل" تستعمل عادة للاضراب: أي للعدول من شي‌ء إلى شي‌ء آخر. و عليهم أن يعلموا بقدرة اللّه: "وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ" (البروج 20). فلا يدل الإمهال على الضعف أو العجز، و لا يعني عدم تعجيل إنزال العقوبة الإلهية بأنّهم قد خرجوا عن قدرته جلّ شأنه.

عن جعفر مرتضى العاملي في تفسير سورة الفاتحة: أن كلمة العالمين تستعمل غالباً في خصوص البشر العقلاء. قوله تعالى حكاية لقول فرعون وموسى عليه السلام "قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا" (الشعراء 23-24). فقد تخيّل بعضهم أن المقصود بالعالمين في هذه الآية هو ما يشمل السماء والأرض، فتكون لغير العاقل. ولعله لأنه رأى أنها بدل مما قبلها. وقد أكد هذا الأمر فرعون باستعماله كلمة "ما" التي تستعمل بالأصل في غير العاقل. ونقول: إنه تخيّل باطل، فأما بالنسبة لكلام فرعون، فهو يريد أن يوهّن ويحقّر مقام الربوبية الذي يتحدّث عنه موسى، ويُظهر للناس أنه رب غير عاقل، ولا يصلح لأجل ذلك للربوبية، ليثبت للناس: أنه هو ربهم الأعلى. وأما كون كلمة : "رَبُّ الْعَالَمِينَ" (الشعراء 23) بدلاً مما قبلها، فذلك لا يضر، ما دام انه يمكن أن يكون موسى عليه السلام قد أراد التعبير عن هذا الرب بذكر ميزات عديدة له ليدفع أي لبس أو اشتباه، فذكر ربوبيته للسماء والأرض، وللعقلاء أيضاً وهم العالمون فليست الآية بصدد إجمال ما تقدم بجميع خصوصياته.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك