الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب اقتصادنا للشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره عن ملكية الامام: أنّ النصّ الدال على عدم تملّك المحيي للرقبة، وبقائها على ملكية الإمام ، هو المرجع في مقام التعارض، وذلك لأنّ الآخر المعارض له ، مخالف لعموم الكتاب ومظنّة للتهمة. أمّا العموم الكتابي فهو قوله تعالى "لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ" (النساء 29). فإنّ هذه الآية حكمت بأنّ كلّ سبب للتملّك والأكل باطل، إلاّ التجارة عن تراض. ومن الواضح أن تملّك مال الإمام بالإحياء ليس تجارة عن تراض، فهو باطل بإطلاق الآية الكريمة. فيكون ما دلّ على عدم تملّك المحيي لرقبة الأرض موافقاً لإطلاق الكتاب، فيقدم. كما أنّ أصالة الجهة فيه قطعية، دون ما دلّ على تملّك المحيي، فتدبّر جيداً.
وعن علاقة المأجر و المستأجر يقول الشهيد السيد صدر قدس سره: دعوى دلالة عمومات وإطلاقات صحة الإجارة على المطلوب، وذلك لأنّها تدلّ على صحة الإجارة في موضع البحث بالمطابقة، وتدلّ على تملّك المستأجر لما يحوزه الأجير بالالتزام، وإلاّ لكانت الإجارة لغواً، وبل منفعة عائدة إلى المستأجر، ولكانت لأجل ذلك باطلة. فصحّتها ملازمة مع تملك المستأجر للمال المُحاز ويرد عليه: أوّلاً: أنّ انتفاع المستأجر بعمل الأجير لا ينحصر بتملّكه للمال المُحاز، بل قد يتعلّق غرض عقلائي بنفس الحيازة، واقتطاع الخشب من الغابة أو بتملّك الأجير نفسه . فالإجارة ليست سفهيّة على أيّ حال. وثانياً: أنّه لو سلّم كون الإجارة سفهيّة، وأنّ الإجارة السفهيّة خارجة تخصّصاً أو تخصيصاً عن أدلّة صحّة الإجارة، فلا يصحّ التمسّك بهذه الأدلّة لإثبات صحّتها، فضلاً عن إثبات تملّك المستأجر للمال المُحاز ؛ لأنّه من التمسّك بالعام أو المطلق في الشبهة المصداقية. أضف إلى ذلك إمكان التشكيك في وجود إطلاقات في أدلّة الإجارة ؛ لأنّ أخبار الباب الصحيحة ليس فيها ما يكون مسوقاً لبيان أصل صحّة الإجارة بقول مطلق ليتمسّك بإطلاقها . وآية "أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ" (المائدة 1) تدلّ على اللزوم، ولا تدلّ على الصحّة، لا مطابقة ولا التزاماً. وقوله "إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ" (النساء 29)، مختصّ بالتجارة، وهي ظاهرة في البيع والشراء ولا تشمل مطلق العقود التمليكية. الخامس: ما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام من أنّه قال: (من آجر نفسه فقد حظر على نفسه الرزق). وهذا يدلّ على أنّ المستأجر يملك ما يحوزه أجيره، وإلاّ لما صحّ هذا الكلام على الإطلاق، ولَمَا صدق على من آجر نفسه للحيازة ونحوها. فإطلاق النصّ وشموله لكلّ أجير، دليل على أنّ المال المُحاز يملكه المستأجر لا الأجير. ويرد عليه: إضافة إلى إمكان المناقشة في دلالة النصّ: أنّ هذا النصّ لم يرد بسندٍ صحيح، وطرقه كلّها غير صحيحة فيما أعلم، فلا يمكن الاعتماد عليه. وهكذا نعرفـ على ضوء جميع هذا المناقشات: أنّ ملكية المستأجر لحيازة الأجير ليست سبباً في تملّكه للأموال التي يحوزها أجيره. وقد يلاحظ على ما سبق : أنّ تملّك المستأجر للثروة التي يحوزها أجيره يكفي في ثبوته فقهياً عدم توفّر دليل على تملك الأجير الممارس للحيازة لها، لأنّ الأجير وإن باشر الحيازة ولكن الدليل على أنّ الحيازة سبب للملكية ليس إلاّ السيرة العقلائيةـ لضعف الأخبار الواردة في هذا الباب دلالة وسنداً ـ ولا نعلم أنّ السيرة العُقلائية في عصر التشريع كانت تمنح الأجير ملكية الثروة المُحازة، فإذا لم يثبت تملّك الأجير للثروة تعين أن يكون المستأجر هو المالك. ولكن هذه الملاحظة لا تبرّر ملكية المستأجر للثروة حتى إذا تمّت وسلّمنا معها بعدم وجود دليل على ملكية الأجير ، فإنّ عدم توفّر هذا الدليل لا يعني توفّره من الناحية المقابلة. ويمكن أن نضيف إلى ذلك: أنّ هذا الملاحظة لا تطّرد في موارد الإحياء التي جاء فيها النصّ القائل: (من أحيا أرض فهي له)، لأنّ الدليل هناك متوفّر على أنّ صاحب الحقّ هو المُحيي للأرض، والمحيي هو الأجير، لأنّه الذي مارس عملية الإحياء ، فيكون الحقّ له بموجب إطلاق النصّ.
https://telegram.me/buratha