الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن كلمة الكذب ومشتقاتها "فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ أُولَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ" ﴿الأعراف 37﴾ كذبا اسم، كذب فعل، لا أحد أشد ظلمًا ممن اختلق على الله تعالى الكذب، أو كذَّب بآياته المنزلة، واعترفوا على أنفسهم حينئذ أنهم كانوا في الدنيا جاحدين مكذبين وحدانية الله تعالى، و"فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ" ﴿العنكبوت 37﴾، و "ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ" ﴿الروم 10﴾، و "وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَـٰئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ" ﴿الروم 16﴾، و "وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ" ﴿السجدة 20﴾، و "أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ ۗ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ" ﴿سبإ 8﴾، و "فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ" ﴿سبإ 42﴾، و "وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ" ﴿سبإ 45﴾، و "وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ" ﴿فاطر 4﴾، و "إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ" ﴿يس 14﴾، و "قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ" ﴿يس 15﴾، و "هَـٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ" ﴿الصافات 21﴾، و "فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ" ﴿الصافات 127﴾، و "وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ۖ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ" ﴿ص 4﴾، و "كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ" ﴿ص 12﴾، و "بَلَىٰ قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ" ﴿الزمر 59﴾، و "وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ" ﴿الزمر 60﴾، و "كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ ۖ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ۖ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ" ﴿غافر 5﴾، و "إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ" ﴿غافر 24﴾، و "الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" ﴿غافر 70﴾، و "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۖ فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ ۗ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" ﴿الشورى 24﴾، و "فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" ﴿الزخرف 25﴾، و "بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ" ﴿ق 5﴾، و "كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ" ﴿ق 12﴾، و "فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ" ﴿الطور 11﴾، و "هَـٰذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ" ﴿الطور 14﴾.
قال الامام الصادق عليه السلام (اِن الرجل ليكذب الكذبة فيحرم بها صلاة الليل). وقال الامام العسكري عليه السلام (جُعِلت الخبائث كُلها في بيت وجُعل مفتاحهُ الكذب). في تفسير العياشي، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: من زعم أن الله يأمر بالفحشاء فقد كذب على الله، ومن زعم أن الخير والشر إليه فقد كذب على الله. وفيه: عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام: من زعم أن الله أمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله، ومن زعم أن الخير والشر بغير مشية منه فقد أخرج الله من سلطانه، ومن زعم أن المعاصي عملت بغير قوة الله فقد كذب على الله، ومن كذب على الله أدخله الله النار. العياشي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: في قوله "فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ" (يونس 74) قال (بعث الله الرسل إلى الخلق وهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء فمن صدق حينئذ صدق بعد ذلك، ومن كذب حينئذ كذب بعد ذلك).
ورد في المصادر ضرورة معرفة جذور هذه الآفة لمعالجتها، فلو كان الكذب ناجما عن ضعف الإيمان والعقيدة، وجب على المرء تقويتها في نفسه وباطنه من خلال معرفة أنّ الله قادر على كل شيء وبيده مفاتيح كل شيء، وإن كان ناجما عن أمراض أخلاقية كالحسد والبخل والتكّبر وأمثالها، فعليه أن يسعى لعلاج تلك الأمراض ليتسنّى له أن يعيش الصدق والكرامة والشرف في حياته. التفكر في الآثار السيئة والأضرار الوخيمة للكذب والتي تسبب للمرء الفضيحة في الدنيا والآخرة. يجب على قادة المجتمع وكبار الأشخاص في الأسرة أن يتحركوا في تعاملهم مع الآخرين من موقع الصدق، لأنّ الناس والأفراد يتأثّرون بهم.
إيجاد وخلق قوة الشخصية لدى الأفراد، لأنّ ضعف الشخصية عامل مهم يدفع بالمرء نحو الكذب ليَجبُر النقص الذي يعيشه في داخله.
عن كتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: وقوله "وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ" (الانعام 28) تذكير لفعل ما تقرر في نفوسهم من الملكات الرذيلة في نشأة الدنيا فإن الذي بعثهم إلى تمني الرجوع إلى الدنيا والإيمان فيها بآيات الله والدخول في جماعة المؤمنين إنما هو ظهور الحق المتروك بجميع ما يستتبعه من العذاب يوم القيامة، وهو من مقتضيات نشأة الآخرة المستلزمة لظهور الحقائق الغيبية ظهور عيان. ولو عادوا إلى الدنيا لزمهم حكم النشأة، وأسدلت عليهم حجب الغيب، ورجعوا إلى اختيارهم، ومعه هوى النفس ووسوسة الشيطان وقرائح العباد والاستكبار والطغيان فعادوا إلى سابق شركهم وعنادهم مع الحق فإن الذي دعاهم وهم في الدنيا إلى مخالفة الحق والتكذيب بآيات الله تعالى هو على حاله مع فرض ردهم إلى الدنيا بعد البعث، فحكمه حكمه من غير فرق. وقوله "وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ" أي في قولهم "يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا" (الانعام 27) إلخ ، والتمني وإن كان إنشاء لا يقع فيه الصدق والكذب إلا أنهم لما قالوا "نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ" (الانعام 27) أي ردنا الله إلى الدنيا ولو ردنا لم نكذب، ولم يقولوا: نعود ولا نكذب، كان كلامهم مضمنا للمسألة والوعد أعني مسألة الرد ووعد الإيمان والعمل الصالح كما صرح بذلك في قوله "وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ" (السجدة 12) وقوله "وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ" (فاطر 37). وبالجملة قولهم "يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ" (الانعام 27) إلخ، في معنى قولهم ربنا ردنا إلى الدنيا لا نكذب بآياتك ونكن من المؤمنين، وبهذا الاعتبار يحتمل الصدق والكذب، ويصح عدهم كاذبين. وربما وجه نسبة الكذب إليهم في تمنيهم بأن المراد كذب الأمل والتمني وهو عدم تحققه خارجا كما يقال: كذبك أملك، لمن تمنى ما لا يدرك. وربما قيل: إن المراد كذبهم في سائر ما يخبرون به عن أنفسهم من إصابة الواقع واعتقاد الحق، هو كما ترى.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: (مباهلة) في الأصل من مادة بهل (على وزن اهل) بمعنى اطلاق و فك القيد عن الشيء و بذلك يقال للحيوان الطلق حيث لا توضع محالبها في كيس كي يستطيع وليدها أن يرضع بسهولة يقال له: (باهل)، و (ابتهال) في الدعاء بمعنى التضرع و تفويض الأمر إلى اللّه. و إذا فسّروها بمعنى الهلاك و اللعن و البعد عن اللّه كذلك بسبب ترك العبد طلقا و حرا في كلّ شيء تترتب عليه هذه النتائج، هذا معنى (المباهلة) لغة. امّا مفهوما ما هو المعروف نزول هذه الآية، بمعنى الملاعنة بين الشخصين، و لذا يجتمع أفراد للحوار حول مسألة دينية مهمّة في مكان واحد و يتضرعون اللّه أن يفضح الكاذب و يعاقبه.
تكملة للحلقات السابقةجاء عن مؤسسة السبطين العالمية عن الكذب: المبالغة: وهي استفادة المتكلم من ألفاظ مخالفة للواقع لاثبات معنىً في الكلام لاعلى سبيل الحقيقة بل على سبيل تأكيد المعنى وتضخيمه من حيث القلة أو الكثرة أو الحجم أو غيرها من الاوصاف. ومثال ذلك، قول القائل: مررت بدارك مائة مرّة، في حين إن مروره لم يبلغ ذلك الحد، ولم يرد هو العدد مائه بالذات، بل يريد أن مروره كان كثيراً، فالقصد منصب على كثرة المرات لا على العدد بالذات. وهكذا قول القائل: فلان لا تسعه باب الدار. في حين ان الباب تسعه ولكنه لا يريد حقيقة هذا المعنى بل يريد ضخامته وبدانته. وهذا النوع من الكذب والذي يسمى بالمبالغة جائز ولا إثم عليه ولا يوجب الفسق أو الكفّاره لأنه من قبيل استعمال التشبيهات والاستعارات والمجازات اللغويه لغرض بيان المبالغة في الوصف لا بيان الحقيقة. هذا واذا كان المعنى لا يحمل أَدنى الوصف المتعارف تتحول المبالغة الى الكذب المحرّم. مثلاً اذا كان القائل في المثال (مررت بدارك مائة مرّة) وقد مرَّ مرَّة واحدة، تكون المبالغة هنا كذباً مُحرّماً. علاج الكذب: أهم ما يمكن اثباته من الوصايا في هذا المقام هو: 1 ـ تقوية الإيمان بالله، وإرساء قواعدهِ بالنفس وابتغاء السبل والوسائل السليمة الى ذلك، فإنه الأساس لكل فضيلة. 2 ـ الاهتمام بتزكية النفس وتعاهد حالاتها والسعي على تعزيز الايجابي منها وتلافي السلبي. 3 ـ الابتعاد عن مجالس اللهو ومقاطعة رفقة السوء والمحيط الملوَّث بهذه الموبقة. 4 ـ إلتزام الأقران الصالحين وتعاهد مجالس الذكر وإحيائها من قبيل: مجالس التعزية، ومجالس تدريس وقراءة القرآن، ومجالس المحاضرات الاخلاقية، وغيرها. 5 ـ التفكير بالموت والمعاد ويوم القيامة، مع استحضار ما أُعِدَّ للكذَّابين من صنوف العذاب وتهويل ذلك في النفس ليكون رادعاً لها عن ممارسة هذه الموبقة وغيرها.
https://telegram.me/buratha