الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب الخمس الأول للسيد أبوالقاسم الخوئي: قوله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" صحيحة اسحاق بن عمار قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الانفال، فقال: هي القرى التي قد خربت إلى قوله.. وكل ارض لا رب لها والمعادن منها (أو) فيها على اختلاف النسخ فان الضمير في منها أو فيها يرجع إلى الارض فعد من الانفال المعادن من هذه الاراضي التي تكون هي بنفسها ايضا من الانفال لا مطلق المعادن فلاحظ. ومنها ميراث من لا وارث له، وهذا ايضا مما لا اشكال فيه، وقد دلت عليه الروايات المعتبرة المذكورة في كتاب الارث، ولم يذكر صاحب الوسائل منها ههنا إلا رواية واحدة وهي موثقة ابان بن تغلب عن ابي عبد الله عليه السلام: في الرجل يموت ولا وارث له ولا مولى، قال: هو من اهل هذه الآية: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ" (الانفال 1) هذا كله في موضوع الانفال. واما حكمها. اما الاراضي فلا شك انهم عليهم السلام حللوها لكل من احياها، قال صلى الله عليه وآله: ثم هي مني لكم ايها المسلمون. وقد ورد ان من احيا ارضا فهي له، فالناس كلهم مرخصون في التصرف فيها أو فيما يتكون فيها أو عليها من المعادن والاشجار والاحجار ونحوها. وقد دلت عليه السيرة القطعية المستمرة من المسلمين فانهم لا يزالون يتصرفون ويتمتعون منها من غير نكير بالضرورة، وان كان في بعض الاخبار انها كذلك إلى زمان ظهور الحجة عجل الله تعالى فرجه لا مطلقا وهذا امر آخر خارج عن محل الكلام وهو من وظائف الامام عليه السلام. معتبرة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما يقول الله: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ" (الانفال 1) وهي كل ارض جلى اهلها من غير ان يحمل عليها بخيل ولا رجال ولا ركاب فهي نفل لله وللرسول صلى الله عليه وآله. وموثقة سماعة قال: سألته عن الانفال، فقال: كل ارض خربة أو شئ يكون للملوك فهو خالص للامام وليس للناس فيها سهم، قال عليه السلام الفئ والانفال ما كان من ارض لم يكن فيها هراقة الدماء، وقوم صولحوا واعطوا بايديهم، وما كان من ارض خربة أو بطون أو دية فهو كله من الفئ، فهذا لله ولرسوله، فما كان لله فهو لرسوله يضعه حيث يشاء، وهو للامام بعد الرسول. وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سمعه يقول: ان الانفال ما كان من ارض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا واعطوا بايديهم، وما كان من ارض خربة أو بطون أو دية فهذا كله من الفئ والانفال لله وللرسول، فما كان لله فهو للرسول يضعه حيث يحب. انما الكلام في ان ذلك هل يختص بالاراضي أو يعم كل ما يغنمه المسلمون من الكفار ولو كان غير الاراضي كالفرش والاواني ونحوها من المنقولات، فهل تعد هذه أيضا من الانفال أو أنها من الغنائم ويجب خمسها؟. لعل المشهور بين الفقهاء هو الاختصاص حيث قيد الموضوع في كلماتهم بالاراضي. ولكن التعميم غير بعيد لامكان استفادته من بعض الاخبار. منها صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الانفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم اعطوا بايديهم، وكل ارض خربة وبطون الاودية فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله وهو للامام من بعده يضعه حيث يشاء فان الموصول مطلق يعم الارض وغيرها. وصحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال: ان قاتلوا عليها مع امير امره الامام عليهم اخرج منها الخمس لله وللرسول، وقسم بينهم اربعة اخماس، وان لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للامام يجعله حيث احب. قوله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (الانفال 1) موثقة اسحاق بن عمار المروية عن تفسير علي بن ابراهيم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الانفال، فقال: هي القرى التي قد خربت وانجلى اهلها فهي لله وللرسول صلى الله عليه وآله وما كان للملوك فهو للامام، وما كان من الارض بخربة لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وكل ارض لا رب لها والمعادن منها، ومن مات وليس له مولى فماله من الانفال.
جاء في موقع الابدال عن التفسير عند السيد الخوئي للسيد ياسين الموسوي: ملامح المنهج التفسيري عند السيد الخوئي رحمه الله كان للإمام الخوئي رحمه الله منهجاً علمياً رصيناً في التعامل مع الآيات القرآنية، وكما يمكن استفادة هذا المنهج من استقراء تفسيره للآيات واقتناصه منها فقد أوضحه السيد رحمه الله نفسه في طيات بحوثه خصوصاً في تفسيره البيان وسنعرض هذا المنهج مستفيدين من مختلف كلماته وبحوثه: أولاً: دور العقل في التفسير عند السيد الخوئي رحمه الله دعا القرآن الكريم نفسه في آيات كثيرة لإمعان النظر في آياته، والتدبر فيها، والتعقل في أعماقها؛ بل جعله أفضل سبيل للتأكد من صحة المفاهيم القرآنية، وصدورها عن الله تبارك وتعالى. أثنى على أولئك القوم الذين يتفاعلون مع الآيات القرآنية، ويتحركون في ضوء دلالاتها وتوجيهاتها ومعانيها، فقال عزّ من قائل: "وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً" (الانفال 2).
جاء في موسوعة الامام الخوئي للسيد أبوالقاسم الخوئي: أنّ المراد من الدلوك: وسط النهار، كما صرّح به في صحيحة حمّاد الواردة في تفسير الصلاة الوسطى من أنّ المراد بها صلاة الظهر التي هي في وسط النهار، أو باعتبار توسّطها بين الفجر والعصر. ولا شك في تحقّق الدلوك بهذا المعنى بالإضافة إليه، ضرورة انّا لو قسّمنا نهاره إلى قسمين فبعد مضيّ النصف الأوّل وهو ثلاثة أشهر يتحقّق وسط النهار بطبيعة الحال، ويفرض معه الزوال المأخوذ موضوعاً لوجوب الظهرين. و ثانياً: بالالتزام بتحقّق الدلوك في المقام أيضاً حتّى بمعناه المعهود، إذ لا يعتبر فيه زوال الشمس عن قمّة الرأس وميلها عن كبد السماء، لعدم نهوض أيّ دليل عليه من رواية أو غيرها، بل معنى الدلوك: أخذ الشمس في الهبوط والاقتراب من الأُفق بعد نهاية الارتفاع والابتعاد عنه. و هذا كما ترى معنى عام يجتمع مع الحركة الرحويّة كغيرها، إذ فيها أيضاً تقترب من الأُفق بعد انتهاء البعد كالنزول من الجبل بعد الصعود عليه، وإن لم يكن زواله عن قمّة الرأس كما هو موجود عندنا. و كيفما كان، فلا تمكن المساعدة على شيء من الوجوه الأربعة التي احتملها في المتن، لخروجها بأجمعها عن مقتضى الصناعة. أمّا التبعيّة للبلدان المتعارفة المتوسطة فلا مقتضي لها بعد التصريح في جملة من الروايات بقوله عليه السلام: (إنّما عليك مشرقك ومغربك) فلا عبرة بمشرق بلد آخر ولا بمغربه، كما لا اعتبار بفجره ولا بزواله. و منه يظهر ضعف التبعيّة للبلد الذي كان يسكن فيه، إذ لا عبرة به بعد الانتقال إلى بلد آخر له مشرق ومغرب آخر، ولا سيّما وقد تبدّل طبعاً تكليفه في الطريق بمشرق ومغرب آخر، فما هو الموجب بعدئذٍ للرجوع إلى مشرق بلده ومغربه؟ وأمّا احتمال سقوط الصوم وحده أو هو مع الصلوات فهو أيضاً منافٍ لإطلاقات الأدلّة من الكتاب والسنّة الناطقة بوجوب الصلاة وكذلك الصيام لكافّة الأنام عدا ما استثني من المسافر والمريض ونحوهما غير المنطبق على المقام، قال سبحانه وتعالى "الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ" (الانفال 3) و النصوص المتواترة قد أطبقت على وجوبهما على سبيل الإطلاق وعلى كلّ مكلّف، كحديث بناء الإسلام على الخمس، وأنّ الصلاة بمنزلة الروح، وأنّ من صلّى خمساً كمن غسل بدنه في كلّ يوم خمساً لا يبقى فيه شيء من القذارات. و الحاصل: أنّ وجوبهما على كلّ أحد في كلّ وقت بحيث لا يسعه التفويت والتضييع بوجه من الوجوه أمرٌ مقطوع به لا تكاد تختلجه شائبة الإشكال. و من البيّن أنّ المكث والبقاء في أحد القطبين الخاليين عن ليل ونهار متعارف من أحد موجبات التضييع والتفويت، إذ لا تتيسّر معه الصلاة والصيام على النهج المقرّر شرعاً بعد عدم الدليل على التبعيّة لسائر البلدان المتعارفة حسبما عرفت. و منه تعرف أنّ مقتضى الصناعة حرمة البقاء في تلك المواطن ووجوب الهجرة إلى المناطق المتعارفة مقدّمةً للإتيان بتلك الواجبات وعدم الإخلال بها.
https://telegram.me/buratha