الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب علوم القرآن عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: النصر الإلهي للأنبياء: بيان نصرة الله لأنبيائه وان نهاية المعركة تكون في صالحهم مهما لاقوا من العنت والجور والتكذيب كل ذلك تثبيتا لرسوله محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه وتأثيرا في نفوس من يدعوهم إلى الإيمان. وتبعا لهذا الغرض وردت بعض قصص الأنبياء مؤكدة على هذا الجانب بل جاءت بعض هذه القصص مجتمعة ومختومة بمصارع من كذبوهم وقد يتكرر عرض القصة نتيجة لذلك كما جاء في سورة هود والشعراء والعنكبوت ولنضرب مثلا من سورة العنكبوت: "لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث ألف سنة الا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون * فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين" (العنكبوت 14-15). "وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون" (العنكبوت 16). إلى أن يقول: "فما كان جواب قومه إلا ان قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون" (العنكبوت 24). "ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين" (العنكبوت 28). إلى أن يقول: "إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون * ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون" (العنكبوت 34-35). "والى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين * فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين" (العنكبوت 36-37). "وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين" (العنكبوت 38). "وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين" (العنكبوت 39). "فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" (العنكبوت 40). فهذه هي النهاية الحتمية التي يريد أن يصورها القرآن الكريم لمعارضي الأنبياء والمكذبين بدعوتهم.
جاء في رسالة التقريب للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: ملاحظات عامة حول القصة: 1 - إن الهدف الأساس من قصة نوح التي تتميز عن بقية القصص القرآنية كما يبدو من القرآن هو مجموع أمرين: الأول: أن يضرب الله مثلاً لهلاك قوم رسول من أولي العزم كذبوا نبيهم وهموا به، حيث كانت قضية نوح أول حادثة في التاريخ الإنساني تعرض فيها قوم نبي من الأنبياء إلى الهلاك كما كان الرسول الوحيد من أولي العزم الذي جرى في قومه هذا الهلاك. وقد كان الهلاك فيها عاماً شاملاً حتّى أنّه وصل إلى الأقربين من نوح عليه السلام. وهذه القضية من القضايا التي يؤمن بها أهل كل الرسالات السماوية وجميع الأقوام والملل المعروفة في التاريخ البشري. كما يدل على ذلك تراث هذه الأمم، ولذلك فهي مثل صادق ينتفع به كل الناس. الثاني: إن هذه القصة تعبر عن المثل الأعلى للصبر والشجاعة بسبب طول المدة المقرونة باليأس والوحدة، إذ لا نعرف في أي واحد ممن ذكر الله قصته من الأنبياء أنّه مكث في قومه هذه المدة الطويلة يدعوهم إلى الله و يكذبونه ولا يجد بينهم ناصراً له منهم إلا القليل المستضعف، ويستمر في عمله والقيام بوظيفته مع اليأس من هدايتهم وصلاحهم. 2 - لقد كان من نتائج الطوفان وآثاره تثبيت خط التوحيد لله تعالى في التاريخ البشري من خلال البقية الباقية لذرية نوح المؤمنين مع بقاء هذه الحادثة قائمة في الذاكرة التاريخية للبشرية، وكذلك لم يشهد التاريخ البشري حادثة أخرى مماثلة لهذه الحادثة بعد ذلك بل كان العذاب ينزل في هذه الجماعة الخاصة أو تلك، وإن العذاب كان ينزل بسبب الانحرافات الأخلاقية والاجتماعية التي تتعرض لها هذه الجماعات. 3 - إن رواية القصة في التوراة جاءت متفاوتة مع ما ذكر منها في القرآن الكريم، كما أشرنا آنفاً. ويمكن أن نلاحظ الاختلاف بين القرآن والتوراة في النقاط المهمة التالية: أ - وجود تفاصيل في النص القرآني على عمومه و إجماله ذات مغزى مهم لم تذكر في الرواية التوراتية الموجودة، مثل استثناء امرأة نوح من النجاة وغرق ولده، بل صرحت التوراة بدخول امرأته في الفلك ونجاتها، ولم تذكر ابن نوح الغريق. وكذلك يصرح القرآن بنجاة المؤمنين بنوح على قلتهم، مع أن التوراة تقتصر على خصوص نوح وأهله. ب - وجود تفاصيل في التوراة عن القصة ليس لها مغزى وهدف، مثل خصوصيات السفينة من طولها وعرضها وطبقاتها وارتفاعها ومدة الطوفان وارتفاع الماء وكيفية نقصان الماء ومحاولات نوح لاستكشاف جفاف الأرض بإرسال الغراب والحمامة ومجيئها في المرة الثانية بغصن الزيتون. ونزول نوح والحيوانات والدواب وانتشاره في الأرض للتكاثر والتوالد. وكذلك بنائه لأماكن الذبح والعبادة، والقرار الإلهي بتمكين نوح من الحيوانات الأرضية والطيور والحيوانات المائية، وأن الله وضع ميثاقاً بينه وبين نوح وذريته وعلامة تذكرهم بالميثاق وهو قوس قزح، إلى غير ذلك من التفاصيل التي لا مغزى لها ولأهدف، كما أن بعضها بعيد وغريب لا يقبله المنطق السليم. ج - ذكرت التوراة بعض التفاصيل التي لا تليق بالأنبياء وقداستهم، مثل ما فعله أحد أبناء نوح بأبيه بعد أن كان قد سكر نوح بشرب الخمر حيث تعرى داخل خبائه، فنظر إليه ولده عارياً وأخبر إخوته بذلك فقاموا بستر عورته. وعندما استيقظ من سكرته لعن ولده كنعان الذي نظر إلى عورته ودعا عليه أن يكون عبداً لاخوته. د - وجود تفاصيل تخالف ظاهر القرآن أو صريحة مثل ذكر التوراة لنجاة أبناء نوح، وذكر القرآن لغرق بعض أبنائه. وكذلك ذكر القرآن أن المدة التي لبث فيها نوح مع قومه قبل الطوفان "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ" (العنكبوت 14) هي تسعمائة وخمسون عاماً، والتوراة تذكر مدة عمر نوح كلها هي تسعمائة وخمسون عاماً. وقد تأثر بعض الصحابة والتابعين بهذه المعلومات التي وردت في التوراة، فأخذوها عن أهل الكتاب و تناقلوها بينهم وقد يكون بعض هذه المعلومات التي لا تخالف القرآن والتفاصيل صحيحاً ولكن لا يمكن الاعتماد عليه. وبذلك يمكن أن نفهم سمو الهدف القرآني وارتباط نصه بالوحي الإلهي. 4 - ورد في الروايات العديدة التي روى أكثرها العياشي في تفسيره، عن أهل البيت عليهم السلام أن حياة نوح والطوفان والتنور كان في الكوفة ومسجدها الأعظم. وأن الجودي الذي استقرت عليه السفينة هو جبل قرب الكوفة ولعله الغري. وأن الجبل الذي آوى إليه ابن نوح هو جبل (النجف) الذي كان جبلاً عظيماً، ثم تقطع بأمر الله قطعاً قطعاً حتّى امتد إلى بلاد الشام وصار بعضه رملاً، وهو المعروف الآن (بالطارات)، وهذا التفسير التاريخي للحادثة مما اختص به تراث أهل البيت عليهم السلام دون غيرهم. ولعل الأبحاث التاريخية والأثرية تكشف هذه الحقيقة في المستقبل.
جاء في موقع مؤسسة تراث الشهيد الحكيم عن مفهوم الامة في السياق القرآني للدكتور محمد جعفر العارضي: الأمَّة: جماعة تجتمع على أمر ما، من دين، او مكان، او زمان. وردت لفظة (الأُمَّة) في القرآن الكريم في دلالتها الاجتماعية 56 مرة. وعلى الرغم من تعدد السياقات التي تحتوي هذه اللفظة، وكثرة تفريعاتها، ومن ثمَّ كثرة دلالاتها، الا إنَّنا نجد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره قد أدار هذا التعدد السياقي وعالجه معالجة شاملة منتجة، فبدا ممهدا تارة، و مستنتجا تارة اخرى. فتناول مفهوم (الأُمَّة) بلحاظين هما: تناوله بلحاظ دلالته على البعد الاجتماعي المجرد، بمعنى دلالته على (مجرد الجماعة) البشرية (التي تربطها رابطة الاجتماع). و من ذلك قوله تعالى: "وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ" (العنكبوت 18) وتناوله بلحاظ دلالته على البعد المعنوي و الفكري للجماعة البشرية.
https://telegram.me/buratha