الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقتين السابقتين قال الله تعالى عن "آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" في كتابه الحكيم "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" ﴿النساء 59﴾ تُؤْمِنُونَ: تُؤْمِنُ فعل، ونَ ضمير، بِاللهِ: بِ حرف جر، اللهِ اسم علم، وَالْيَوْمِ: وَ حرف عطف، الْ اداة تعريف، يَوْمِ اسم، الْآخِرِ: الْ اداة تعريف، آخِرِ صفة، يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، استجيبوا لأوامر الله تعالى ولا تعصوه، واستجيبوا للرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الحق، وأطيعوا ولاة أمركم في غير معصية الله، فإن اختلفتم في شيء بينكم، فأرجعوا الحكم فيه إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، إن كنتم تؤمنون حق الإيمان بالله تعالى وبيوم الحساب. ذلك الردُّ إلى الكتاب والسنة خير لكم من التنازع والقول بالرأي، وأحسن عاقبة ومآلا، و "لَّـٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ۚ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ۚ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا" ﴿النساء 162﴾ لكنِ المتمكنون في العلم بأحكام الله من اليهود، والمؤمنون بالله ورسوله، يؤمنون بالذي أنزله الله إليك أيها الرسول وهو القرآن، وبالذي أنزل إلى الرسل من قبلك كالتوراة والإنجيل، ويؤدُّون الصلاة في أوقاتها، ويخرجون زكاة أموالهم، ويؤمنون بالله وبالبعث والجزاء، أولئك سيعطيهم الله ثوابًا عظيمًا، وهو الجنة، و "لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ" ﴿التوبة 44﴾ ليس من شأن المؤمنين بالله ورسوله واليوم الآخر أن يستأذنوك أيها النبي في التخلف عن الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال، وإنما هذا من شأن المنافقين، والله عليم بمن خافه فاتقاه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه، و "إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ" ﴿التوبة 45﴾ إنما يطلب الإذن للتخلف عن الجهاد الذين لا يصدِّقون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يعملون صالحًا، وشكَّتْ قلوبهم في صحة ما جئت به أيها النبي من الإسلام وشرائعه، فهم في شكهم يتحيَّرون، و "وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ۚ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ ۚ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" ﴿التوبة 99﴾ ومن الأعراب مَن يؤمن بالله ويقرُّ بوحدانيته وبالبعث بعد الموت، والثواب والعقاب، ويحتسب ما ينفق من نفقة في جهاد المشركين قاصدًا بها رضا الله ومحبته، ويجعلها وسيلة إلى دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له، ألا إن هذه الأعمال تقربهم إلى الله تعالى، سيدخلهم الله في جنته.
جاء في معاني القرآن الكريم: أله الله: قيل: أصله إله فحذفت همزته، وأدخل عليها الألف واللام، فخص بالباري تعالى ولتخصصه به قال تعالى: "هل تعلم له سميا" (مريم 65). وإله جعلوه اسما لكل معبود لهم، وكذا اللات، وسموا الشمس إلاهة.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: الآية التّالية فتذكر شروط عمارة المسجد الحرام إكمالا للحديث آنف الذكر فتبيّن خمسة شروط مهمّة في هذا الصدد، فتقول، "إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ" (التوبة 18). و هذا النص إشارة إلى الشرطين الأوّل و الثّاني، اللذين يمثلان الأساس العقائدي، فما لم يتوفر هذان الشرطان لا يصدر من الإنسان أي عمل خالص نزيه، بل لو كان عمله في الظاهر سليما فهو في الباطن ملّوث بأنواع الأغراض غير المشروعة. ثمّ تشير الآية إلى الشرطين الثّالث و الرّابع فتقول: "وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ" (التوبة 18). أي أن الإيمان باللّه و اليوم الآخر لا يكفي أن يكون مجرّد ادعاء فحسب، بل تؤيده الأعمال الكريمة، فعلاقة الإنسان باللّه ينبغي أن تكون قوية محكمة، و أن يؤدي صلاته بإخلاص، كما ينبغي أن تكون علاقته بعباد اللّه و خلقه قوية، فيؤدي الزكاة إليهم. قوله تعالى " أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (التوبة 19) و يحدثنا التأريخ أنّ منصب (سقاية الحاج) قبل الإسلام كان من أهل المناصب، و كان يضاهي منصب سدانة الكعبة، و كانت حاجة الحاج الماسة في أيّام الحج إلى الماء في تلك الأرض القاحلة اليابسة المرمضة التي يقل فيها الماء، و جوّها حار أغلب أيّام السنة، و كانت هذه الحاجة الماسة تولي موضوع (سقاية الحاج) أهميّة خاصّة، و من كان مشرفا على السقاية كان يتمتع بمنزلة اجتماعية نادرة، لأنّه كان يقدم للحاج خدمة حياتية. و كذلك (عمارة المسجد الحرام) أو سدانته و رعايته، كان لها أهميته الخاصّة، لأنّ المسجد الحرام حتى في زمن الجاهلية كان يعدّ مركزا دينيا، فكان المتصدي لعمارة المسجد أو سدانته محترما. و مع كل ذلك فإنّ القرآن يصّرح بأنّ الإيمان باللّه و باليوم الآخر و الجهاد في سبيل اللّه أفضل من جميع تلك الأعمال و أشرف.
تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع رافد عن أثر الإيمان والكفر علىٰ الفرد والمجتمع للكاتب عباس ذهيبات: أثر الايمان النفسي: عندما يذكر المؤمن ربّه ويتصل بالقوة العظمىٰ الإلهيّة، يتبدد خوفه ويتغلب علىٰ ضعفه ويطمئن قلبه، قال تعالىٰ: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد 28)، وقال أيضاً: "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ" (الانعام 82). فالإيمان يبعث نحو التسليم بقضاء الله وقدره وبذلك يبعد عن النفس شبح الخوف وهاجس القلق ، وهو عنصر هام في معالجة أمراض النفس. والملاحظ أنّ أهمّ ما يعتمد عليه العلاج النفسي هو مساعدة الفرد علىٰ الاعتراف بخطاياه ، وذلك أنّ الاعتراف يعيد إلىٰ النفس المضطربة اتزانها وطمأنينتها. وقد أقرَّ القرآن من حيث المبدأ بفكرة الاعتراف هذه ، ولكن حوّل وجهته من اعتراف الإنسان المعروف أمام أبناء جنسه إلىٰ الاعتراف أمام ربّه وخالقه ، فينفس الإنسان ـ بذلك ـ عن الاحتقان والشعور بالاثم الذي يحسّه في قرارة نفسه ، عندما يقف ـ مثلاً ـ بالصلاة بين يدي ربّه رافعاً يده في قنوته قائلاً: "رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (الاعراف 23). وقد نقل لنا القرآن الكريم إعترافات عديدة من هذا القبيل ومن ضمنها بعض أنبيائه ورسله كموسىٰ عليه السلام عندما قتل رجلاً ولم يتعمد ذلك قال: "رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (القصص 16). ثمّ إنّ شعور الإنسان بأنّه ليس وحيداً وأنّ الله تعالىٰ معه علىٰ الدوام ، يضفي عليه هذا الشعور نوعاً من الاطمئنان والثقة ويُبعد عنه أشباح الخوف والقلق والوحدة والشعور بالكآبة لذلك يُطمْئن الله تعالىٰ الناس: "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (الحديد 4). فالإيمان إذن أشبه بمانعة الصواعق تفرّغ كل ما في الإنسان من شحنات القلق والخوف والاضطراب ، فتمنحه الصحّة النفسيّة والجسديّة معاً. وقد أثبت علم النفس أنّ (الإنسان حين يغشاه انفعال كالخوف أو الحزن أو الغضب، فإنّ هذه التأثيرات الوجدانية والانفعالية تصحبها تغيرات أو اضطرابات جسميّة وفسيولوجيّة قد تكون بالغة الخطورة إن أزمن الانفعال. فقد اتّضح أنّ القلق المزمن الموصول قد يؤدّي إلىٰ ظهور قرحة في المعدة أو الاثني عشر، وأنّ الكراهة المكظومة لمدّة طويلة قد تؤدّي إلىٰ ارتفاع في ضغط الدم). أضف إلىٰ ذلك أنّ الإيمان يؤدي إلىٰ الأُنس والراحة النفسيّة فيبدد بذلك الشعور بالعزلة ومن خطبةٍ لأمير المؤمنين عليه السلام قال فيها (اللهمَّ إنَّك آنسُ الآنسين لأوليائك، إن أوحشتهم الغُربةُ آنسهُم ذكرُكَ، وإن صُبَّت عليهم المصائب لجؤوا إلىٰ الاستجارة بك، علماً بأنَّ أزمّة الاُمور بيدك).
تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع الألوكة الشرعية عن الإيمان باليوم الآخر وآثاره النفسية للدكتور سمير مثنى علي الأبارة: أن معرفة المؤمن بأن غاية الوجود الإنساني هي العبادة، وأنه مخلوق ليعبد الله، من شأنها، ولاشك، أن ترتقي به إلى هذا المستوى الرفيع من الأخلاق، ترتقي بشعوره واهتماماته وأنشطته وأعماله، وتنظف وسائله، فهو يقصد بنشاطه وعملهِ، وكسبه وإنفاقه، عبادة الله تعالى، وهو يريد بامتثال كل أمر واجتناب كل نهي، العبادة. فأولى به، وذلك هو قصده النبيل، ألا يغدر ولا يفجر ولا يغش ولا يخدع، ولا يطغى ولا يتجبر، وأولى به ألا يستخدم أداة مدنسة، ولا وسيلة خسيسة. الإيمان بالآخرة ليس طريقاً للثواب في الآخرة فحسب كما يعتقد بعض الناس، إنما هو حافز، كذلك، على الخير في الحياة الدنيا، حافز على إصلاحها وإنمائها، إنه وسيلة لتحقيق حياة كريمة لائقة بالإنسان الذي كرمه الله وفضله على كثير من خلقه. ورفعه عن درك الحيوان، لتكون اهتماماته وأهدافه أرفع من ضرورات الحيوان. إن الإيمان بالآخرة، وبما وعد الله به فيها من الجزاء الأوفى، إذا رسخ في القلب تحول إلى قوة دافعة تجعل الإنسان مستعدّاً للبذل والعطاء والتضحية في سبيل الخير والصلاح، وتجعل خلقه وسلوكه مستقيماً، وتجعل الأوضاع الاجتماعية صالحة قويمة، لأن الأفراد إذا كانوا صالحين، فإنهم لا يتركون أحوالهم الاجتماعية تفسد وتنحرف. ولكي يبقى الإيمان بالله وباليوم الآخر قوة حية في الضمير تدفع إلى الخير، وتحبس عن الشـر، فرض الله العبادات وحدَّ الحدود، لتكون وسيلة لتجديد الإيمان وزيادته وتقويته، وبقدر ما يداوم الإنسان عليها يكون تجدد إيمانه وتأثيره في النفس والسلوك والأخلاق.
https://telegram.me/buratha