الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن التابوت "وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" ﴿البقرة 248﴾ التَّابُوتُ: ال اداة تعريف، تَّابُوتُ اسم، يأتيكم التابوت: صندوق التوراة، وقال لهم نبيهم: إن علامة ملكه أن يأتيكم الصندوق الذي فيه التوراة وكان أعداؤهم قد انتزعوه منهم فيه طمأنينة من ربكم تثبت قلوب المخلصين، وفيه بقية من بعض أشياء تركها آل موسى وآل هارون، مثل العصا وفُتات الألواح تحمله الملائكة. إن في ذلك لأعظم برهان لكم على اختيار طالوت ملكًا عليكم بأمر الله، إن كنتم مصدقين بالله ورسله، و "أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي" ﴿طه 39﴾ التَّابُوتِ: الصندوق، وذلك حين ألهمْنا أمَّك: أن ضعي ابنك موسى بعد ولادته في التابوت، ثم اطرحيه في النيل، فسوف يلقيه النيل على الساحل، فيأخذه فرعون عدوي وعدوه. وألقيت عليك محبة مني فصرت بذلك محبوبًا بين العباد، ولِتربى على عيني وفي حفظي. وفي الآية إثبات صفة العين لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وكماله.
عن تفسير التبيان للشيخ الطوسي: قوله تعالى "أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي" ﴿طه 39﴾ و قال الجبائي: رأت في المنام أن اقذفيه في التابوت، ثم اقذفيه في اليم، و القذف هو الطرح، و اليم البحر قال الراجز: كنازح اليم سقاه اليم. و قيل: المراد به هاهنا النيل. و قوله "فَليُلقِهِ اليَمُّ بِالسّاحِلِ" (طه 39) جزاء و خبر أخرج مخرج الامر و مثله "اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَ لنَحمِل خَطاياكُم" (العنكبوت 12) و التقدير فاطرحيه في اليم فليلقه اليم بالساحل. و قوله "يَأخُذهُ عَدُوٌّ لِي وَ عَدُوٌّ لَهُ" (طه 39) يعني فرعون. و کان عدوّاً للّه بكفره وحدانيته و ادعائه الربوبية، و کان عدو موسي، لتصوره أن ملكه ينقرض علي يده. و قوله "وَ أَلقَيتُ عَلَيكَ مَحَبَّةً مِنِّي" (طه 39) معناه إني جعلت من رآك أحبك حتي أحبك فرعون، فسلمت من شره، و احبتك امرأته آسية بنت مزاحم فتبنتك. في تفسير القمي في قوله تعالى "وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى" (القصص 7) إلى آخر الآية: حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنه لما حملت به أمه لم يظهر حملها إلا عند وضعها له وكان فرعون قد وكل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط يحفظنهن وذلك أنه كان لما بلغه عن بني إسرائيل أنهم يقولون: إنه يولد فينا رجل يقال له: موسى بن عمران يكون هلاك فرعون وأصحابه على يده فقال فرعون عند ذلك: لأقتلن ذكور أولادهم حتى لا يكون ما يريدون وفرق بين الرجال والنساء وحبس الرجال في المحابس. وكان لفرعون قصر على شط النيل متنزه فنظر من قصره ومعه آسية امرأته إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج والرياح تضربه حتى جاءت به إلى باب قصر فرعون فأمر فرعون بأخذه فأخذ التابوت ورفع إليه فلما فتحه وجد فيه صبيا فقال: هذا إسرائيلي فألقى الله في قلب فرعون محبة شديدة وكذلك في قلب آسية. وأراد فرعون أن يقتله فقالت آسية: "لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ" (القصص 9) أنه موسى.
جاء في کتاب مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لاية لكم إن كنتم مؤمنين" (البقرة 248) "التابوت" صندوق التوراة، وكان موسى عليه السلامإذا قاتل قوما قدمه، وكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون، و (السكينة): السكون والطمأنينة، وقيل: هي صورة كانت فيه من زبرجد أو ياقوت لها جناحان ورأس كرأس الهر وذنب كذنبه فيزف التابوت نحو العدو وهم يمضون معه، فإذا استقر ثبتوا وسكنوا ونزل النصر، وعن علي عليه السلام: كانت فيه ريح هفافة من الجنة ولها وجه كوجه الإنسان "وبقية مما ترك آل موسى" (البقرة 248) هي: عصا موسى ورضاض الألواح وشئ من التوراة، وكان قد رفعه الله بعد موسى فنزلت به الملائكة "تحمله" وهم ينظرون إليه، كان ذلك آية لاصطفاء الله طالوت، و "آل موسى" و "آل هارون" الأنبياء من بني يعقوب بعدهما، لأن عمران هو ابن قاهث بن لاوي بن يعقوب فكان أولاد يعقوب آلهما، ويجوز أن يراد مما تركه موسى وهارون و "آل" مقحم.
جاء في التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: ثم حكى القرآن أن نبيهم لم يكتف بهذه الدلائل الدالة على صلاحية طالوت للقيادة، وإنما ساق لهم بعد ذلك من العلامات التي تشهد بحقيقته بهذا المنصب ما يثبت قلوبهم، ويزيل شكهم ويشرح نفوسهم فقال تعالى: "وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)" (البقرة 248-249) التابوت: بوزن فعلوت من التوب وهو الرجوع، وتاؤه مزيدة لغير التأنيث كجبروت، والمراد به صندوق التوراة وكانوا إذا حاربوا حمله جماعة منهم ويتقدمون به أمام الجيش فيكون ذلك سبب نصرهم. وكان عهدهم به قد طال فذكرهم بمآثره ترغيبا فيه وحملا على الانقياد لطالوت. والسكينة: من السكون وهو ثبوت الشيء بعد التحرك: أو من السكن بالتحريك وهو كل شيء سكنت إليه النفس وهدأت. والمعنى: وقال لهم نبيهم ليقنعهم بأن طالوت جدير بالملك "إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ" أى علامة ملكه وأنه من الله تعالى "أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ" (البقرة 248) أى أن يرد عليكم التابوت الذي سلب منكم فِيهِ "سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ" (البقرة 248) أى في إتيانه سكون لنفوسكم وطمأنينة لها أو مودع فيه ما تسكنون إليه وهو التوراة (وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون) من آثار تعتزون بها، وترون فيها صلة بين ماضيكم وحاضركم وقوله "تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ" (البقرة 248) حال من التابوت. قال صاحب الكشاف: قوله: "وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ" (البقرة 248) هي رضاض الألواح وعصا موسى وثيابه وشيء من التوراة. وكان رفعه الله تعالى بعد موسى عليه السلام فنزلت به الملائكة تحمله وهم ينظرون إليه، فكان ذلك آية لاصطفائه لطالوت. فإن قلت: من هم (آل موسى وآل هارون) . قلت: الأنبياء من بنى يعقوب بعدهما، ويجوز أن يراد مما تركه موسى وهارون والآل مقحم لتفخيم شأنهما. وقال ابن كثير: قال ابن عباس: جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدي طالوت والناس ينظرون. ثم ختم سبحانه الآية بقوله: "إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (البقرة 248) أى: إن في ذلك الذي أتاكم به طالوت لآية عظيمة وعلامة ظاهرة لكم تدل على أحقية طالوت بالملك والقيادة إن كنتم مؤمنين بآيات الله وبالحق الذي جاء به أنبياؤه. وبذلك نرى أن القرآن الكريم قد حكى لنا أن هؤلاء القوم من بنى إسرائيل قد جاءهم نبيهم بأنصع الحجج، وأوضح الأدلة، وأثبت البراهين التي تؤيده فيما يدعوهم إليه.
قال الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم (ولدي الحسين يقتل ظلما وعدوانا، الا ومن قتله يدخل في تابوت من نار، هو ومن شايع وبايع او رضي بذلك). عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: سمعته يقول للحسن: أي شيء السكينة عندكم؟ وقرأ "فأنزل الله سكينته على رسوله". فقال له الحسن: جعلت فداك لا أدري، فأي شيء هو؟ فقال له عليه السلام: ريح تخرج من الجنة طيبة، لها صورة كصورة وجه الإنسان، قال: فتكون مع الأنبياء. فقال له علي بن أسباط: تنزل على الأنبياء والأوصياء؟ فقال عليه السلام: تنزل على الأنبياء، قال: وهي التي نزلت على إبراهيم عليه السلام حيث بنى الكعبة، فجعلت تأخذ كذا وكذا، وبنى الأساس عليها. فقال له محمد بن علي: قول الله تعالى: "فيه سكينة من ربكم" (البقرة 248) قال عليه السلام: هي من هذا. ثم أقبل على الحسن فقال عليه السلام: أي شيء التابوت فيكم؟ فقال: السلاح، فقال عليه السلام: نعم، هو تابوتكم. قال: فأي شيء في التابوت الذي كان في بني إسرائيل؟ قال عليه السلام: كان فيه ألواح موسى التي تكسرت، والطست التي تغسل فيها قلوب الأنبياء. عن خيثمة قال: قال عبدالله بن عمر: ان معاوية في تابوت في الدرك الأسفل من النار، ولولا كلمة فرعون: "انا ربكم الأعلى" (النازعات 24) ما كان أحد أسفل من معاوية. عن علي عليه السلام: معاوية فرعون هذه الأمة. عن أبو حمزة الثمالي (ت : 148 هـ) : إن تابوت معاوية في النار فوق تابوت فرعون، وذلك بأن فرعون قال : "فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى" (النازعات 24).
عن موقع حديث نت: والتابوت: هو صندوق التوراة، وهو الّذي أنزله اللّه على اُمّ موسى فوضعته فيه فألقته في البحر، فلمّا حضرت موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آثار النبوّة، وأودعه وصيّه يوشع عليه السلام، وبالجملة تابوت بني إسرائيل معروف. عمود النار: قيل: إنّ الغمام تظلّ التابوت بالنهار، ويشرق عليه بالليل عمود من نار، وكان يدلّهم على الطريق ليلاً. في البحار: النور بدل النار. جاء في مجمع البيان: قال الطبرسي: كان الغمام يظلّ بني إسرائيل من حرّ الشمس، ويطلع بالليل عمود من نور يضيء لهم.
https://telegram.me/buratha