الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: الإخبارات الغيبية: فمن المعلوم أن القرآن الكريم قد اشتمل على جملة من الإخبارات الغيبية: وعد قاطع للمخاطبين من اليهود أو المشركين على اختلاف المفسرين بالفشل، وأنهم يغلبون، كما حصل فعلا. وكفى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم، ولم يضره كيدهم. ومنها: قوله عزّ من قائل: "يُرِيدُونَ أن يُطفِئُوا نُورَ اللهِ بِأفوَاهِهِم وَيَأبَى اللهُ إلاَّ أن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ" (التوبة 22-23). وعن انتشار الإسلام: وهو ما حصل فعلاً في دين الإسلام العظيم، حيث انتشر في فترة قصيرة انتشاراً لا مثيل له، ودخل الناس فيه أفواج، على تقصير في كثيرٍ من حَمَلته، وسلبيات كثيرة فيهم، استوعبها بحقه ووضوح حجته، وتكامل دعوته، وموافقتها للفطرة. ولولا السلبيات المذكورة لطبق الأرض في عصوره الأولى. ولله أمر هو بالغه. لكنه وعد، ووعده الحق. قال عزّ من قائل: "هُوَ الَّذِي أرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ" (التوبة 33).
قال الله تبارك وتعالى "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" (التوبة 60) جاء في کتاب مصباح المنهاج / كتاب الخمس للسيد محمد سعيد الحكيم: وأما أدلة الصدقة فلا يتضح عمومها للغني، لقوة احتمال اختصاص الصدقة بالفقير، لابتنائها عرفاً على سدّ العوز، وليست كالهبة والهدية متمحضة في الإحسان والمعروف. ولا أقل من إجمالها من هذه الجهة. بل لو فرض عمومها له لغة فلا يبعد انصراف الإطلاق لخصوص الفقير، تبعاً للمرتكزات العرفية والمتشرعية. على أنه لابد من الخروج عن الإطلاقات المذكورة لو تمت بما تضمن عدم حلّ الصدقة إلا للفقير، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (سمعته يقول إن الصدقة لا تحل لمحترف، ولا لذي مرة سوي قوي، فتنزهوا عنها). وقريب منه غيره. وإطلاق الصدقة فيها يشمل غير الزكاة من أنواع الصدقات، ومنها المقام. وصحيح الثمالي: (أنه سمع علي بن الحسين عليه السلام يقول لمولاة له: لا يعبر على بابي سائل إلا أطعمتموه، فإن اليوم يوم الجمعة. قلت له: ليس كل من يسأل مستحقاً، فقال: يا ثابت أخاف أن يكون بعض من يسألنا محقاً فلا نطعمه ونرده، فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله. أطعموهم). وحديث اليسع بن حمزة قال: (كنت في مجلس أبي الحسن الرضا عليه السلام أحدثه وقد اجتمع إليه خلق كثير يسألونه عن الحلال والحرام إذ دخل عليه رجل طوال آدم، فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم رجل من محبيك ومحبي آبائك وأجدادك مصدري من الحج، وقد افتقدت نفقتي، وما معي ما أبلغ به مرحلة، فإن رأيت أن تنهضني إلى بلدي. ولله علي نعمة، فإذا بلغت بلدي تصدقت بالذي توليني عنك، فلست بموضع صدقة. فقال عليه السلام: اجلس رحمك الله. فقال: خذ هذه المأتي ديناً فاستعن بها في مؤنتك ونفقتك، وتبرك بها، ولا تصدق بها عني). وربما يستفاد من نصوص أخر أو وجوه أخر لا يسع المقام النظر فيها.
جاء في موقع وكالة انباء براثا عن محمد سعيد الحكيم للكاتب محمد عبد الجبار الشبوط: فقدت النجف، بل العالم الاسلامي كله، بوفاة المرجع الديني السيد محمد سعيد الحكيم، علما من اعلامها وقامة فقهية كبيرة، وامتدادا لبيت عريق في الفقه والاجتهاد، ذلك هو بيت الحكيم الذي يقف على قمته شامخا الامام الراحل السيد محسن الحكيم (1889-1970). قصة المرجعية الدينية الشيعية، في النجف وفي غيرها، معروفة. وهي تنهض دليلا ملموسا على ابقاء باب الاجتهاد مفتوحا بعد ان اغلقته بقية الطوائف الاسلامية غير الشيعية، في قرار مؤسف فرضته السلطات الحاكمة في المجتمع الاسلامي قبل قرون، ادى بالعقل الفقهي الاسلامي الى الجمود على اربع مدارس فقهية تتبع كل واحدة منها احد الفقهاء الائمة في ذلك الوقت، فيما يؤكد ابقاء باب الاجتهاد مفتوحا على حيوية العقل ودوره في فهم وتفسير الدين، بل ضرورته في قدرة الدين على مواكبة الاحداث والتطورات والمتغيرات. وقد انجبت مدرسة العقل والاجتهاد المفتوح عشرات بل مئات الفقهاء الذين مكنتهم قدراتهم العقلية والمعرفية من تعميق النظر في الدين واستنباط الاحكام التي تتطلبها المتغيرات المستمرة في حياة الانسان. ولم يكن هذا بدون ثمن تعين على المدرسة الفقهية الاجتهادية ان تدفعه للسلطات الغاشمة التي تحكمت وما زالت تتحكم بمصائر المسلمين منذ استيلاء معاوية على الحكم في العالم الاسلامي الى اليوم. ومن هنا صرنا نسمع عن "الشهيد الاول" الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن جمال الدين مكي العاملي (734- 786 هجرية)، والشهيد الثاني الشيخ زين الدين بن علي الجباعي العاملي المعروف بالشهيد الثاني (911 هـ - 965 هـ)، وصولا الى الصدر الاول السيد محمد باقر الصدر، والصدر الثاني السيد محمد محمد صادق الصدر. ولم يكن السيد محمد سعيد الحكيم بعيدا عن خط الشهادة والتضحية ومواجهة الطغاة، فقد كان عليه ان يدفع ثمن رفضه الانصياع لرغبات الطاغية صدام حسين سجنا لمدة تسع سنوات، اسوة بالامام الكاظم الذي قضى الشطر الاكبر من عمره الشريف سجينا. فقد قالها كما اوصى بها جده الرسول محمد كلمةَ حق امام سلطان جائر. ليس من العدل ان نضع مسطرة نقيس بها مراجع الدين فنقول هذا مرجع ثوري وذاك مرجع تقليدي وغير ذلك من الاوصاف والتصنيفات. فالمرجع هو انسان انفق عمره في تحصيل العلم بالدين واحكامه ليجعلها في متناول الاخرين، عملا بقوله تعالى: "فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" (التوبة 122). والباقي في رقبة الناس الذين يقع في يدهم قرار الاستفادة من هذا المرجع او ذاك. في مجتمع يلعب فيه الدين دورا مهما في ضبط الاخلاق وتوجيه السلوك، كالمجتمع العراقي الاسلامي الشيعي، يكون للمرجع الديني اهمية فائقة في ضبط الاتجاهات السلوكية للناس وعلاقاتهم بعضهم ببعض. وهذا ما كان ومازال فقهاء الطائفة الشيعية يقومون به منذ عام 329 هجرية حتى الان. ومن متطلبات التعايش بين الناس في مجتمع تعددي ان يحترم الناس بعضهم البعض، في عاداتهم وتقاليدهم وعقائدهم ومتبنياتهم. ومن هنا اهمية احترام مقام المرجعية الدينية، وتوقيرها، وحفظ منزلتها، وعدم التجاوز عليها بلفظ او فعل. وهذا ما لم يفهمه نظام البعثيين وعلى رأسهم طاغيتهم الاكبر صدام حسين فجعلوا من محاربة المرجعية الدينية الشيعية، وجامعتها العالمية في النجف، اعني الحوزة العلمية، نهجا ثابتا في سياستهم منذ استيلائهم على السلطة في عام 1968 الى يوم سقوطهم في عام 2003، وما زال اذنابهم وذيولهم يواصلون هذه السياسة الغاشمة الى اليوم. رحم الله المرجع الديني الراحل السيد محمد سعيد الحكيم الذي كان نجما ساطعا في سماء المعرفة الفقهية الدينية.
https://telegram.me/buratha