الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله عزت آلاؤه "فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" تكررت في سورة الرحمن 31 مرة "فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" (الرحمن 13) (الرحمن 16) (الرحمن 18) (الرحمن 21) (الرحمن 23) (الرحمن 25) (الرحمن 28) (الرحمن 30) (الرحمن 32) (الرحمن 34) (الرحمن 36) (الرحمن 38) (الرحمن 40) (الرحمن 42) (الرحمن 45) (الرحمن 47) (الرحمن 49) (الرحمن 51) (الرحمن 53) (الرحمن 55) (الرحمن 57) (الرحمن 59) (الرحمن 61) (الرحمن 63) (الرحمن 65) (الرحمن 67) (الرحمن 69) (الرحمن 71) (الرحمن 73) (الرحمن 75) (الرحمن 77)، وقال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ان سورة الرحمن هي عروس القرآن. والآلاء يقصد بها النعم التي أنعم الله على عباده. فقد جاءت الآية بعد مجموعة من النعم علم وخلق الانسان الذي خلقه من العدم، وعلمه البيان بالقدرة على القراءة. ثم نعمة الشمس والقمر والنجوم والشجر والميزان والأرض والفاكهة والنخل، فبأي هذه النعم تكذبون.
جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى "فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" ﴿الرحمن 13﴾ الآلاء: النّعم و الفضل، آلاءِ: نعم الله مفردها أَلىً وزن قـفـاً وإِلىً وزن مِعىً، آلاء ربّكما: نعمِه تعالى. فبأي نِعَم ربكما الدينية والدنيوية يا معشر الجن والإنس تكذِّبان؟ وما أحسن جواب الجن حين تلا عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه السورة، فكلما مر بهذه الآية، قالوا: (ولا بشيء من آلائك ربَّنا نكذب، فلك الحمد)، وهكذا ينبغي للعبد إذا تليت عليه نعم الله وآلاؤه، أن يُقرَّ بها، ويشكر الله ويحمده عليها. وعن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى "فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" ﴿الرحمن 13﴾ "فبأي آلاء" نعم "ربكما" أيها الإنس والجن "تكذبان" ذكرت إحدى وثلاثين مرة، والاستفهام فيها للتقرير.
عن النبي صلی الله عليه وآله وسلم (من قرأ سورة الرحمن أدّى شكر ما أنعم الله عليه). عن الإمام الصادق عليه السلام: (أحِبُّ أن يقرأ الرجل سورة الرحمن يوم الجمعة، فكلما قرأ "فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" (الرحمن 13) قال: لا بشيءِ من آلائك ربي أُكذّب). وردت خواص كثيرة، منها: عن رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم: (من كتبها وعلّقها عليه أمِنَ، وهان عليه كل أمر صعب، وإن عُلّقت على من به رمد يبرأ بإذن الله تعالى). من خطب الامام الحسن عليه السلام: الحمد للّه اللّه المستحمد بالآلاء و تتابع النعماء و صارف الشدائد و البلاء عند الفهماء و غير الفهماء المذعنين من عباده لامتناعه بجلاله و كبريائه. وعن الصادق عليه السلام إنه سئل عنه، قال: قال الله: فبأي النعمتين تكفران؟ أبمحمد صلى الله عليه وآله؟ أم بعلي عليه السلام؟ وفي الكافي مرفوعا: أبالنبي صلى الله عليه وآله؟ أم بالوصي؟
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عزت آلاؤه "رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ" (الرحمن 17) يعني مشرق الصيف ومشرق الشتاء ومغرب الصيف ومغرب الشتاء وقيل المراد بالمشرقين مشرق الشمس والقمر وبالمغربين مغرب الشمس والقمر بين سبحانه قدرته على تصريف الشمس والقمر ومن قدر على ذلك قدر على كل شيء. وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: المراد بالمشرقين والمغربين هنا مشرقا الشمس والقمر ومغرباهما، وهذا المعنى هو المتبادر إلى الأذهان دون غيره وليس من شك ان أكثر الأحياء تحتاج إلى شروق الشمس والقمر وغروبهما، بل قالوا: ان الحياة لا تستقيم على الأرض إلا بذلك "فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ" (الرحمن 17) أبنعمة الشروق أم نعمة الغروب أم غيرها؟ قوله تعالى "خلق الانسن من صلصل كالفخار (14) وخلق الجآن من مارج من نار (15) فبأى ءالاء ربكما تكذبان (16) رب المشرقين ورب المغربين (17) فبأى ءالاء ربكما تكذبان (18) مرج البحرين يلتقيان (19) بينهما برزخ لا يبغيان (20) فبأى ءالاء ربكما تكذبان (21) يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان (22)" (الرحمن 14-22) المارج: الصافي من لهب النار لا دخان فيه، وقيل: هو المختلط بسواد النار، و"من" للبيان، فكأنه قال: من صاف من نار أو مختلط من نار. والمشرقان والمغربان: مشرقا الشتاء والصيف، أو: مشرقا الشمس والقمر ومغرباهما. "مرج البحرين" (الرحمن 19) أرسل البحر العذب والبحر الملح متجاورين متلاقيين لا فصل بينهما في مرأى العين."بينهما برزخ" (الرحمن 20) حاجز من قدرة الله لا يتجاوزان حديهما، ولا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة. "يخرج منهما" (الرحمن 22) كبار الدر وصغاره، وقيل: "المرجان" خرز أحمر كالقضبان وهو البسذ، وقرئ: "يخرج" من: أخرج، وقال: "منهما" وإنما يخرجان من الملح لأنهما لما التقيا صارا كالشيء الواحد، فكأنه قال: يخرج من البحر ولا يخرجان من جميع البحر ولكن من بعضه، كما تقول: خرجت من البلد وإنما خرجت من بعضه، وقيل: إنهما يخرجان من ملتقى الملح والعذب."مرج البحرين" أرسل البحر العذب والبحر الملح متجاورين متلاقيين لا فصل بينهما في مرأى العين. قوله تعالى "فهم في أمر مريج" (ق 5) أي: مختلط مضطرب، يقال: مرج الخاتم في إصبعه وخرج، فمرة يقولون: مجنون، وتارة: ساحر، وتارة: شاعر. قوله تعالى "فبأي آلاء ربكما تكذبان" (الرحمن 32) أي بأي نعمة تكذبان؟ أبإخباره عن تحيركم لتحتالوا له بعمل الطاعة واجتناب المعصية أو بإخباره عنكم إنكم لا تنفذون إلا بحجة لتستعدوا لذلك اليوم. وقوله جل جلاله "فبأي آلاء ربكما تكذبان" (الرحمن 38) وجه النعمة في انشقاق السماء حتى وقع التقرير بها هوما في الإخبار به من الزجر والتخويف في دار الدنيا.
جاء في کتاب مفاهيم القرآن للشيخ جعفر السبحاني: أنّ البرهان الواضح على أنّ مقام الربوبية هو مقام المدبّرية وليس الخالقية كما يتوهم ، هو الآية المتكررة في سورة الرحمن : "فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ". فقد وردت هذه الآية في السورة المذكورة 31 مرة ، وجاءت لفظة رب جنباً. إلى جنب مع لفظة الآلاء التي تعني النعم ، وغير خفي أنّ قضية النعمة مع التذكير بمقام ربوبية الله لحياة البشر وحفظها من الفناء أنسب وأكثر انسجاماً ، إذ ذكر النعم (التي هي من شعب التربية الإلهية التي يوليها سبحانه للبشر) يناسب موضوع التربية والتدبير الذي تندرج فيه إدامة النعم وإدامة الإفاضة. لقد اقترنت مسألة الشكر مع لفظة الرب في خمسة موارد في القرآن الكريم ، والشكر إنّما يكون في مقابل النعمة التي هي سبب بقاء الحياة الإنسانية ودوامها وحفظها من الفناء وصيانتها من الفساد ، وليست حقيقة تدبير الإنسان إلاّ إدامة حياته وحفظها من الفساد والفناء. وإليك هذه الموارد : "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" (ابراهيم 7)، و "قَالَ رَبّي أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَليَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ" (النمل 19)، و "قَالَ هٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ" (النمل 40)، و "قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ" (الاحقاف 15)، و "كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ" (سبأ 15).
https://telegram.me/buratha