الدكتور فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن عزير "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ" ﴿التوبة 30﴾ عزير اسم علم، عُزَيْرٌ: نبي من أنبياء بني إسرائيل أماته الله مائة عام ثم أحياه، يُضَاهِئُونَ: يُضَاهِـُٔ فعل، ونَ ضمير، يضاهئون: يُشابهون، و الضَّهِيُّ: الشبيه. قد أشرك اليهود بالله عندما زعموا أن عزيرًا ابن الله. وأشرك النصارى بالله عندما ادَّعوا أن المسيح ابن الله. وهذا القول اختلقوه من عند أنفسهم، وهم بذلك لا يشابهون قول المشركين من قبلهم. قَاتَلَ الله المشركين جميعًا كيف يعدلون عن الحق إلى الباطل؟
جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام عن النبي عزير عليه السلام: هو أحد أنبياء الله لبني إسرائيل، قد توفي وهو بعمر الشباب بأمر من الله تعالى، وقد أحياه الله بعد مائة سنة من مماته. ذُكر في القرآن الكريم صريحاً مرةً واحدة في سورة التوبة الآية 30 "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ" ﴿التوبة 30﴾ كما أُشير لحادثة مماته في آية أخرى. كان في زمانه نبوخذ نصر ملك بابل الذي قام بهدم بيت المقدس محل سكن بني إسرائيل، وأخذهم إلى بابل أُسارى. يعتبر اليهود أن عُزيراً من أحيى التوراة بعد حرقها ونسيانها، كما يعتبروه من جدد لهم الدين من خلال إعادة كتابة التوراة. هويته: النبي عزير هو من نسل النبي هارون شقيق النبي موسى عليهما السلام، ولد مع توأم له في بيت المقدس. كما أنه ذُكر في بعض المصادر باسم إرميا، وأنه أحد أنبياء بني إسرائيل، لكنه ذُكر في القرآن الكريم صريحاً لمرةٍ واحدة في سورة التوبة الآية 30، وقد اعتبر بعض المفسرين أن الآية 259 من سورة البقرة تُشير لحادثة مماته وإحيائه. عاش النبي عُزير في زمن ملوك الأخمينيين، وقد سُمي في النصوص العبرية بـ (عزرا)، وعلى حدّ قول العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان أن عُزيراً من الذين لم يتبين نبوتهم جيداً. إحياء عُزير بعد مماته: بحسب ما ورد في القرآن الكريم وفي المصادر التاريخية أن عُزيراً مات وهو في سن الشباب، وقد أحياه الله بعد مائة سنة، حيث مرّ على حماره في قرية خربة قد هلك فيها سكانها، فنزل عن حماره ومعه سلة فيها تين، وأخرى فيها عنب، فاعتصر من العنب الذي كان معه بداخلها، ثم أخرج خبزاً يابساً معه، فألقاه في العصير ليبتل ثم يأكله، وأثناء ذلك استلقى على قفاه وهو ينظر إلى سقف تلك البيوت الخاوية والعِظام البالية فقال متعجباً: "أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ الله بَعْدَ مَوْتِهَا" (البقرة 259) فأماته الله، ثم أحياه بعد مائة سنة، فسُئل عن المدّة التي مرّت عليه، حيث كان يتصور عزير أنه نام ليومٍ أو بعض يوم، فقيل له إنه قد مات لمئة عامٍ مع بقاء طعامه الذي كان معه على وضعه ولم يصبه الفساد، ثم قيل له إنظر إلى عِظام حمارك الذي هلك معك لترى كيف يتم إحياء الأموات، ومن هذه الواقعة أقرّ عزير بقدرة الله تعالى. يعتقد المراغي من علماء أهل السنة أن عُزير لم يمت بل كان في حالة إغماء وغيبوبة.
جاء في كتاب الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل للشيخ جعفر السبحاني: احياء عزير: مناظرة الإمام الباقر عليه السلام حول عزير: خلال مناظرة الإمام الباقر عليه السلام مع أحد علماء المسيح حول عزير، طرح النصراني سؤالاً وكان يتصور أن الإمام قد يعجز عن إجابته، وهو ولادة توأمين ولدا في زمن واحد، وتوفيا في زمن واحد أيضاً، أحدهما عاش لخمسين عاماً والأخر كان عمره مائة وخمسين عاماً، فأجابه الإمام الباقر عليه السلام أنهما عزيز وعزير ولدا توأمين وعاشا معاً ثلاثين عاماً فقبض الله روح عزير لمائة عاماً حيث كان في عداد الأموات، بينما أخوه عزيز كان حياً يُرزق، وبعد مائة عاماً أحيا الله عزير، ثم عاش مع أخيه عشرين عاماً، ثم توفيا معاً في سنة واحدة، وبعد أن سمع العالم المسيحي إجابة الإمام تحيّر واندهش من علمه عليه السلام. الأماكن المنسوبة: يُنسب مكانان إلى عزير في الزمن الحالي، هما: وجود قبر منسوب إليه في مدينة العيزرية على الضفة الغربية لنهر الأردن في دولة فلسطين، وبجانبه مسجد اسمه عزير. وهناك أيضاً قبر يُنسب إلى عزير في محافظة ميسان جنوب العراق. يحكي الذكر الحكيم أنّ رجلاً صالحاً مرّ على قرية خربة، وقد سقطت سقوفها، فتساءل في نفسه، كيف يحيي الله أهلها بعدما ماتوا؟، ولم يقل ذلك إنكاراً ولا تعجّباً ولا ارتياباً، ولكنه أحبّ أن يريه الله إحياءها مشاهدة، مثل قول إبراهيم الّذي تقدم، فأماته الله مائة سنة ثمّ أحياه، فسمع نداءً من السماء: "كَمْ لَبِثْتَ"؟، فقال: "لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ" (البقرة 259) لأنّ الله أماته في أوّل النهار، وأحياه بعد مائة سنة في آخرالنهار، فقال: يوماً، ثمّ التفت فرأى بقية من الشمس، فقال: أو بعض يوم. فجاءه النداء بل لبثت مائة سنة، فانظر إلى طعامك وشرابك لم تغيّره السنون، وقيل كان زاده عصيراً، وتيناً، وعنباً، وهذه الثلاثة أسرع الأشياء تغيّراً وفساداً، فوجد العصير حلواً، والتين والعنب جنيان لم يتغيّرا، ثمّ أُمر بأن ينظر إلى حماره كيف تفرقت أجزاؤه وتبدّدت عظامه، فجعل الله سبحانه إحياءه آية للناس، وحجّة في البعث. ثمّ جمع الله عظام حماره وكساها لحماً، وأحياه. يقول سبحانه: "أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة 259). والإمعان في قوله سبحانه: "فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ"، يفيد أنّه أماته سبحانه، ثمّ أحياه بعد تلك المدة . كما أنّ الإمعان في قوله: "وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ"، سواء أُريد منه عظام حماره أو غيره، يفيد أنّه سبحانه كساها لحماً ثمّ أحياه، فكان هناك إحياءٌ لميّتين. وقد سلك صاحب المنار في تفسير الآية نفس المسلك السابق، فحملها على أنّ المراد من الإماتة هنا السُبات، وهوالنوم المستغرق الذي سمّاه الله سبحانه: وفاة، واستعان في تقريبه بأنّه قد ثبت في هذا الزّمان أنّ من الناس من تُحْفَظُ حياته زمناً طويلاً يكون فيه فاقد الحس والشعور، فلبث الرجل الّذي ضُرب على سمعه مائة سنة، غير محال في نظر العقل. يلاحظ عليه: إنّ تفسير الموت بالسُبات يحتاج إلى دليل، والظاهر منه هو الإماتة الحقيقية. وقياس المقام بأصحاب الكهف، قياس مع الفارق، حيث إنّه سبحانه يصرّح هناك بالسُبات، ويقول: "فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا" (الكهف 11). ويقول: "وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ" (الكهف 18)، بخلاف المقام. على أنّه لا يتطّرق في العظام التّي أنشزها، ثمّ كساها لحماً، وأحياها. فلا مصير لمفسّر كلام الله من الإذعان بالغيب، والقدرة المطلقة لله جلّ وعلا، ومحاولة تفسيرالمعاجز بما ثبت في العلوم، نوع انسحاب في الصراع مع الماديين المنكرين لكلّ ما لايتّفق مع أصول العلم الحديث.
https://telegram.me/buratha