الدكتور فاضل حسن شريف
عن كتاب عقاب الاعمال: قوله تعالى "أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة 259). قال البيضاوي: الذي مر عزير بن شرحيا، أو الخضر، أو كافر بالبعث ويؤيده نظمه مع نمرود وفي مجمع البيان: أو كالذي مر، هو عزير، وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام. وقيل: هو أرميا، وهو المروي عن ابي جعفر عليه السلام. أقول: أما ما روي أنه عزير فما روي عن علي عليه السلام أن عزيرا خرج من أهله وامرأته حامل وله خمسون سنة، فأماته الله مائة سنة ثم بعثه، فرجع إلى أهله ابن خمسين وله ابن له مائة سنة، فكان ابنه أكبر منه، فذلك من آيات الله. وما رواه في كتاب كمال الدين وتمام النعمة بإسناده إلى محمد بن إسماعيل القرشي، عمن حدثه، عن إسماعيل بن أبي رافع، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث طويل وقد ذكر بخت نصر وأنه قتل من اليهود سبعين ألف مقاتل على دم يحيى بن زكريا وخرب بيت المقدس وتفرقت اليهود في البلدان، وفي سبعة و أربعين سنة من ملكه بعث الله عزوجل العزير نبيا إلى أهل القرى التي أمات الله عزوجل أهلها ثم بعثهم له، وكانوا من قرى شتى فهربوا فرقا من الموت فنزلوا في جوار عزير وكانوا مؤمنين وكان عزير يختلف إليهم ويسمع كلامهم وإيمانهم وأحبهم على ذلك وآخاهم عليه، فغاب عنهم يوما واحدا ثم أتاهم فوجدهم موتى صرعى فحزن عليهم وقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها، تعجبا منهم حيث أصابهم وقد ماتوا أجمعين في يوم واحد، فأماته الله عزوجل عند ذلك مائة عام، فهي مائة سنة، ثم بعثه الله وإياهم وكانوا مائ ألف مقاتل، ثم قتلهم الله عزوجل أجمعين لم يفلت منهم أحد على يدي بخت نصر.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ" ﴿التوبة 30﴾ من هو عزير؟ (عزير) في لغة العرب هو (عزرا) في لغة اليهود، ولمّا كانت العرب تغيّر في بعض الكلمات التي تردها من لغات أجنبية وتجري على لسانها، وذلك كما هي الحال في إظهار المحبّة خاصّة فتصغر الكلمة، فصغرت عزرا إلى عزير، كما بدلت كلمة يسوع العبرية إلى عيسى في العربية، ويوحنا إلى يحيى. وعلى كان حال، فإن عزيرا أو عزرا له مكانة خاصّة في تاريخ اليهود، حتى أن بعضهم زعم أنّه واضع حجر الأساس لأمّة اليهود باني مجدهم وفي الواقع فإنّ له خدمة كبرى لدينهم، لأنّ بخت نصر ملك بابل دمر اليهود تدميرا في واقعته المشهورة، وجعل مدنهم، تحت سيطرة جنوده فأبادوها، وهدموا معابدهم، وأحرقوا توراتهم، وقتلوا رجالهم، وسبوا نساءهم، وأسروا أطفالهم، وجيء بهم إلى بابل فمكثوا هناك حوالي قرن. ولما فتح كورش ملك فارس بابل جاءه عزرا، وكان من أكابر اليهود، فاستشفعه في اليهود فشفّعه فيهم، فرجعوا إلى ديارهم وكتب لهم التّوراة ممّا بقي في ذهنه من أسلافه اليهود وما كانوا قد حدّثوا به من جديد. ولذلك فهم يحترمونه أيما احترام، ويعدّونه منقذهم ومحيي شريعتهم. وكان هذا الأمر سببا أن تلقبه جماعة منهم ب (ابن اللّه) غير أنّه يستفاد من بعض الرّوايات كما في الإحتجاج للطبرسي أنّهم أطلقوا هذا اللقب احتراما له لا على نحو الحقيقة. ولكنّنا نقرأ في الرّواية ذاتها أنّ النّبي سألهم بما مؤدّاه (إذا كنتم تجلّون عزيرا وتكرمونه لخدماته العظمى وتطلقون عليه هذا الاسم، فعلام لا تسمّون موسى وهو أعظم عندكم من عزير بهذا الاسم؟ فلم يجدوا للمسألة جوابا وأطرقوا برؤوسهم). ومهما يكن من أمر فهذه التسمية كانت أكبر من موضوع الإجلال والاحترام في أذهان جماعة منهم، وما هو مألوف عند العامّة أنّهم يحملون هذا المفهوم على حقيقته، ويزعمون أنّه ابن اللّه حقّا، لأنّه خلصهم من الدمار والضياع ورفع رؤوسهم بكتابة التوراة من جديد. وبالطبع فهذا الإعتقاد لم يكن سائدا عند جميع اليهود، إلّا أنّه يستفاد أنّ هذا التصّور أو الإعتقاد كان سائدا عند جماعة منهم، ولا سيما في عصر النّبي محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم، والدليل على ذلك أنّ أحدا من كتب التاريخ، لم يذكر بأنّهم عند ما سمعوا الآية آنفة الذكر احتجوا على النّبي أو أنكروا هذا القول (و لو كان لبان). وممّا قلناه يمكن الإجابة على السؤال التّالي: أنّه ليس بين اليهود في عصرنا الحاضر من يدعي أنّ عزيرا ابن اللّه ولا من يعتقد بهذا الإعتقاد، فعلام نسب القرآن هذا القول إليهم ؟ وتوضيح ذلك، أنّه لا يلزم أن يكون لجميع اليهود مثل هذا الإعتقاد، إذ يكفي هذا القدر المسلم به، وهو أنّه في عصر نزول الآيات على النّبي محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم كان في اليهود من يعتقد بهذا الإعتقاد، والدليل على ذلك كما نوّهنا، هو أنّه لم ينكر أيّ منهم ذلك على النّبي والشيء الوحيد الذي صدر منهم وفقا لبعض الرّوايات أنّهم قالوا: إنّ هذا اللقب (ابن اللّه) إنّما هو لاحترام عزير، وقد عجزوا عن جواب لمّا سألهم وأشكل عليهم: لم لا تجعلون هذا اللقب إذا لنبيّكم موسى عليه السّلام ؟ وعلى كل حال فمتى ما نسب قول أو اعتقاد إلى قوم ما، فلا يلزم أن يكون الجميع قد اتفّقوا على ذلك، بل يكفي أن يكون فيهم جماعة ملحوظة تذهب إلى ذلك.
جاء في كتاب اعلام القرآن للمؤلف عبد الحسين الشيستري عن عزير بن شرحيا: هو عزير، أو عزرا بن شرحيا، وقيل: سروخا، وقيل: سروحا، وقيل: جروة، وقيل: سوريق بن عديا من سلالة هارون أخي موسى بن عمران عليه السّلام، وكان يلقّب بالسوفر، ومعناه: الكاتب، وعزير اسم أعجميّ. أحد أنبياء وأحبار وكهان وقادة بني إسرائيل، عرف بالصلاح والعبادة والزهد واستجابة الدعاء، وكان أعلم الناس بالتوراة، وأحفظهم لها، وكان اليهود يقدّسونه ويجلّونه. كان يعيش في بابل سنة 457 قبل الميلاد، وقيل: كان عصره بعد هلاك نبوخذنصّر، وقيل: كان معاصرا للملك أردشير الساساني ذي الأكتاف ملك بلاد فارس، وقيل: كان عهده فيما بين سليمان عليه السّلام وعيسى عليه السّلام، وقيل: كان متواجدا في عصر موسى بن عمران عليه السّلام. قيل: إنّه كان من الإسرائيليّين الذين سباهم نبوخذ نصر إلى بابل وهو صبيّ ولمّا بلغ الأربعين من عمره آتاه اللّه الحكمة وبعثه للنبوّة. أماته اللّه مائة عام ثم بعثه إلى بني إسرائيل، بعد أن رجعوا من أسر بابل إلى فلسطين بعد هلاك نبوخذنصّر، وقيل: كان قائد الإسرائيليّين عند عودتهم إلى ديارهم. قبض اللّه روحه وهو ابن 40 سنة، وبعد أن مرّت على وفاته مائة عام أحياه اللّه من جديد كهيئته يوم وفاته، فأتى إلى منزله ببيت المقدس، وكان كل شيء قد تغيّر في مدينته، ولمّا وصل إلى المنزل طرق الباب، فخرجت إليه عجوز عمياء عمرها 120 سنة، وكانت أمّه في بيته، وكان عمرها حين فارقها 20 سنة. عرّف نفسه لها، وقال: أنا عزير، أماتني اللّه 100 سنة ثم بعثني، وأنا الآن حيّ أرزق، فأنكرت ذلك في بادئ الأمر، ثمّ قالت: كان عزير مستجاب الدعوة، فإن كنت حقّا هو بنفسه فادع اللّه أن يردّ عليّ عيني حتّى أراك. فدعا عزير ربّه وطلب إعادة البصر إليها، فاستجاب اللّه دعاءه فأبصرت، فنظرت إليه وقالت: أشهد أنّك عزير، ثم أسرعت إلى مجالس وأندية الإسرائيليّين، وأخذت تنادي: هذا عزير قد رجع إليكم، وكان بينهم ابن لعزير، وهو شيخ وعمره 118 سنة، فكذّبوها في البداية ثم انطلقوا إلى دار عزير، فلمّا شاهدوه لم يعرفوه، ثم تقدّم ابنه وقال: كان لأبي شامة سوداء بين كتفيه، فلما كشف عن كتفيه صدّقه ابنه. أما بقية الإسرائيليّين الذين جاءوا لرؤيته قالوا: حدّثنا شيوخنا بأنّ أحفظ الناس للتوراة كان عزير، وقد أحرقت التوراة من قبل نبوخذ نصر ولم يبق فينا من يحفظها، فإن كان هذا حقّا هو عزير فليقرأ لنا التوراة ويكتبها، فألهمه اللّه ذلك، وتذكّر التوراة، فأخذ يقرؤها لهم من أوّلها إلى آخرها، بدون أيّ زيادة أو نقصان، فلمّا سمعوا وشاهدوا ذلك منه وهم مجتمعون حوله بدير حزقيل قالوا: عزير ابن اللّه، وأوّل من قال ذلك هو قورس، ويقال: إنّ بعض يهود المدينة المنوّرة لقّبوه بلقب ابن اللّه. كان يجلس مع أولاده وهم شيوخ وهو ابن الأربعين، وهناك رواية تقول: إنّ عزيرا انتابه الفزع والحزن لفقدان التوراة بعد أن أحرقها نبوخذنصّر، فأرسل اللّه ملكا على هيئة شيخ فأعطاه حبّة فحم فبلعها، وقيل: شربة من الماء فشربها، وبمجرّد أن دخلت الحبّة أو دخل الماء في جوفه تذكّر التوراة بحذافيرها، فقام بتلاوتها وكتابتها وتدوينها، فصدّقه وآمن به أكثر الإسرائيليّين. قام بخدمات جليلة، منها: إصلاح الديانة اليهوديّة من الأخطاء والانحرافات، ودوّن الوقائع التأريخية بصورة صحيحة ومتقنة، وأسّس كنيسة لعبادة اليهود، وجمع أسفار التوراة ودوّنها، وأدخل الأحرف الكلدانية عوضا من العبرانية القديمة. ينسب إليه بعض الأسفار، كسفر عزرا، وسفر الأيام، وسفر نحميا. ولم يزل يعيش بين الإسرائيليّين معزّزا مكرّما حتّى توفّي بدمشق، ودفن فيها. وهناك من المؤرخين والمحققين من قال: إنّ الذي أماته اللّه مائة عام هو نبي اللّه أرميا عليه السّلام أو غيره، وليس بعزير، وأمّا الرواية التي ذكرناها سابقا حول وفاته ومقابلته لأمّه غير منسجمة. واللّه أعلم. القرآن الكريم وعزير: "أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ " (البقرة 259). "وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ" (التوبة 30).
تكملة للحلقة السابقة جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام عن النبي عزير عليه السلام: بعثه بعد مائة سنة ومحاولته لإثبات هويته: بعد أن أحيا الله عزيراً، رجع إلى قريته، حيث بحث عن بيته بسبب ما حدث من تغييرات خلال هذه السنين، سأل امرأة عجوز عن منزله، فبكت لسماعها أسم عُزير، ثم أعطته عنوان البيت. عمل عُزير على إثبات هويته لبني إسرائيل وادعائه بالحياة بعد موته، وبحسب طلب امرأة عمياء منه الدعاء قد أبصرت، ولكي يحصل على ثقة أبناءه الشيوخ وبحسب طلبهم آراهم علامة على كتفه، لكن بني إسرائيل وبسبب عدم تصديقهم له طلبوا منه قراءة التوراة التي أُحرقت من قبل نبوخذ نصر وقد نُسي بعدها، فقرأ عزير من التوراة عن ظهر قلبٍ، كما أراهم التوراة التي دُفنت زمن أبيه فقارنوا ما ورد في هذه التوراة مع ما قرأه عزير، فصدقوه واعتبر البعض منهم أنه ابن الله. إرجاع اليهود إلى بيت المقدس: بحسب بعض المصادر أن عُزيراً كان من بني إسرائيل، وهو من أعاد اليهود إلى فلسطين بعد أسرهم من قبل نبوخذ نصر وهو الملك الظالم بحسب ما تنقله بعض المصادر، حيث قام نبوخذ نصر بالهجوم على بيت المقدس وتدمير المعابد اليهودية في المدينة، وحرق التوراة وقتل الكثير من بني إسرائيل، بالإضافة إلى أسر البقية منهم وأخذهم إلى بابل. وبحسب بعض المصادر التاريخية أيضاً أن عزيراً طلب من الملك كوروش الذي غزى مدينة بابل، العودة مع قومه بني إسرائيل إلى بيت المقدس. إحياء التوراة: اعتبر اليهود أن عزيراً هو من أحيا التوراة بعد نسيانها، وذلك بعد أن أحرق نبوخذ نصر التوراة أثناء الهجوم على بيت المقدس. فقام عزير بحفظ التوراة وإحيائها، كما قام جماعة من اليهود بكتابتها من جديد.
https://telegram.me/buratha