الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب علم الإمام للشيخ محمد حسين المظفر: إن الكلام في علم الإمام يشمل العلم بالساعة والآجال والمنايا وغيرها مما ظاهره استئثاره به تعالى والتي يجمعها قوله جل شأنه : "إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ" (لقمان 34) لأن النصوص الخاصة صريحة في أن الله تعالى أطلعهم على هذا العلم، وبعض الآيات الكريمة مثل قوله تعالى : "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ" (الجن 26-27) وبها نرفع اليد عن ظواهر الآيات والروايات التي دلت على اختصاصه تعالى بها دون خلقه أو يحمل الاختصاص على العلم الذاتي دون العرضي. وعن علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: غير أن الظروف لم تسمح لصاحب هذه الرسالة أن يظهر للأمة تلك القوى القدسية والعلم الرباني الفياض وكيف يعلن بتلك المواهب والإسلام غض جديد. والناس لم تتعرف تعاليم الإسلام الفرعية بعد؟ فكيف تقبل أن يتظاهر بتلك الموهبة العظمى، وتطمئن إلى الإيمان بذلك العلم؟ على أن سلطته ما اجتازت الجزيرة، وشريعته لم تهيمن على العرب كافة. دون سواهم من الأمم. بل ولم يكن كل قومه الذين انضووا تحت لوائه من ذوي الإيمان الراسخ. وما خضع البعض منهم للسلطة النبوية إلا بعد اللتيا والتي وبعد الترهيب والترغيب. بل وكان البعض منهم يبطن الكفر ويظهر الإسلام رهبة أو رغبة "وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ" (التوبة 101) إلى غيره هؤلاء ممن لم يعرف منزلة النبوة ولا يقوى على عرفانها. فكيف والحال كما وصفنا. يتسنى له العمل بكل ما أوتي من ميزة ولطف. ويقدر على إظهار كل موهبة.
وعن الخلافة وعلم الغيب يقول الشيخ المظفر قدس سره في كتابه: فالخلافة وظيفة تنوب عن الرسالة وتنهض بعبئها الباهض. سوى مقام النبوة والتشريع، ولو لم يكن للخليفة تلك الملكة السامية القدسية السماوية، من العلم بما يحدث في العالم، ليسير بها على سنن العدل ومناهج الاصلاح ومن القوى النفسية التي يستطيع بها على تمشية ذلك النظام الإلهي من دون ملل أو كلل أو سام وبرم، أو ميل لقريب وحبيب أو ميل على بعيد وغريب لما حصل الغرض الأقصى من لطف الرسالة، ولذهبت الدعوة النبوية أدراج الرياح، فإن ما جاء به الرسول عن الجليل تعالى من الأحكام وتطبيقها على المجتمع البشري لم يكن مقصورا على زمن الرسالة وأهل أوانها فحسب، بل هو عام لكل قوم وجيل وزمان ومكان إنما أنت منذر لكل قوم هاد فتطبيق ما صدع به الرسول بعد عصر الرسالة يحتاج إلى ذلك الخبير في كل وقت وحين بتلك الأحكام كما أنزلت وبذلك النظام كما صدع به، وبما يحدث في العالم كما كان عليه الرسول، لتعميم العدل والأمن وتنفيذ أحكام الشريعة وذلك الخبير هو الهاد بعد المنذر من دون فصل ومن دون استثناء زمن ولولا ذلك الخبير الهاد إذا أطيع لدخلت الأهواء الباطلة والآراء الضالة في تلك الأحكام وذلك النظام، فتصبح الأمة مذاهب وشيعا. وأحزابا وفرقا. وهل وقعت في هذه الحبائل إلا حين صفحت عن ذلك الطبن بأمور الدنيا والدين، وصافحت من هو في أمس الحاجة إلى الإرشاد والإصلاح وإقالة العثرات "أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ" (يونس 35). وخلاصة الكلام أن الخلافة تسيير لنظام الرسالة. ونهوض بعبئها من كافة الجهات، حذو القذة بالقذة إلا ما كان من الوحي ومقام الرسالة الخاص.
وما دل من الكتاب على علمهم الحضوري يقول الشيخ محمد حسين المظفر: لقد نطق الكتاب المجيد في عدة آيات بعلمهم الحضوري، نذكر منها بعض الآيات الكريمة، منها قوله تعالى: "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" (ال عمران 7) إن النبي وخلفاءه الأئمة من الراسخين في العلم، الذين قرن الله جل شأنه علمهم بالتأويل بعلمه. فعلمهم بالتأويل في عرض علمه. وكيف يعلمون التأويل وعلمهم غائب عنهم ؟ وكيف يقرنهم جل شأنه في العلم بعلمه وعلمهم غير حاضر لديهم؟. ومنها قوله سبحانه: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5)" (النجم 3-5) فقد دلت هذه الآية الكريمة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق إلا عن وحي وتعليم، من دون أن يذكر لذلك التعليم حدا، وللوحي قيدا، وإن الأئمة ورثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في علمه وسائر فضائله. ومنها قوله عز شأنه: "َلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ" (الجن 26-27) ولا شك في أن نبينا الاكرام ممن ارتضاه تعالى للاطلاع على غيبة، بل الأخبار في تفسير هذه الآية الكريمة صريحة بهذا. وهل العلم الحضوري إلا الاطلاع على الغيب ؟ وهل المستبعد المستعظم لحضوري علمهم إلا لكونه غيبا. والغيب مما استأثر به العلام جل شأنه. فأين هو عما نوهت به هذه الآية الكريمة ؟ وأما الإمام فهو الوارث لعلم الرسول، وخصاله كافة. ومنها قوله تبارك وعلا: "وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ" (الحاقة 12) وقد جاء في تفسيرها إن الأذن الواعية هي أذن أمير المؤمنين عليه السلام وأنها وعت ما كان وما يكون. ومنها قوله: "إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ" (النساء 41) وقوله تعالى شأنه: "وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ" (ق 21) إلى غيرهما من الآيات المصرحة بوجود الشاهد على الأمة يوم البعث والحساب، وقد فسرت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأوصيائه الأمناء. وكيف يكونون الشهداء على الناس، وهم لا يعلمون شيئا من حالهم، ولا يدرون بما يعملون؟ وهل يكون الشاهد إلا الحاضر المطلع؟ ومنها قوله: تعالى: "بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ" (العنكبوت 49) وقد صح أنهم هم المقصودون بهذه الآية. ولو لم يكن علمهم حاضرا، لما صدق عليهم أنهم أوتوا العلم. وكيف يكون ثابتا في صدورهم وهم لا يعرفونه؟ وهل يكون غير الموجود ثابتا؟ وقوله تعالى: "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ" (النحل 89) فبهذا نفهم أنه صلى الله عليه وآله وسلم عالم بكل شئ، ولا يكون ذلك إلا بالحضوري. وما انتهى إليه صلى الله عليه وآله وسلم فقد انتهى إليهم. إن الأئمة هم الراسخون في العلم والذين أوتوا العلم نطقت هذه الطائفة من الأحاديث بأن الراسخين في العلم الذين علموا تأويل القرآن، والمقرون علمهم بالتأويل بعلمه جل شأنه هم الأئمة من أهل البيت وأنهم هم الذين قال الله تعالى عنهم في محكم فرقانه: "آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ" (العنكبوت 49). الأئمة يعلمون الكتاب كله صرحت هذه الطائفة من الأحاديث بأن الأئمة يعلمون ما في القرآن المجيد كله، حتى قال الصادق عليه السلام: والله إني لا علم كتاب الله من أو له إلى آخره كأنه في كفي فيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر ما كان وخبر ما هو كائن قال الله عز وجل "تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ" (النحل 89). عن الكافي: باب إنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة وأنهم يعلمون علمه كله. ولا يخفى أنه أراد الاستشهاد بمعنى الآية دون لفظها قوله تعالى: "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ" (النحل 89).
https://telegram.me/buratha