الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (نفل) "الأنفال" (الأنفال 1) الغنائم واحدها: نفل، والنفل: الزيادة، والأنفال ما زاده الله لهذه الأمة في الحلال لأنه كان محرما على من قبلهم وبهذا سميت النافلة من الصلاة لأنها زيادة على الفرض، ويقال: لولد الولد نافلة لأنه زيادة على الولد. وقيل في قوله تعالى: "ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة" (الأنبياء 72) إنه يعني ابراهيم عليه السلام دعى بإسحاق فاستجيب له وزيد يعقوب نافلة كأنه تفضل من الله وإن كان كل بتفضله ومنه، ويعد من الأنفال كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال وكل أرض انجلى عنها أهلها بغير قتال أيضا، وسماها الفقهاء فيئا والأرضون الموات، والآجام، وبطون الأودية وقطائع الملوك، وميراث لا وارث له وهي لله وللرسول ولمن قام مقامه.
عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تبارك وتعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" (الأنفال 1) "يسألونك" يا محمد "عن الأنفال" الغنائم لمن هي "قل" لهم "الأنفال لله" يجعلها حيث يشاء، "والرسول" يقسِّمها بأمر الله فقسَّمها صلى الله عليه وسلم بينهم على السواء، رواه الحاكم في المستدرك، "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" أي حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع، "وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين" حقا.
تكملة للحلقة السابقة جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تبارك وتعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" ﴿الأنفال 1﴾ قال عبادة بن الصامت: اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسوله، فقسمه بيننا على السواء، وكان ذلك في تقوى الله وطاعته، وصلاح ذات البين. وقال سعد بن أبي وقاص: قتل أخي عمير يوم بدر، فقتلت سعيد بن العاص بن أمية، وأخذت سيفه، وكان يسمى ذا الكتيفة، فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واستوهبته منه، فقال: "ليس هذا لي، ولا لك، إذهب فاطرحه في القبض" فطرحت ورجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي، وأخذ سلبي، وقلت: عسى أن يعطي هذا لمن لم يبل بلائي فما جاوزت إلا قليلا حتى جاءني الرسول، وقد أنزل الله "يسألونك" الآية، فخفت أن يكون قد نزل في شئ، فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: يا سعد! إنك سألتني السيف، وليس لي، وإنه قد صار لي، فاذهب فخذه، فهو لك. وقال علي بن طلحة، عن ابن عباس: كانت الغنائم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خاصة، ليس لأحد فيها شئ، وما أصاب سرايا المسلمين من شئ أتوه به، فمن حبس منه إبرة أو سلكا، فهو غلول، فسألوا رسول الله أن يعطيهم منها، فنزلت الآية. وقال ابن جريج: اختلف من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار في الغنيمة، فكانوا ثلاثا، فنزلت الآية، وملكها الله رسوله، يقسمها كما أراه الله. وقال مجاهد: هي الخمس، وذلك أن المهاجرين قالوا: لم يرفع منا هذا الخمس، ولم يخرج منا ؟ فقال الله تعالى: "قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ" يقسمانها كما شاءا، أو ينفلان منها ما شاءا، أو يرضخان منها ما شاءا، "فَاتَّقُوا اللَّهَ" باتقاء معاصيه، واتباع ما يأمركم به، وما يأمركم به رسوله، واحذروا مخالفة أمرهما. "وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ" أي: وأصلحوا ما بينكم من الخصومة والمنازعة، وقوله: "ذَاتَ بَيْنِكُمْ" كناية عن المنازعة والخصومة، والذات: هي الخلقة والبنية، يقال: فلان في ذاته صالح أي: في خلقته وبنيته، يعني أصلحوا نفس كل شئ بينكم، أو أصلحوا حال كل نفس بينكم. وقيل معناه: وأصلحوا حقيقة وصلكم، كقوله "لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ" أي: وصلكم، والمراد كونوا مجتمعين على ما أمر الله ورسوله، وكذلك معنى: اللهم أصلح ذات البين أي: أصلح الحال التي بها يجتمع المسلمون، عن الزجاج. وهذا نهي من الله تعالى عن الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة يوم بدر، عن ابن عباس، ومجاهد، والسدي. "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ" أي: إقبلوا ما أمرتم به في الغنائم وغيرها، عن الزجاج. ومعناه: وأطيعوهما فيما يأمرانكم به وينهيانكم عنه "إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" مصدقين للرسول فيما يأتيكم به من قبل الله، كما تدعون. وفي تفسير الكلبي: إن الخمس لم يكن مشروعا يومئذ، وإنما شرع يوم أحد، وفيه: إنه لما نزلت هذه الآية، عرف المسلمون أنه لا حق لهم في الغنيمة، وأنها لرسول الله، فقالوا: يا رسول الله سمعا وطاعة فاصنع ما شئت. فنزل قوله "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ" أي: ما غنمتم بعد بدر. وروي أن رسول الله قسم غنائم بدر عن بواء أي: على سواء، ولم يخمس.
تكملة للحلقة السابقة جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تبارك وتعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" ﴿الأنفال 1﴾ ثم الآيات الأخيرة تدل على أنهم كلموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمر الاسرى وسألوه ان لا يقتلهم ويأخذ الفدية وفيها عتابهم على ذلك ثم تجويز ان يأكلوا مما غنموا وكأنهم فهموا من ذلك انهم يملكون الغنائم والانفال على إبهام في امره: هل يملكه جميع من حضر الوقعة أو بعضهم كالمقاتلين دون القاعدين مثلا؟ وهل يملكون ذلك بالسوية فيقسم بينهم كذلك أو يختلفون فيه بالزيادة والنقيصة كأن يكون سهم الفرسان منها أزيد من المشاة أو نحو ذلك. وكان ذلك سبب التخاصم بينهم فتشاجروا في الامر، ورفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت الآية الأولى: "قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ" الآية فخطأتهم الآية فيما زعموا انهم مالكو الأنفال بما استفادوا من قوله: "فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ" الآية وأقرت ملك الأنفال لله والرسول ونهتهم عن التخاصم والتشاجر، فلما انقطع بذلك تخاصمهم ارجعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم وقسمتها بينهم بالسوية وعزل السهم لعدة من أصحابه لم يحضروا الوقعة ولم يقدم مقاتلا على قاعد، ولا فارسا على ماش ثم نزلت الآية الثانية: "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ" الآية بعد حين فأخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما رد إليهم من السهام الخمس وبقي لهم الباقي. هذا ما يتحصل من انضمام الآيات المربوطة بالانفال بعضها ببعض. فقوله تعالى "يسألونك عن الأنفال" يفيد بما ينضم إليه من قرائن السياق انهم سألوا النبي صلى الله عليه وآله عن حكم غنائم الحرب بعد ما زعموا انهم يملكون الغنيمة، واختلفوا فيمن يملكها، أو في كيفية ملكها وانقسامها بينهم، أو فيهما معا، وتخاصموا في ذلك. وقوله: "قل الأنفال لله والرسول" جواب عن مسألتهم وفيه بيان انهم لا يملكونها وإنما هي أنفال يملكها الله ورسوله فيوضع حيثما أراد الله ورسوله وقد قطع ذلك أصل ما نشب بينهم من الاختلاف والتخاصم. ويظهر من هذا البيان ان الآية غير ناسخة لقوله تعالى: "فكلوا مما غنمتم" إلى آخر الآية، وإنما تبين معناها بالتفسير وان قوله "كلوا" ليس بكناية عن ملكهم للغنيمة بحسب الأصل وإنما المراد هو التصرف فيها والتمتع منها إلا ان يمتلكوا بقسمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إياها بينهم. ويظهر أيضا ان قوله تعالى: "واعلموا ان ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى" الآية ليس بناسخ لقوله: "قل الأنفال لله والرسول" الآية فإن قوله: "واعلموا انما غنمتم" الآية إنما يؤثر بالنسبة إلى المجاهدين منعهم عن اكل تمام الغنيمة والتصرف فيه إذ لم يكن لهم بعد نزول قوله: "الأنفال لله والرسول" إلا ذلك وأما قوله: "الأنفال لله والرسول" فلا يفيد إلا كون أصل ملكها لله والرسول من دون ان يتعرض لكيفية التصرف وجواز الاكل والتمتع فلا يناقضه في ذلك قوله: "واعلموا انما غنمتم" الآية حتى يكون بالنسبة إليه ناسخا فيتحصل من مجموع الآيات الثلاث: ان أصل الملك في الغنيمة لله والرسول ثم يرجع أربعة أخماسها إلى المجاهدين يأكلونها ويمتلكونها ويرجع خمس منها إلى الله والرسول وذي القربى وغيرهم لهم التصرف فيها والاختصاص بها. ويظهر بالتأمل في البيان السابق أيضا: ان في التعبير عن الغنائم بالانفال وهو جمع نفل بمعنى الزيادة إشارة إلى تعليل الحكم بموضوعه الأعم كأنه قيل: يسألونك عن الغنائم وهي زيادات لا مالك لها من بين الناس وإذا كان كذلك فأجبهم بحكم الزيادات والانفال وقل: الأنفال لله والرسول ولازم ذلك كون الغنيمة لله والرسول. وبذلك ربما تأيد كون اللام في لفظ الأنفال الأول للعهد وفي الثاني للجنس أو الاستغراق وتبين وجه الاظهار في قوله: "قل الأنفال" الآية حيث لم يقل قل هي لله والرسول. ويظهر بذلك أيضا: ان قوله: "قل الأنفال لله والرسول" حكم عام يشمل بعمومه الغنيمة وسائر الأموال الزائدة في المجتمع نظير الديار الخالية والقرى البائدة ورؤوس الجبال وبطون الأودية وقطائع الملوك وتركة من لا وارث له أما الأنفال بمعنى الغنائم فهي متعلقة بالمقاتلين من المسلمين بعمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبقي الباقي تحت ملك الله ورسوله. هذا ما يفيده التأمل في كرائم الآيات وللمفسرين فيها أقاويل مختلفة تعلم بالرجوع إلى مطولات التفاسير لا جدوى في نقلها والتعرض المنقض والابرام فيها.
تكملة للحلقة السابقة جاء في التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله تبارك وتعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" ﴿الأنفال 1﴾ أن فريقا من الصحابة وأكثرهم من الشبان كانوا يرون أن قسمة الغنائم بالسوية فيها إجحاف بحقهم، لأنهم هم الذين قاموا بالنصيب الأوفر في القتال، وأن غيرهم لم يكن له بلاؤهم كما سبق أن بينا في أسباب نزول قوله تعالى "يسألونك عن الأنفال" إلخ. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قسم غنائم بدر بين الجميع بالسوية، كما أمره الله تعالى. وكان هذا التقسيم خيرا للمؤمنين، إذ أصلح الله به بينهم، وردهم إلى حالة الرضا والصفاء. بعض العلماء يرى أن السؤال للاستعطاء، وأن المراد بالأنفال ما شرط للغازى زيادة على سهمه، وأن حرف "عن" زائد، أو هو بمعنى من، فيكون المعنى: يسألك بعض أصحابك يا محمد إعطاءهم الأنفال التي وعدتهم بها زيادة على سهامهم فيها. قل لهم: الأنفال لله ولرسوله. والذي نراه أن الرأى الأول أرجح وذلك لأمور منها: 1 بعض الروايات التي وردت في أسباب نزول هذه الآية تؤيده تأييدا صريحا، ومن ذلك ما سبق أن ذكرناه عن عبادة بن الصامت أنه قال: فينا معشر أصحاب بدر نزلت، حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا. فجعله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقسمه بين المسلمين عن بواء. 2 ولأن غزوة بدر كانت أول غزوة لها شأنها وأثرها بين المسلمين والكافرين، وكانت غنائمها الضخمة التي ظفر بها المؤمنون من المشركين، حافزا لسؤال بعض المؤمنين رسولهم صلى الله عليه وسلم عن حكمها وعن المستحق لها. 3 ولأن الجواب عن السؤال بقوله تعالى: قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ يؤيد أن السؤال إنما هو عن حكم الأنفال وعن مصرفها، إذ أن هذا الجواب يفيد أن اختصاص أمرها وحكمها مرجعه إلى الله ورسوله دون تدخل أحد سواهما. ولو كان السؤال للاستعطاء لما كان هذا جوابا له، فإن اختصاص حكم ما شرط لهم بالله والرسول لا ينافي إعطاءه إياهم بل يحققه، لأنهم إنما يسألونه بموجب شرطه لهم الصادر عنه بإذن الله تعالى لا بحكم سبق أيديهم إليه أو نحو ذلك مما يخل بالاختصاص المذكور. 4 ولأن قوله تعالى بعد ذلك "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" إلخ يؤيد أن السؤال عن حكم الأنفال ومصرفها بعد أن تنازعوا في شأنها، فهو سبحانه ينهاهم عن هذا التنازع، ويأمرهم بأن يصونوا أنفسهم عن كل ما يغضب الله... ولو كان السؤال للاستعطاء بناء على ما شرطه الرسول صلى الله عليه وسلم لبعضهم زيادة على سهامهم لما كان هناك محذور يجب اتقاؤه، لأنهم لم يطلبوا من الرسول إلا ما وعدهم به وهذا لا محظور فيه. 5 ولأن الآية الكريمة بمنطوقها الواضح، وبتركيبها البليغ، وبتوجيهها السامي، تفيد أن السؤال إنما هو عن حكم الأنفال وعن المستحق لها.. أما القول بأن السؤال سؤال استعطاء وأن عن زائدة أو بمعنى من فهو تكلف لا ضرورة إليه. والمعنى الواضح الجلى للآية الكريمة كما سبق أن بينا: يسألك بعض أصحابك يا محمد عن غنائم بدر كيف تقسم، ومن المستحق لها؟ قل لهم: الأنفال لله يحكم فيها بحكمه، ولرسوله يقسمها بحسب حكم الله فيها، فهو سبحانه العليم بمصالح عباده، الحكيم في جميع أقواله وأفعاله. قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما وجه الجمع بين ذكر الله والرسول في قوله: "قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ"؟ قلت: معناه أن حكمها مختص بالله ورسوله، يأمر الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته، ويمتثل الرسول أمر الله فيها، وليس الأمر في قسمتها مفوضا إلى رأى أحد، والمراد: (أن الذي اقتضته حكمة الله وأمر به رسوله أن يواسى المقاتلة المشروط لهم التنفيل الشيوخ الذين كانوا عند الرايات، فيقاسموهم على السوية ولا يستأثروا بما شرط لهم، فإنهم إن فعلوا لم يؤمن أن يقدح ذلك فيما بين المسلمين من التحاب والتصافي).
التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تبارك وتعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" ﴿الأنفال 1﴾ قوله تعالى: "يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأَنْفالِ". ذكر سبحانه في هذه الآية ان قوما سألوا النبي صلى الله عليه واله وسلم عن الأنفال، ولم يبين المراد منها، واتفق أهل العلم بالدين على أن أية كلمة ترد في كتاب اللَّه وسنة نبيه من غير تحديد لمعناها فإنها تحمل على المعنى الذي يفهمه الناس من الكلمة، فإن لم يعرف الناس لها معنى تعين الرجوع إلى قواميس اللغة. وتقول هذه القواميس: النفل الغنيمة والزيادة بوجه عام من غير تحديد لنوعها، ومن هنا اختلف المفسرون في المراد بالأنفال: هل هي جميع الغنائم، أو هي غنائم بدر، أو غيرها؟. أما الشيعة الإمامية فقالوا: لا مبرر لهذا الاختلاف لأنه ثبت في السنة النبوية برواية أهل بيت الرسول صلى الله عليه واله وسلم ان المراد بالأنفال الأرض التي تؤخذ من غير المسلمين بلا قتال، والأرض الموات، سواء أكانت مملوكة ثم باد المالك، أم لم تكن، ورؤوس الجبال وبطون الأودية، والأحراج، وكل ما اختص به سلطان الحرب، على شريطة أن لا يكون مغتصبا من مسلم أو معاهد، وميراث من لا ميراث له. ويتفق هذا مع مذهب المالكية لأنهم فسروا الأنفال بما أخذ بغير قتال احكام القرآن لأبي بكر المالكي المعروف بابن العربي المعافري. وقال أبو إسحاق الفيروزآبادي الشافعي في كتاب المهذب: الأنفال أن ينفل أمير الجيش لمن فعل فعلا يفضي إلى الظفر بالعدو، كالتجسس والدلالة على طريق أو قلعة ونحو ذلك. وقال الجصاص الحنفي في كتاب أحكام القرآن: قال أصحابنا: أن يقول الأمير: من قتل قتيلا فله سلبه، ومن أصاب شيئا فهو له. "قُلِ الأَنْفالُ لِلَّهِ والرَّسُولِ". هذا بيان لمحل الأنفال، وانها للَّه ورسوله، وما كان للَّه فهو لرسوله، وما كان لرسوله ينفق لإعلاء كلمة الإسلام، وصالح المسلمين، يأخذ منه كل ذي حاجة منهم على قدر حاجته. والتفصيل في كتب الفقه، ومنها الجزء الثاني من كتابنا فقه الإمام جعفر الصادق. "فَاتَّقُوا اللَّهً وأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وأَطِيعُوا اللَّهً ورَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ". هذا يشعر بأن الصحابة قد تنازعوا على الأنفال، ولما سألوا النبي صلى الله عليه واله وسلم قال لهم بأمر من اللَّه: انها للَّه والرسول، وان عليهم أن يستسلموا للَّه ورسوله، ولا يتنازعوا على الأنفال ولا على غيرها، وان يتآلفوا ويتحابوا في اللَّه، كما هو شأن المؤمنين حقا.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تبارك وتعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" ﴿الأنفال 1﴾ ورد عن ابن عباس أنّ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم عيّن في يوم معركة بدر جوائز للمقاتلين المسلمين ترغيباً، كأنّ يقول صلى الله عليه وآله وسلم مثلا: من جاءني بفلان من الأعداء أسيراً فله عندي كذا (جائزة). وكان هذا الترغيب إضافة إلى اِيقاده روح الإِيمان والجهاد في وجودهم مدعاة أن يثب المقاتلون الفتية في تسابق (افتخاري) نحو الهدف. إلاّ أنّ الكهول والشيوخ ظلّوا ثابتين تحت ظلال الرايات، فلمّا إنتهت معركة بدر أسرع المقاتلون الفتيان لأخذ الجوائز من النّبي، إلاّ أنّ الشيوخ وكبار السنّ قالوا: إنّ لنا نصيباً أيضاً، لأنّنا كنّا سنداً وظهيراً لكم، ولو اشتدّ بكم الأمر لرجعتم إلينا حتماً. واحتدم النقاش حينئذ بين رجلين من الأنصار في شأن غنائم المعركة. فنزلت الآية محل البحث وقالت بصراحة: إنّ الغنائم هي للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فله أن يتصرّف فيها ما يشاء. فقسّمها النّبي صلى الله عليه وآله وسلم بين المسلمين بالتساوي، وأمر أن يصطلح الإخوة المسلمون فيما بينهم. إنّ الآية ـ محل البحث ـ كما قرأنا في سبب النّزول، نزلت بعد معركة بدر وتتكلم على غنائم الحرب وتبيّن حكماً إسلامياً واسعاً بشكل عام، فتخاطب النّبي بالقول: "يسألونك عن الأنفال قلِّ الأنفال للّه والرّسول". فبناءً على ذلك "فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ". أي أنّ الإِيمان ليس بالكلام فحسب، بل هو الطاعة لله والرّسول دون قيد أو شرط وفي جميع مسائل الحياة لا في غنائم الحرب وحدها. ماهي الأنفال؟ الأنفال في الأصل مأخوذة من مادة (نفل) على زنة (نفع) ومعناها الزيادة، وإنما سمّيت الصلوات المستحبة نافلة لأنّها زيادة على الصلوات الواجبة، وكذلك يُطلَق على الحفيد نافلة لأنّه زيادة في الأبناء. ويطلق لفظ (نوفل) على من يهب المزيد من العطاء. وإنّما سمّيت غنائم الحرب أنفالا أيضاً لأنّها كمية من الأموال الإِضافية التي تبقى دون صاحب، وتقع في أيدي المقاتلين دون أن يكون لها مالك خاص. أو لأنّ المقاتلين إنّما يحاربون للإِنتصار على العدو لا للغنائم، فالغنيمة أو الغنائم موضوع إضافي يقع في أيديهم.
https://telegram.me/buratha