الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب دعاء الإمام الحسين في يوم عاشوراء بين النظرية العلمية والأثر الغيبي للسيد نبيل الحسني: عن مفهوم الانتقام ومصداقه يقول السيد نبيل الحسني: حينما نستعرض القرآن الكريم للبحث عن مفهوم الانتقام ومصداقه نجده يتحدث عن الانتقام كمفهوم هو (الاستحقاق للعذاب)، ثم يتحدث كذلك عن المستحق للعذاب، وعن نوع الاستحقاق، وعن نوع العذاب، وهو في هذه الحالة يبين لنا مصداق الانتقام. وحينما نعرض هذه المعطيات في المفهوم والمصداق على دعاء الإمام الحسين عليه السلام نجد حالة من التلازم في هذه المعطيات. قال تعالى: "وَ لَنُذيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمينَ مُنْتَقِمُون" (السجدة 21-22). قال العلامة الطباطبائي قدسسره، (توفي 1412هـ): لما كان غاية إذاقتهم العذاب رجوعهم المرجو، والرجوع المرجو هو الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة والإنابة كان المراد بالعذاب الأدنى هو عذاب الدنيا النازل بهم للتخويف والإنذار ليتوبوا دون عذاب الاستئصال ودون العذاب الذي بعد الموت، وحينئذ المراد بالعذاب الأكبر عذاب يوم القيامة. والمعنى: أقسم لنذيقنهم من العذاب الأدنى أي الأقرب مثل السنين والأمراض والقتل ونحو ذلك قبل العذاب الأكبر يوم القيامة لعلهم يرجعون إلينا بالتوبة من شركهم وجحودهم. قيل: سمي عذاب الدنيا أدنى ولم يقل: الأصغر، حتى يقابل الأكبر، لأن المقام مقام الإنذار والتخويف ولا يناسب عد العذاب أصغر، وكذا لم يقل دون العذاب الأبعد حتى يقابل العذاب الأدنى لعدم ملاءمته مقام التخويف. وقوله تعالى: "وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمينَ مُنْتَقِمُون" (السجدة 22). كأنه في مقام التحليل لما تقدم من عذابهم بالعذاب الأكبر بما أنهم مكذبون فعلله بأنهم ظالمون أ شد الظلم بالإعراض عن الآيات بعد التذكرة فيكونون مجرمين والله منتقم منهم. فقوله: "و مَنْ أَظْلَمُ" (السجدة 22)، الخ. تحليل لعذابهم بأنهم ظالمون أشد الظلم ثم قوله: "إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمينَ مُنْتَقِمُون" (السجدة 22). تحليل لعذاب الظالمين بأنهم مجرمون والعذاب انتقام منتقم والله منتقم من المجرمين. والإمام الحسين عليه السلام في دعائه يبين استحقاق هؤلاء للعذاب لأنه بيّن لهم آيات الله وأنذرهم من عذابه إلا أنهم أعرضوا عن آيات ربهم فهم حينئذ مستحقون للعذاب وهم مجرمون، بل إنهم انحدروا إلى ما هو أعظم من ذلك فقد عزموا على قتله مع أهل بيته عليهم السلام. ومثلما حدد القرآن نوع العذاب الذي استحقه هؤلاء وكيفية الانتقام كذلك فعل الإمام الحسين عليه السلام في دعائه عليه السلام، فقال: (أما والله لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس، حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور عهد عهده إلي أبي عن جدي رسول الله).
وعن نوع العذاب وكيفيته اللذان بهما يتحقق مصداق الانتقام يقول السيد الحسني في كتابه: في نوع العذاب وكيفيته اللذين بهما يتحدد مصداق الانتقام يعرض القرآن لنا ذلك في قوله تعالى: "قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَ يُذيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُون" (الأنعام 65). فالآية المباركة تعرض لنا نوعية العذاب وكيفيته كدليل عملي على مصداق الانتقام من المجرمين، فالآية المباركة تحدد الانتقام بثلاثة أنواع من العذاب، وهي: 1ــ العذاب من فوقهم. 2ــ العذاب من تحت أرجلهم. 3ــ العذاب من بينهم. وهذه الأنواع اختلف فيها المفسرون إلا أن المعنى العام لهذه الأنواع انحصر في مصادر نزول هذا العذاب لا نوعيته. ففي النوع الأول يكون مصدره السماء (كالمطر) كما حدث لقوم نوح، فقال تعالى: "فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِر" (القمر 11). أو (الريح) كما حدث لقوم عاد، حيث قال تعالى: "فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ ريحاً صَرْصَراً في أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَ هُمْ لا يُنْصَرُون" (فصلت 16). أو (الحجارة) كأصحاب الفيل وقوم لوط، قال عزّ وجل: "فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ" (هود 82). والنوع الثاني من العذاب يكون مصدره الأرض كـ(الخسف)، قال تعالى: "أَ فَأَمِنَ الَّذينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُون" (النحل 45). أو (الزلزلة)، حيث قال تعالى: "إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها" (الزلزلة 1). أو (القحط) كما حدث لقوم يوسف عليه السلام. والنوع الثالث من العذاب يكون مصدره من بينهم كالاختلاف والفرقة فيقع فيما بينهم السيف حينما يجعلهم الله شيعاً، كما دلت عليه الآية سابقاً: أي أحزاباً وجماعات. هذا النسق القرآني في تحديد نوعية العذاب وتعيين مصادره قد استخدمه الإمام الحسين عليه السلام في دعائه على جيش عمر بن سعد كي ينتقم الله له منهم، فقال عليه السلام: أولا: (اللهم احبس عنهم قطر السماء). وهو النوع الأول الذي ذكرته الآية المباركة، أي: "يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ" (العنكبوت 55). ثانيا: (وابعث عليهم سنين كسني يوسف). وهو النوع الثاني ا لذي ذكرته الآية، أي: "وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِم" (العنكبوت 55). ومصدره الأرض وقد أصابهم الله بالقحط والشح وغلاء الأسعار وتفشي المجاعة. ثالثا: (يسقيهم كأسا مصبرة ولا يدع فيهم أحدا إلا قتله، قتلة بقتلة، وضربة بضربة، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم). وهو النوع الثالث الذي ذكرته الآية، وهو قوله تعالى: "أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَ يُذيقَ بَعْضَكُمْ بَأْس" (الأنعام 65) أي أن يأتيهم العذاب من ابن بلدتهم فيسلط عليهم غلام ثقيف وهو المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي تتبع هؤلاء القتلة المجرمين فاقتص منهم قتلة بقتلة، وضربة بضربة وهو ما سنعرض له في المبحث اللاحق.
جاء في کتاب دعاء الإمام الحسين في يوم عاشوراء بين النظرية العلمية والأثر الغيبي للسيد نبيل الحسني: فمثلما ابتليت أمم كثيرة بتردي حالها، وانهيار مجتمعاتها بفعل معتقداتها وسلوكياتها المخالفة للحدود والقيم السماوية التي جاء بها الأنبياء عليه السلام، فان هذه الأمة قد سلكت تلك المسالك التي أدت بها كما في غيرها إلى المهالك، وما قتل نبي الله يحيى عليه السلام وحمل رأسه وإهداؤه إلى بغي من بغايا بني إسرائيل إلا عاملٌ أساسٌ في قتل بني إسرائيل وتشريدهم وإذلالهم فيما بعد. "سُنَّةَ اللَّهِ الَّتي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْديلا" (الفتح 23). وما أشبه اليوم بالأمس فالمسلمون اليوم يقتلون ابن بنت نبيهم، ويحملون رأسه إلى بغي من البغايا وجبار من الجبابرة، فكيف لهم ان ينفلتوا عن العذاب الإلهي، أو أنْ ينجوا من نفوذ السنن الإلهية التي كانت منبعاً للأفعال الصادرة عن هذا الكائن الذي يسمّى الإنسان. نعم: السبب في عجز ميزانية الدولة وتردي الحالة الاقتصادية والاجتماعية بعد فاجعة الطف كان سببه تحقق سنن الله في خلقه، مثلما تحققت في قوم نوح وصالح ولوط وغيرهم من الأنبياء سلام الله عليهم أجمعين. نحن أمام مجموعة كبيرة من الأسئلة تفرض نفسها بقوة في فهم هذه الحالة التي أصبح عليها المسلمون، فهل ارتدوا عن دينهم فانعطفوا على ذرية محمد. يذيقونهم أشد أنواع العذاب قتلا وتشريدا وسلبا ولا يستثنون في ذلك امرأة أو طفلا. أو أنهم لم يؤمنوا أصلا إذ: "قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإيمانُ في قُلُوبِكُم" (الحجرات 14). ثم ما فائدة إسلامهم وقد هتكوا حرمة نبي الإسلام بما لم تنتهك بمثلها حرمة من أشراف العرب؟، لا قبل الإسلام ولا بعده. أو أن ثقافة جديدة غير ثقافة الإسلام قد زرعت في المجتمع الإسلامي خلال نصف قرن منذ وفاة رسول الله. وإلى يوم عاشوراء كان قد شب عليها الأطفال وهرم عليها الكبار هي التي سادت هذا المجتمع وقادته في كربلاء فكان واقعاً عملياً انكشفت فيه هذه الثقافة ومن أسسها وروّج لها وقادها؟
https://telegram.me/buratha