الدكتور فاضل حسن شريف
وردت كلمة نعمتي في عدد من الآيات القرآنية "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي" (المائدة 3)، و "يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم" (البقرة 40) (البقرة 47) (البقرة 122)، و "يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك" (المائدة 110)، و "ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون" (البقرة 150). حلقات هذه السلسلة تبين تفاسير الآيات التي وردت فيها كلمة (نعمتي) لمجموعة من المفسرين منهم الطبرسي والميسر والطباطبائي وطنطاوي ومكارم الشيرازي.
جاء في تفسير الميسر عن نعمتي: قوله جل جلاله "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ" ﴿البقرة 122﴾ نِعْمَتِي: نِعْمَتِ اسم، ى ضمير. يا ذرية يعقوب اذكروا نعمي الكثيرة عليكم، وأني فَضَّلتكم على عالَمي زمانكم بكثرة أنبيائكم، وما أُنزل عليهم من الكتب. قوله عز شأنه "وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" ﴿البقرة 150﴾ ومن أى مكان خرجت أيها النبي فتوجَّه إلى المسجد الحرام، وحيثما كنتم أيها المسلمون، بأي قطر من أقطار الأرض فولُّوا وجوهكم نحو المسجد الحرام، لكي لا يكون للناس المخالفين لكم احتجاج عليكم بالمخاصمة والمجادلة، بعد هذا التوجه إليه، إلا أهل الظلم والعناد منهم، فسيظلُّون على جدالهم، فلا تخافوهم وخافوني بامتثال أمري، واجتناب نهيي، ولكي أتم نعمتي عليكم باختيار أكمل الشرائع لكم، ولعلكم تهتدون إلى الحق والصواب.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: عن كلمة نعمتي قوله عز من قائل "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ" ﴿البقرة 47﴾ قيل المراد به تفضيلهم في أشياء مخصوصة و هي إنزال المن و السلوى و ما أرسل الله فيهم من الرسل و أنزل عليهم من الكتب إلى غير ذلك من النعم العظيمة من تغريق فرعون و الآيات الكثيرة التي يخف معها الاستدلال و يسهل بها الميثاق و تفضيل الله إياهم في أشياء مخصوصة لا يوجب أن يكونوا أفضل الناس على الإطلاق كما يقال حاتم أفضل الناس في السخاء و نظير هذه الآية قوله "وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ" (البقرة 49) إلى قوله "وأنتم تنظرون" فإن قيل فما الفائدة في تكرار قوله "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم" قلنا لأنه لما كانت نعم الله هي الأصل فيما يجب شكره احتيج إلى تأكيدها كما يقول القائل اذهب اذهب عجل عجل وقيل أيضا أن التذكير الأول ورد مجملا و الثاني ورد مفصلا و قيل أنه في الأول ذكرهم نعمة على أنفسهم و في الثاني ذكرهم نعمة على آبائهم.
جاء في التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: عن كلمة نعمتي قوله جل اسمه "يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ" ﴿المائدة 110﴾ ذكر سبحانه بعض النعم التي أنعم بها على عيسى وأمه فقال: "إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ". وقوله: إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ بدل من قوله: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ وقد نصب بإضمار اذكر. والمعنى: اذكر أيها المخاطب لتعتبر وتتعظ يوم يجمع الله الرسل فيقول لهم ماذا أجبتم؟. واذكر أيضا زيادة في العبرة والعظة قوله سبحانه يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ تذكر يا عيسى نعمى المتعددة عليك وعلى والدتك وعبر بالماضي في قوله: إِذْ قالَ اللَّهُ مع أن هذا القول سيكون في الآخرة، للدلالة على تحقيق الوقوع، وأن هذا القول سيحصل بلا أدنى ريب يوم القيامة. قال أبو السعود: قوله تعالى: إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ شروع في بيان ما جرى بينه تعالى وبين واحد من الرسل المجموعين، من المفاوضة على التفصيل، إثر بيان ما جرى بينه تعالى وبين الكل على وجه الإجمال ليكون ذلك كالأنموذج لتفاصيل أحوال الباقين، وتخصيص شأن عيسى بالبيان، لما أن شأنه عليه السلام متعلق بكلا الفريقين من أهل الكتاب الذين نعت عليهم هذه السورة جناياتهم. فتفصيل شأنه يكون أعظم عليهم، وأجلب لحسراتهم، وأدخل في صرفهم عن غيهم وعنادهم). والمراد بالنعمة في قوله اذْكُرْ نِعْمَتِي النعم المتعددة التي أنعم بها سبحانه على عيسى وعلى والدته مريم حيث طهرها من كل ريبة، واصطفاها على نساء العالمين. وفي ندائه سبحانه لعيسى بقوله يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إشارة إلى أنه ابن لها وليس ابنا لأحد سواها، فقد ولد من غير أب، ومن كان شأنه كذلك لا يصلح أن يكون إلها، لأن الإله الحق لا يمكن أن يكون مولودا أو محدثا. وقوله: "إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا" تعديد للنعم التي أنعم الله تعالى بها على عيسى. والمعنى: اذكر يا عيسى نعمى عليك وعلى والدتك، وقت أن قويتك بروح القدس الذي تقوم به حجتك، ووقت أن جعلتك تكلم الناس في طفولتك بكلام حكيم لا يختلف عن كلامك معهم في حال كهولتك واكتمال رجولتك. وقوله: "إِذْ أَيَّدْتُكَ" ظرف لنعمتي. أى: اذكر إنعامى عليكما وقت تأييدى لك.
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: عن كلمة نعمتي قوله عز شأنه "أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" ﴿المائدة 3﴾ اختلف الشيعة وأكثر السنة في تفسير هذه الآية، ونحن نعرض أقوال الطرفين كناقلين، لا مؤيدين، ولا مفندين، ونترك القارئ وعقله يستفتيه وحده. قال السنة أو أكثرهم: المراد بالآية ان اللَّه سبحانه أكمل للمسلمين دينهم بتغلبه وإظهاره على الأديان كلها رغم محاربة أهلها ومقاومتهم له وللمسلمين، وأتم نعمته عليهم بالنص على عقيدته وشريعته أصولا وفروعا، وأبان جميع ما يحتاجون إليه في أمر دينهم ودنياهم: "ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ". وقال الشيعة: يصح تفسير الآية بهذا المعنى إذا لم تقترن بحادثة تفسرها، وتبين المراد منها، فإن كثيرا من الآيات تفسرها الحادثة التي اقترنت بزمن نزولها. من ذلك على سبيل المثال قوله تعالى مخاطبا نبيه الأكرم: "وتَخْشَى النَّاسَ واللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ" (الأحزاب 37). فلو جردنا هذه الآية عن قصة زيد بن حارثة، وأخذنا بظاهرها لكان معنى الآية ان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يؤثر رضا المخلوق على رضا الخالق. حاشا من اصطفاه اللَّه لوحيه ورسالته. ثم قال الشيعة: وهذه الآية اقترنت بحادثة خاصة تفسرها وتبين المراد منها، واستدلوا على ذلك بما يلي: أولا: اتفق علماء السنة والشيعة المفسرون منهم والمؤرخون على ان سورة المائدة بجميع آياتها مدنية، ما عدا هذه الآية: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" فإنها نزلت في مكة، وفي السنة العاشرة للهجرة، وهي السنة التي حج فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حجة الوداع، لأنه انتقل إلى جنان ربه في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة. ثانيا: ان النبي بعد أن قضى مناسكه في هذه السنة توجه إلى المدينة، ولما بلغ غدير خم وهو مكان في الجحفة تتشعب منه طرق كثيرة أمر مناديه أن ينادي بالصلاة، فاجتمع الناس قبل أن يتفرقوا، ويذهب كل في طريقه إلى بلده، فخطبهم وقال فيما قال: (ان اللَّه مولاي، وأنا مولى المؤمنين، أنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعليّ مولاه يقولها ثلاثا، وفي رواية أربعا. ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. وأحبّ من أحبه، وأبغض من بغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وادر الحق معه حيث دار. ألا فليبلغ الشاهد الغائب). والسنة لا ينكرون هذا الحديث بعد ان تجاوز حد التواتر وسجله الكثير من أئمتهم وعلمائهم، منهم الإمام ابن حنبل في مسنده، والنسائي في خصائصه، والحاكم في مستدركه، والخوارزمي في مناقبه، وابن عبد ربه في استيعابه، والعسقلاني في إصابته، كما ذكره الترمذي والذهبي وابن حجر وغيرهم، ولكن الكثير منهم فسروا الولاية بالحب والمودة، وان المراد من قول الرسول صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه من أحبني فليحب عليا. ورد الشيعة هذا التفسير بأن قول النبي: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه يدل بصراحة ووضوح على ان نفس الولاية التي ثبتت لمحمد صلى الله عليه وآله على المؤمنين هي ثابتة لعلي عليه السلام، دون زيادة أو نقصان، وهذه الولاية هي السلطة الدينية والزمنية، حتى ولو كان للفظ الولاية ألف معنى ومعنى. وعلى هذا يكون معنى الآية ان اللَّه سبحانه أكمل الدين في هذا اليوم بالنص على علي بالخلافة. وتسأل: ان إكمال الدين بإظهاره على الأديان، وبيان أحكامه كاملة وافية كما يقول السنة واضح لا يحتاج إلى تفسير، أما إكمال الدين بالنص على خلافة علي فلا بد له من التفسير والإيضاح، فبأي شيء يفسره الشيعة؟. قال الشيعة في تفسير ذلك: ان الإكمال حقا لا يتم إلا بوجود السلطة التشريعية والتنفيذية معا، والأولى وحدها ليست بشيء ما لم تدعمها الثانية، وقد كان التنفيذ بيد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، فظن أعداء الإسلام ان السلطة التنفيذية ستذهب بذهاب الرسول، وبذهابها يذهب الإسلام فأقام النبي عليا ليحفظ الشريعة من بعده، ويقيم الدين كما أقامه الرسول صلى الله عليه وآله، وبهذا لم يبق للكفار أي أمل في ذهاب الإسلام أو ضعفه.
https://telegram.me/buratha