الدكتور فاضل حسن شريف
وردت كلمة (نعيم) في عدد من الآيات القرآنية "وجنات لهم فيها نعيم مقيم" (التوبة 21)، و "ان الأبرار لفي نعيم" (الانفطار 13) (المطففين 22)، و "فروح وريحان وجنت نعيم" (الواقعة 89)، و "أن يدخل جنة نعيم" (المعارج 38)، و "ان المتقين في جنات ونعيم" (الطور 17). حلقات هذه السلسلة تبين تفاسير الآيات التي وردت فيها كلمة (نعيم) لمجموعة من المفسرين منهم الطبرسي والميسر والطباطبائي وطنطاوي ومغنية ومكارم الشيرازي.
نعمة في القرآن إنما هي لنعم الدنيا على اختلاف أنواعها كقوله تعالى: "وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ" (البقرة 211) وقوله تعالى: "وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ". (آل عمران 103). بينما (النعيم) فتأتي خاصة بنعيم الآخرة كقوله تعالى: "أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ" (المعارج 38) وقوله تعالى: "تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ" (يونس 9).
غالب الآيات وردت كلمة نعيم مع جنة أو جنات. جاء في معاني القرآن الكريم: جنن أصل الجن: ستر الشيء عن الحاسة يقال: جنة الليل وأجنة وجن عليه، فجنه: ستره، وأجنه جعل له ما يجنه، كقولك: قبرته وأقبرته، وسقيته وأسقيته، وجن عليه كذا: ستر عليه، قال عز وجل: "فلما جن عليه الليل رأى كوكبا" (الأنعام 76)، والجنان: القلب، لكونه مستورا عن الحاسة، والمجن والمجنة: الترس الذي يجن صاحبه. قال عز وجل: "اتخذوا أيمانهم جنة" (المجادلة 16)، وفي الحديث: (الصوم جنة) (الحديث يروى: (الصيام جنة) وهو صحيح متفق عليه. وأخرجه مالك في الموطأ، باب جامع الصيام، انظر: تنوير الحوالك 1/287، وفتح الباري 4/87، ومسلم رقم (1151)، وانظر: شرح السنة للبغوى 6/225). وعن الموسوعة الحرة: الجَنَّة في اللغة هي البُسْتان، ومنه الجَنّات، وتصغيرها جنينة، والعرب تسمّي النخيل جَنَّة، والجَنَّةُ الحَديقةُ ذات الشجر والنخل، وجمعها جِنان، وفيها تخصيص، ويقال للنخل وغيرها. والكلمة مشتقة من جَنَّ أي سَتَرَ وأظْلَمَ وخَفَى. سميت بذلك لسترها الأرض بظلالها. وقد وردت بهذا المعنى في سورة الكهف مثلا في الآية: "وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا" (الكهف:32). ويقصد عادة في السياق العام (تلك الجنة التي وعد الله عباده بالغيب) وهي نقيض النار. والجنة مصطلح للدلالة على مكان فيه رخاء ونعيم وحياة رغيدة كاملة الملذات.
جاء في تفسير الميسر عن نعيم: قال الله تعالى "يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ" ﴿التوبة 21﴾ نعيم اسم. إن هؤلاء المؤمنين المهاجرين لهم البشرى من ربهم بالرحمة الواسعة والرضوان الذي لا سخط بعده، ومصيرهم إلى جنات الخلد والنعيم الدائم. قوله سبحانه "إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ" ﴿الإنفطار 13﴾ إن الأتقياء القائمين بحقوق الله وحقوق عباده لفي نعيم. قوله علا شأنه "إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ" ﴿المطففين 22﴾ لَفِي نَعِيمٍ: نعيم الجنة. إن أهل الصدق والطاعة لفي الجنة يتنعمون، على الأسرَّة ينظرون إلى ربهم، وإلى ما أعدَّ لهم من خيرات، ترى في وجوههم بهجة النعيم، يُسْقَون من خمر صافية محكم إناؤها، آخره رائحة مسك، وفي ذلك النعيم المقيم فليتسابق المتسابقون. وهذا الشراب مزاجه وخلطه من عين في الجنة تُعْرَف لعلوها بـ "تسنيم"، عين أعدت، ليشرب منها المقربون، ويتلذذوا بها.
جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: عن نعيم: قوله سبحانه "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ" ﴿الطور 17﴾ اتقوا اللَّه في الدنيا فوقاهم في الآخرة عذاب النار، وجعل الجنة لهم ثوابا يتنعمون فيها، لا يشغلهم عن ملذاتها شاغل. قوله عز وعلا "فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ" ﴿الواقعة 89﴾ في أول هذه السورة قسم سبحانه أهل القيامة إلى ثلاثة أصناف: السابقين المقربين، وأصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، وذكر في هذه الآية ان المحتضر إذا كان من السابقين فهو في أمان قائم ونعيم دائم. ي الآية السابقة توعد سبحانه المجرمين بالعذاب الأكبر، وفي هذه الآية وعد المتقين بملك دائم ونعيم قائم. وهكذا يقرن سبحانه عاقبة المجرم بعاقبة من اتقى ترغيبا وترهيبا.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: عن نعيم: قوله عز وعلا "فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ" ﴿الواقعة 89﴾ والجدير بالملاحظة أنّ الحديث عن (جنّة النعيم) جاء بعد ذكر الروح والريحان وقد يستفاد من هذا أنّ الروح والريحان يكون من نصيب المؤمنين في الإحتضار والقبر والبرزخ، وأمّا الجنّة ففي الآخرة، كما نقرأ في حديث للإمام الصادق عليه السلام في تفسيره لهذه الآية حيث قال: "فأمّا إن كان من المقرّبين فروح وريحان" يعني في قبره (وجنّة نعيم) يعني في الآخرة. قوله سبحانه "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ" ﴿الطور 17﴾ والتعبير بـ (المتّقين) بدلا من المؤمنين، لأنّ هذا العنوان يحمل مفهوم الإيمان، كما يحمل مفهوم العمل الصالح أيضاً، خاصّة أنّ (التقوى) تقع مقدّمةً وأساساً للإيمان في بعض المراحل، كما تقول الآية 2 من سورة البقرة "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتّقين" لأنّ الإنسان إذا لم يكن ذا تعهّد وإحساس بالمسؤولية وروح تطلب الحقّ وتبحث عنه وكلّ ذلك مرحلة من مراحل التقوى فإنّه لا يمضي في التحقيق عن دينه وعقيدته ولا يقبل هداية القرآن أبداً. والتعبير بـ "في جنّات ونعيم" بصيغة الجمع والتنكير لكلٍّ منهما، إشارة إلى تنوّع الجنّات والنعيم وعظمتهما. ثمّ يتحدّث القرآن عن تأثير هذه النِعَم الكبرى على روحية أهل الجنّة فيقول في الآية التالية: "فاكهين بما آتاهم ربّهم".
قول الله تبارك وتعالى "فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ" (الواقعة 89) عن صفحة هدى القران: والجدير بالملاحظة أنّ الحديث عن "جنّة النعيم" جاء بعد ذكر الروح والريحان وقد يستفاد من هذا أنّ الروح والريحان يكون من نصيب المؤمنين في الإحتضار والقبر والبرزخ، وأمّا الجنّة ففي الآخرة، كما نقرأ في حديث للإمام الصادق عليه السلام في تفسيره لهذه الآية حيث قال: "فأمّا إن كان من المقرّبين فروح وريحان" يعني في قبره "وجنّت نعيم" يعني في الآخرة. ثمّ يضيف سبحانه: "وأمّا إن كان من أصحاب اليمين" وهم تلك الثلّة الصالحة من الرجال والنساء الذين يستلمون صحيفة أعمالهم بيدهم اليمنى كعلامة للفوز والنصر والنجاح "فسلام لك من أصحاب اليمين". وبهذا الترتيب فإنّ ملائكة الله المختصّين بقبض الروح في لحظات الإنتقال من هذه الدنيا يوصلون سلام أصحاب اليمين إلى المحتضر. كما قال تعالى في وصف أهل الجنّة وكلامهم: "إلاّ قيلا سلاماً سلاما". ويوجد إحتمال آخر أيضاً في تفسير هذه الآية وهو أنّ السلام يكون من قبل الملائكة حين يقولون له: سلام عليك أيّها العبد الصالح، يامن هو من أصحاب اليمين، أي يكفيك من الإفتخار والوصف أن تكون في صفّ هؤلاء.
https://telegram.me/buratha