الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب بصر الهدى للسيد مصطفى الخميني: أمراض القلوب: لقد أُرسل إليكم كتابٌ فيه المواعظ والحكم، وأُنزل إليكم نورٌ تستضيء به القلوب والنّفوس، وفي جميع آياته ومواعظه الإلهام والإيماء إلى الحسنات ولزوم نيلها، والزّجر والتّحذير عن السّيّئات ووجوب التّنفّر عنها، فإذا استمعت إلى قوله تعالى: "فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ" (البقرة 10)، فلا تظنّ أنّ هذه الآية مخصوصةٌ بجماعةٍ من المنافقين وأنت لست منهم، وبريءٌ عنهم، كلّا، بل عليك أن تحسب نفسك فيهم، حتّى تقوم من مقامك وتجتهد وتجد في الخروج عن هذا الأمر الفزيع الفجيع، وذلك لما تحرّر وتبيّن في محلّه، وبلغ إلى نصاب التّحقيق وميقات البرهان والتّدقيق: أنّ الأمراض المتحصّلة في النّفوس إذا صارت ملكةً، فقد بلغت إلى حدّ يقرأ عليها "فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً" (البقرة 10). فإنّ الله تعالى وتبارك خلق الخلق على نظام الأسباب والمسبّبات، ولا يخصّ أحداً بنظرةٍ رحيميّةٍ خارجةٍ عن اقتضاء المرجّحات والأسباب، لأنّ الحقّ الرّؤوف عادلٌ مستوي النّسبة إلى العالم، فإذا حصل في قلبك مرض الحسد والبخل والكبر والأنانيّة والجبن وحبّ الدّنيا والرّئاسة وغير ذلك، وما أخذت في إزالتها وإفنائها، وما أخذت في محوها ونفيها، بل قوّيتها بالواردات والمؤيّدات، وسلكت مسالك الأباطيل والشّياطين، فقد زادها الله تعالى مرضاً، وزادهم مرضاً، ونعوذ بالله العزيز من هذه الفجائع والعظائم والبلايا والرّذائل، فإنّها إذا استقرّت في النّفس وصارت الأنفس محكومةً بها حتّى تحرّكت فيها حركةً طبيعيّةً، يكون لهم عذابٌ عظيمٌ بما كانوا يصنعون. فعليك يا أخي ويا نظيري في خلقي: أن تأخذ بنجاتك من هذه الورطة الظّلماء، وتشدّ عضدك وظهرك للاستنارة بأنوار القرآن، بأن تعمل به عمل إخلاصٍ، وتتدبّر في آياته تدبّراً حسناً وتفكّراً مفيداً لدنياك وآخرتك، ولا تكن ممّن أقفلت قلوبهم بالمحاسن المعنويّة واللفظيّة والدّقائق الحِكَميّة والعرفانيّة، فإنّها كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً.
عن کتاب الخلل لصلاة للسيد مصطفى الخميني: على ما تحرر عندنا من انصراف الامر الصلاتي إلى الصلاة الفارغة عن المحرم، ولو لم يكن متحدا مع الصلاة في الكون، فضلا عنه، ضرورة أنها عبادة، وقد أمرنا بعبادة الله لقوله تعالى "يا أيها الناس اعبدوا ربكم" (البقرة 21) ولا تناسب العبادة عرفا، مع ارتكاب الحرام حينها، ولا سيما في زمان غير يسير عند الاشتغال بها، بأن يصلي مثلا وكان يلعب مع مرأة في ركعة، أو يشتغل بالاستمناء حينها، وإن خرج المني بعدها، فإنه لا يجوز الاكتفاء بالمصداق المذكور. وربما يختلف الاشتغال بالمحرم نسيانا وجهلا، وغفلة وعمدا، بحسب عظم الحرام والزمان المشتغل به، يسيرا وكثيرا، وبحسب اتحادهما، وكون المصلي غاصبا لما يؤخذ بأشق الاحوال، فلا يجري حديث الرفع، ولا القاعدة، فالمسألة صحة وفسادا تابعة لهذه الامور.
جاء في کتاب تفسير القرآن الكريم للسيد مصطفى الخميني: لو كان ما يترنم به العبد غير قرآن عند عدم قصد القرآنية، يلزم كونه مماثلا للكتاب، مع أن العبد عاجز عن إيجاد مماثله ومعجز بقوله تعالى "فأتوا بسورة من مثله" (البقرة 23). ولذلك صار الاقتباس من اللطائف الكلامية، وهو تضمين الكلام بالقرآن أو حديث سيد الأنام صلى الله عليه وآله وسلم. ولو كان قصد شعر الشاعر، دخيلا في كونه شعره، يلزم أن يكون جميع أفراد الإنسان شعراء، مع أن الضرورة قاضية بأن من أظهر مرامه بشعر المتنبي وامرئ القيس، لا يكون شاعرا، وما ترنم به هو شعرهما لا شعر الآخرين. بل لو فرضنا نسيانه الفاتحة، ولكنه أتى بها من تلقاء نفسه، كفى وإن كان من مصاديق توارد الخاطر، حسب ما اصطلح عليه في علم البديع.
وعن کتاب ثلاث رسائل العوائد والفوائد للسيد مصطفى الخميني: في السؤال عن الله سألته عن الله؟ قال: من نظر فيه هلك. قلت: زدني بيانا. قال: كيف يصل إليه من هو بذاته دونه. قلت: زدني بيانا. قال: "هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا" (البقرة 29). قلت: زدني بيانا. قلت: هو "أينما تولوا فثم وجه الله" (البقرة 115).
جاء في كتاب بصر الهدى للسيد مصطفى الخميني: هداية القرآن: اعلم يا أخي: إنّ الكتاب الإلهيّ كتاب الوعظ والإرشاد والتّنبيه والتّوجيه، وفيه هذه الجهة وتلك القسمة أقوى وأعظم شأناً من سائر الأمور الأُخر، وفي جميع الهدايات أيضاً يلاحظ جانب الإرشادات الخاصّة بأنحاء التّعابير المختلفة، ليخرجكم من الظّلمات إلى النّور، ويهديكم إلى الصّراط المستقيم، والخلاص من الجحيم. فإذا يقول: "آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ" (البقرة 13) فعليك الإجابة بالأجوبة القلبيّة والقالبيّة، وعليك الإصغاء والاستماع إلى ندائه ورأيه عملاً وعلماً، ولا تكن كالمنافقين ومن يحذو حذوهم في الخروج إلى حدّ الإفراط أو التّفريط، حتّى لا تكون من المؤمنين قلباً وعلماً ولا من المؤمنين عملاً وقالباً، بل اللّازم مراعاة الحدّ الأوسط، واتّخاذ الحدّ العدل والخطّ المستقيم من الابتداء إلى الانتهاء، وعدم الانحراف عنه ولو لحظة، وذلك لا يحصل بمجرّد تلاوة الكتاب، أو كتابة تفسيره، أو مراجعة كتب المفسّرين وغير ذلك، بل هو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بالجدّ والاجتهاد،.. فإيّاك أن تكون من السّفهاء في لسان القرآن، وإيّاك أن تشملك هذه الكريمة الشّريفة، واحذر عن التّشبّه بالمنافقين، وقد عرفت أنّ من النّفاق الرّياء، والمراؤون يتبعون أهواءهم، وهم في النّفاق آكد من المنافقين، لما أنّ إيمانهم وَدَعيٌّ غير راسخٍ ولا حقيقيٍّ، فهو والمنافق عند ظهور النّشأة البرزخيّة سيّان، ولا يجوز أن تتخيّل اختصاص ذلك بالمرائيّ، بل كلّ إنسانٍ كان نظره وقلبه متوجّهاً إلى غيره تعالى في فعاله وصنيعه فيه نوع نفاقٍ، ويقول بلسان الحال: "آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ" (البقرة 13)، ويجاب بقول الله تعالى: "أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ" (البقرة 13).
وعن کتاب البيع للسيد مصطفى الخميني: وإن شئت قلت: المستفاد منها أن ما هو الحاصل من البيع أي المؤثر الخارجي غير الحاصل من المكسب الباطل، فلا يعقل دلالتها على صحة المعاطاة. قلت: لاشبهة في أنها بظاهرها جملة حالية إخبارية مسوقة لبيان الفرق بين الموضوعين، ردا على الذين "قالوا إنما البيع مثل الربا" (البقرة 275) ووجه الفرق حلية البيع وحرمة الربا. والذي يستظهر منها: أن المراد بعد ملاحظة القرائن حول الاية الكريمة الشريفة نفي التسوية بين البيع غير الربوي والربوي، لان الربا المحرم ليس عنوانا يقابل البيع، بل هو من الاوصاف المصنفة للبيع ونحوه، والمقصود من نفيها بهذه الكيفية إرشاد القائلين بها إلى أنهما كيف يتساويان، مع اختلاف ملاكهما والمصلحة والمفسدة فيهما؟ أن الله حرمه وأحل البيع، وذلك لا يكون جزافا، فيعلم الفرق بينهما قطعا. فإذن لا معنى لاطلاقها، لعدم كونها في مقام جعل الحكم، أو الاخبار عن الحكم المجعول بنحو الاطلاق، لا نه خارج عما يعلم من مقصود المتكلم.
https://telegram.me/buratha