كاطع جواد
للاهوار في العراق تاريخ يمتد اكثر من ستة الاف سنة و ربما اكثر من ذلك حيث تدل كل المخطوطات على ان الاهورا لعبت دورا تاريخيا في بناء الانسان العراقي القديم الذي سكنها منذ الاف السنين، فحضارة سومر ليست القراءة و الكتابة فقط بل هي حضارة الاهوار و ما يكونه من قصب و بردي فالقصب و البردي له دلالات تاريخية عظيمة في الحضارة السومرية فحضارة سومر هي حضارة طينية ممزوجة بالقصب و البردي و ما يتواجد في هذه البيئة من حيوانات من اشهرها الجاموس، فرسومات الجاموس وشبكة صيادي الاسماك وجدت في اغلب الاثار السومرية في اور و في اماكن غيرمكتشفة داخل الاهوار نفسها ، فالذي يتجول في اهوار جنوب العراق بزورقه السومري (المشحوف) تصادفه عدة مناطق يابسة مرتفعىة عن مستوى القصب و البردي و هذه المرتفعات في حقيقتها ما هي الا اماكن كان يسكنها الانسان العراقي القديم و قد تركها لاسباب نجهلها ..يمتاز نبات القصب بقوته و مقاموته للظرف الطبيعية من حرارة الشمس والمياه التي تمتاز بها بيئة الاهوار..
من يسكن الاهوار لا يحتاج الى طعام او شراب فالماء و النبات و الطير والحيوان يكفي هذا الانسان كل مؤونة يروم الحصول عليها لا بل الاسماك و لبن الجاموس من الاغذية الغنية بالمواد الغذائية و يضرب المثل العراقي للشخص القوي البنية (هذا شارب حليب دواب) ويعني ان تغذيته هي حليب جاموس فاغلب مربي الجاموس خاصة الشباب يعمد الى النوم تحت الجاموسة ليشرب من ضرعها مباشرة دون ان يصيبه اي ضرر يبني سكان الاهوار بيوتهم من القصب و البردي باشكال هندسية جميلة و حتى وسائل تنقلهم بعض الاحيان تكون مصنوعة من القصب و البردي ، حتى الحبال المستخدمة و التي يصنع منهاالبيت و الزورق تكون من القصب نفسه..وسائل الصيد خاصة صيد الاسماك تعتمد على الشباك باشكالها المختلفة ، هذه المهنة كانت و لم تزل منذ الاف السنين لم تتغير ..حيث وجدت الرسوم وطرق الصيد مرسومه على جدران الاثار القديمة لبلاد سومر ..
الملابس و الازياء لم تتغير الا قليلا كل العراقيين من سكان الاهوارو الريف نراهم يلبسون (اليشماغ )العراقي الاسود و الابيض و الذي هو عبارة عن نقش لشبكة الصياد و امواج مياه الاهوار..تعرضت مناطق الاهوار لعدة ازمات منها متعمدة من قبل الانسان و منها طبيعية بسبب الجفاف وهذه الازماتالمتعمدة كانت من قبل الانظمة المستبدة التي حكمت العراق و التي قامت بتجفيف او محاولة تجفيف الاهوار..تعرضت الاهوار للتدمير في نهاية الحكم العباسي خلال ثورة الزنج حيث كانت مناطق الاهوار والبطائح من المناطق التي يصعب الوصول اليها بسبب كثرة المياه و الاطيان حتى اصبحت ملاذا للثوار بعيدا عن اعين و جيوش الدولة العباسية..كذلك في العهد العثماني ، فاغلب المعارضين للوجود العثماني استفاد من بيئة الاهواركملاذ امن و نقطة انطلاق لمهاجمة القوات العثمانية ..
ارتبط الثوار ارتباطا وثيق ببيئة الاهوار ليس لصعوبة الدخول اليها وصعوبة بيئتها و مسالكها فقط ، لكن للاسباب التي ذكرتها سابقا وهي ما توفره هذه البيئة من غذاء متكامل ، لا ننسى ان وجود القصب و البردي الجاف يستفاد منه كوقود في عملية الشوي(الطريقة السائدة لسهولتها ) وكذلك الطبخ كما يستفاد من القصب والبردي في التدفأة في وقت الشتاءاضافة لللانارة ...كل هذه الفوائد جعلت من الاهوار ملاذا امنا و مفيدا للثوار و كل المطاردين من قبل الانظمة التي مرت على العراق ...
في بداية التسعينات انطلقت من الاهوار ثورة شعبية عارمة على نظام صدام حسين بعد هزيمته في حرب الكويت ، لم تنطلق الثورة الشعبية من فراغ بل كانت هناك مجاميع مسلحة او شبه مسلحة اتخذت من بيئة الاهوار ملاذا لها والتي كان اكثرها غير مسيس بل افرادا ملوا الحرب والسياسةالصدامية التي جعلت الانسان العراقي بلا هدف او امل بالحياة فلم يجد امامه الا الهور ملاذا ليختفي عن عيون البعث وعملاء السلطة الصدامية و ما يقوما به من تنكيل و بطش ضد ابناء الجنوب خاصة من الفقراء الذين اصبحوا وقودا لحروب صدام العبثية ..بعد زوال نظام صدام حسين استبشر سكان الاهوار خيرا وهم ينتظروا ان تعود الحياة للاهوار و يعم الخير لساكنيها لكن املهم وفرحتهم لم تكتمل حيث انشغل الحكام الجدد بمشاكلهم و ما يجمعونه من اموال و غنائم من ثروات العراقالمنهوبة..!! تناسوا هؤلاء الحكام الاهوار و غير الاهوار و كل ما يفرح و يسعد العراقيين..
لكن الاصوات الوطنية العراقية الخيرة لم تكل و لم تمل فقد بذلت جهودا خيرة في هذا المضمار باعادة الحياة لبيئة الاهوار و الذي تكلل اخيرا بوثيقة او اعلان ان اهوارجنوب العراق هي من المناطق المحمية و برعاية دولية لكننا لحد الان لم نر اي جهد حقيقي من قبل الدولة للسير بهذا الاتجاه ... ياترى هل تعود الاهوار الى سابق عهدها ام تبقى بيئة منسية متمردة ..؟؟؟