إن اختيار العناصر القوية الامينة الواعية من قبل الائتلاف والقوى الوطنية الاخرى لابد ان يكون الاختيار وفق الموازين التي تجعل مصلحة الوطن والمواطنين فوق كل اعتبار. ( بقلم : الدكتور عباس العبودي )
اننا في العراق على اعتاب مرحلة جديد في الحكم في العراق , وبعد مخاض عسير جدا استطاعت الامة ان تؤدي دورها بوعي وتحدي في ثلاث انتخابات قدمت الامة فيها الدماء من اجل ان تنال حريتها بوعي. ورغم كل الضروف الصعبة والاحتكاكات هنا وهناك وتاخير في العملية السياسية , لابد لنا ان نتفائل ولا نييأس من العملية السياسة ,لان الياس انكسار وهزيمة امام ضربات قوى الشر والضلام .
إنني متفائل جدا ان هذه المخاضات على شدة آلآمها وعظيم تضحياتها سوف تنتهي الى نتيجة ايجابية وتصب في مصلحة العراق والمنطقة إنشاء الله. أن التصدي لموقع المسؤولية هو تكليف وأمانة وطنية ودينية وليس تشريف ومقام ومسميات وإن الانسان الذي يتحمل مسؤولية الامانة لابد ان يتحملها بكامل مسؤوليتها واستحقاقتها كاملة –دينيا ووطنيا وانسانيا .
فلو تصدى لموقع المسؤولية من لم يكن قويا وأمينا على مصالح الامة والوطن ,فان الامة سوف تتحمل كامل مسؤوليتها لاي نتاج سلبي من الذي يدير البلاد وهو ليس اهلا لها. وسيكون الناخب شريكا في تحمل هذه المسؤولية اخلاقيا وشرعيا وقانونيا.
وعليه فان الامة بكل مكوناتها تتحمل كامل المسؤولية في عملية إختيار ألاصلح بعيدا عن الكل المؤثرات الخارجية مهما كان نوعها ولونها .إن الامة بحاجة الى القائد الذي يقود سفينة البلاد الى بر الامان ويمنعها من الغرق اما تحديات الامواج المسعورة في بحر الاختلافات السياسية والمصالح الذاتية .
إن اختيار العناصر القوية الامينة الواعية من قبل الائتلاف والقوى الوطنية الاخرى لابد ان يكون الاختيار وفق الموازين التي تجعل مصلحة الوطن والمواطنين فوق كل اعتبار. والقوى المتصدية لابد ان تمتلك برنامج عمل للسنوات الاربعة المقبلة وللشنوات الاخرة .ان مرحلة الاربعة سنوات القادمة تعتبر مرحلة حرجة جدا من تاريخ البلاد. إن العناصر التي تتحمل شرف المسؤولية لابد من التفكير الجاد بالتعاون مع الامة بكل اطيافها والوانها لبناء العراق الجديدج وقيادة البلاد الى بر الامان وتجنيبها الويلات ومنع البلاد من الغرق في بحر الصراعات من أجل لمطامع الدنيوية الزائفة الزائلة. ولقد رسم لنا القران الكريم والسنة النبوية الشريفة معالم الطريق للحاكم العادل , القوي,الامين, ذو العقلية المبدعة, القادر على قيادة البلاد الى بر الامان وهي كما يلي:
1- القوة العادلة-- {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة, {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً }الكهف95, {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً }مريم12, نعم القوة العادلة هي المنطق القرآني الذي يريد من يتحمل شرف المسؤولية ان يكون قويا على اعداء الله والوطن ومصالح الامة ولاتأخذه في الله لومة لائم. وان يكون عادلا في قوته , لايستخدم قوته في ظلم الناس وسلب حرياتهم وحقوقهم التي منحها الله سبحانه وتعالى لهم.
2-الحكم بالعدل,لان العدل اساس الملك والحالكم العادل هو الحاكم الذي لايرى الناس منه اي ظلم , {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }النساء, {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90, وقد تحدثت ايات كثيرة حول العدل واهمية العدل,واول ما اوصى رسول الله (ص) اصحابه الذين آمنوا وتعرضوا الى المحن والظلم من قبل طغاة قريش ان يهاجروا الى الحبشة لان فيها ملكا عادلا , والاسلام ينسجم مع العدل مهما كان مصدره , مادام يحقق للانسانية سلامها وامنها ولايكون هناك ظلما بين الناس, والاسلام يحارب الظلم مهما كان مصدره ونوعه , لانه يمقته و يحاربه . والاسلام ينسجم مع العدل حتى وان كان مصدره غير مؤمن مادام يحقق هدفه الانساني في بسط العدل بين الناس.
3-التواضع: هوخلق في معاملة الناس،بقدر ما يكون عبادة اسلامية يندب الشرع الإلهي إليها،كذلك يعبر عن إحدى صيغ التعامل الفاضل بين أبناء الامة،فهو من وسائل توحيد الكلمة و جمع الشمل،و إشاعة المودة و إلغاء التفاوت الطبقي. )وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً) (الاسراء:37(
)وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (لقمان:18), الامام علي(ع) هو تلميذ رسول الله (ص) صاحب المدرسة الاخلاقية الكبرى الذي مثل فيها أدب الله في سلوكه ومعاملته وعدله وتواضعه . فكان عليا كرسول الله (ص) من قبل. و سيرته العطرة تطرح المزيد من الشواهد على ذلك الخلق الاسلامي الرفيع:كما روي عن الامام الصادق (ع) انه :«كان أمير المؤمنين (ع) يحطب و يستسقي و يكنس،و كانت فاطمة تطحن و تعجن و تخبز» . و كان الإمام (ع) يشتري حاجته و حاجة اسرته الكريمة من السوق بنفسه،و يحملها بيده،و هو أمير المؤمنين،الذي يحظى باحتلال أرفع مركز في حياة المسلمين،و لقدكان الناس يسرعون إليه لحمل أشيائه حين يرون ذلك منه،و لكنه يأبى عليهم و يقول:«رب العيال أحق بحمله» . و كان (ع) يسير في الأسواق وحده،لا يصحبه حشم و لا خدم،و لا جند،فيرشد الضال،و يعين الضعيف،و يمر بالبقالين و التجار و يأمرهم بالتواضع و حسن المعاملة و يتلو عليهم قوله تعالى: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين) . و من عظيم تواضعه (ع) أنه خرج يوما على أصحابه،و هو راكب،فمشوا خلفه،فالتفت إليهم فقال : « (ألكم حاجة؟) قالوا:لا،يا أمير المؤمنين!و لكنا نحب أن نمشي معك،فقال لهم: (إنصرفوا فإن مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب و مذلة للماشي) » . و قد استقبله زعماء الأنبار و ترجلوا و أسندوا بين يديه فقال (ع) :« (ما هذا الذي صنعتموه؟) قالوا:خلق منا نعظم به امراءنا.فقال (ع) : (و الله ما ينتفع بهذا امراؤكم،و إنكم لتشقون به على أنفسكم،و تشقون به في آخرتكم،و ما أخسر المشقة وراءها العقاب،و ما أربح الراحة معها الأمان من النار) » . و من أدبه الكامل تسليمه على النساء من قومه،و مشيه مع المرأة لقضاء شأن من شؤونها،حتى و إن جلب له الأمر مشقة، عن الإمام الباقر (ع) قال: «رجع الإمام علي (ع) إلى داره في وقت القيظ،فإذا امرأة قائمة تقول:إن زوجي ظلمني،و أخافني،و تعدى علي.فقال الإمام: (يا أمة الله!اصبري حتى يبرد النهارثم أذهب معك إن شاء الله) ،فقالت:يشتد غضبه علي.فطأطأ الإمام (ع) رأسه ثم رفعه و هو يقول: (لا و الله أو يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع!أين منزلك؟) ،و وقف الإمام (ع) على باب المنزل فقال: (السلام عليكم) ،فخرج الشاب.فقال له الإمام (ع) : (يا عبد الله،إتق الله،فإنك قد أخفتها و أخرجتها !) فقال الفتى:و ما أنت و ذاك؟فقال أمير المؤمنين: (آمرك بالمعروف،و أنهاك عن المنكر،تستقبلني بالمنكر و تنكر المعروف؟) فأقبل الناس من الطرق يلقون التحية على الإمام (ع) و يقولون :سلام عليكم يا أمير المؤمنين!فسقط في يديه،فقال:يا أمير المؤمنين!أقلني عثرتي،فو الله لأكونن لها أرضا تطأني.فالتفت الإمام إلى المرأة قائلا: (يا أمة الله!ادخلي منزلك و لا تلجئي زوجك إلى مثل هذا و شبهه) » (7) . و كان الإمام (ع) قريبا سهلا هينا يلقى أبعد الناس و أقربهم بلا تصنع و لا تكلف،و لم يحط نفسه بالألقاب و لا زخرفة الملك،بل كان يتعامل مع الامة كفرد منها،يعايش مشاكل الضعفاء،و يحب المساكين،و يتودد للفقراء،و يعظم أهل التقوى من الناس. و لقد كان من شواهد رفقه بالامة و تواضعه في المعاملة و سهولته،و مرونته:مقابلته لمن يلقاه بطلاقة المحيا و الإبتسامة الحلوة و بشر الوجه،و إلغاء منه للحواجز و الرسميات بين القيادة و الامة،و إنهاء لدور الزخرفة و الألقاب التي يحيط بها الامراء و القادة أنفسهم عبر تعاملهم مع الناس.و لاشتهاره بتلك الروح الاجتماعية السمحة بين عامة الناس،حاول أعداؤه أن يشوهوا تلك الميزة في الإمام (ع) و يحولوها إلى عيب ينبزونه فيه،إمعانا منهم في تشويه واقع خطه و سياسته و جميل صفاته الشخصية و الاجتماعية. فعمرو بن العاص يحدث أهل الشام عن علي (ع) فيقول:أنه ذو دعابة شديدة،محاولا بذلك الانتقاص من شأن الإمام (ع) ،و الإمعان في تغطية فضائله،و العملعلى كل ما من شأنه تضليل الناس هناك لكي يحال بينهم و بين التطلع لواقع الإمام (ع) و حقيقته. حتى أن الإمام (ع) حين بلغه افتراء ابن العاص قال: «عجبا لابن النابغة!يزعم لأهل الشام أن في دعابة و إني امرؤ تلعابة». و لقد كان معاوية بن أبي سفيان يشيع ما يشيعه ابن العاص كذلك في مناسبة و اخرى. و ما يضر أمير المؤمنين (ع) إذا عابه معاوية و ابن العاص،فلقد كان (ع) يقتفي أثر رسول الله (ص) في سماحة أخلاقه و طلاقة محياه سواء بسواء. و كان (ع) يعمل على الالتصاق بالناس للتعرف إلى ما يعانون حتى أنه كان يمشي في الأسواق و يتابع الحركة التجارية من ناحية الوزن و الأسعار و نوعية المعروض من السلع. و كان الإمام (ع) حريصا على متابعة تصرفات الولاة في البلدان،و القادة وجباة الأموال،و يأمرهم بالرفق و التواضع في معاملة الناس. و ما أروع روح التواضع عند علي (ع) ،كما يصفها ضرار بن ضمرة في حديثه لمعاويةـالذي افتتحنا به هذا الفصلـ:«يعجبه من اللباس ما خشن،و من الطعام ما جشب،كان و الله كأحدنا،يجيبنا إذا سألناه،و يبتدئنا إذا أتيناه،و يأتينا إذا دعوناه،يعظم أهل الدين،و يحب المساكين» . اننا لابد من تحمل مسؤليتنا التاريخية والوطنية والانسانية والشرعية في انتخاب من نرى فيهم كل هذه الصفات الحميدة ونبتعد كل البعد عن الولاءءات الدنيوية الفانية التي قد تجرنا الى ويلات جديدة ومقابر جماعية معلنة وباسم الديمقراطي.
الله الله في اصواتكم الانتخابية ايها الاحبة فلا تقدموها بثمن دنيوي بخس , واعلموا اننا سنقف بين يدي الله جميعا ونسال يومئذ عن كل موقف وقفناه , فمن وقف لمتاع الدنيا خسرواالدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين ومن وقف لمتاع الاخرة –فله خير الدنيا وخير الاخرة.
{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ }الصافات
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتورعباس العبودي-لندن
https://telegram.me/buratha