عادل الجبوري
انتهى عام 2010 وطوى اخر صفحاته، واذا كان هذا العام حافلا بأحداث ووقائع كبرى في مختلف بقاع العالم، سياسيا واقتصاديا وامنيا وثقافيا، فأن العراق كان واحدا من ابرز المسارح التي شهدت حراكا محتدما بدا في الكثير من جوانبه دراماتيكيا وعلى قدر كبير من الحساسية والخطورة.قد يبدو للمتابع والمراقب السياسي ان احداث ووقائع المشهد العراقي خلال عام 2010، انها عبارة عن حدث واحد في الاطار الكلي، اختلفت ايقاعاته -صعودا ونزولا-على امتداد اثني عشر شهرا.وبالفعل فأن حدث "الازمة السياسية" ، وماافرزته من معطيات على ارض الواقع، رسم الصورة الاجمالية للمشهد العراقي، ومن يريد ان يتناول اية قضية فأنه بلا شك لابد ان ينتهي الى الازمة السياسية كعامل محرك وموجه.ولن نبتعد كثيرا عن الواقع اذا وصفنا عام 2010 بأنه عام ازمة تشكيل الحكومة بأمتياز، فهذا العام بدأ ومؤشرات وبوادر الازمة السياسية اخذت تلوح في الافق وتتبلور، من خلال تجاذبات وصراعات ومماحكات ماقبل الانتخابات التي كانت مقررة في السابع عشر من شهر كانون الثاني-يناير الماضي، لتندفع الى مواعيد اخرى، وتستقر في نهاية المطاف على السابع من شهر اذار-مارس.وتمحورت التجاذبات والمماحكات والصراعات حول جملة من المسائل التفصيلية في قانون الانتخابات، وشمول بعض الاشخاص المرشحين بأجراءات المسائلة والعدالة(اجتثاث البعث سابقا)، وتشكيل التحالفات الانتخابية.ولايختلف اثنان في ان الانتخابات البرلمانية جرت في ظل اجواء سادها الكثير من التشنج والاحتقان والتأزم، خصوصا وان متغيرات غير قليلة قد طرأت على واقع خارطة التحالفات، سواء في داخل المكون الشيعي، او داخل المكون السني، او داخل المكون الكردي، ناهيك عن العدد الهائل من الكتل والكيانات التي تقدمت لخوض المنافسة لانتخابية.ومثلما كان متوقعا ، بل واكثر من ذلك، فقد اخذت الاختلافات والخلافات والتقاطعات بين المكونات السياسية المختلفة ابعادا اشمل بعد الانتخابات، ارتباطا بما تمخضت عنه من نتائج شكلت صدمة لبعض الاطراف، واحدث مزيدا من الخلط للاوراق.فبينما كان ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي شبه واثق من حصوله على المرتبة الاولى، واحرازة مالايقل عن مائة مقعد، ليتفوق على منافسه التقليدي المتمثل بالائتلاف الوطني العراقي الذي تشكل من المجلس الاعلى الاسلامي العراقي والتيار الصدري وحزب الفضيلة الاسلامي وتيار الاصلاح الوطني وبعض الاتجاهات والشخصيات المستقلة، اظهرت ارقام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تصدر القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي القوائم الاخرى، ليأتي بعدها ائتلاف دولة القانون ومن ثم الائتلاف الوطني العراقي وبعده التحالف الكردستاني.هذه النتائج عمقت الازمة ، لانها ادت الى اعادة عمليات الفرز والعد اليدوي لكل صناديق الاقتراع في العاصمة بغداد التي تعادل بمجموع سكانها البالغ اكثر من سبعة ملايين نسمة حوالي خمس محافظات، ومن ثم ادت تلك النتائج، وخصوصا بعد ثبوتها وعدم تغيرها الى الدخول بمتاهات تفسير الكتلة النيابية الاكبر، لتقول المحكمة الاتحادية العليا كلمتها في هذا الشأن، بأن الكتلة النيابية الاكبر هي اما الكتلة التي حصلت على اكبر عدد من المقاعد البرلمانية على ضوء نتائج الانتخابات، او انها الكتلة التي تتشكل من كتلتين او اكثر قبل انعقاد الجلسة الاولى لمجلس النواب الجديد.ويوما بعد اخر كانت الامور تسير وتتجه الى منعطفات حادة وخطيرة للغاية، وسط اصرار زعيمي ائتلاف دولة القانون والقائمة العراقية على احقية كل منهما بتشكيل الحكومة الجديدة، ولم يكن ممكنا حصر الخلاف او النزاع او الاختلاف ضمن حدود الجغرافيا العراقية، وبدا واضحا ان الازمة السياسية العراقية تتجه الى التدويل بدخول مختلف الاطراف الاقليمية والدولية على الخط، الامر الذي زاد الوضع تعقيدا وغموضا وخطورة. ومع مرور الوقت، كانت مساحات الاحباط والاستياء والتذمر واليأس تتنامى في مختلف اوساط الشعب العراقي، لاسيما بعد ان تلاشت كل بوادر الحل تقريبا، وبدا ان الجميع يدورون في حلقة مفرغة، في ظل اصرار وتصلب وعدم استعداد الفرقاء السياسيين لتقديم التنازلات المطلوبة للخروج من عنق الزجاجة.وهكذا سارت الامور حتى بادر رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني الى التحرك لتفعيل مبادرة الطاولة المستديرة التي اطلقها في وقت مبكر رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم كخيار واقعي وعملي لحل الازمة السياسية.ومن هذه النقطة بدا ان الازمة السياسية العراقية في طريقها الى الحلحلة وليس الحل الكامل والنهائي، فقد انتهت اجتماعات اربيل وبغداد الى ابرام اتفاق سياسي اطرافه زعيم التحالف الوطني نوري المالكي، وزعيم القائمة العراقية اياد علاوي، ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، يقضي بتمرير ترشيح المالكي لرئاسة الوزراء، في مقابل تشكيل المجلس الوطني للسياسات الاستراتجية بصلاحيات معينة ليتولى رئاسته علاوي، وكذلك رفع اجراءات الاجتثاث عن بعض قياديي القائمة العراقية، اضافة الى منح رئاسة الجمهورية للاكراد وتحديدا لزعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني. وفي واقع الامر فأن الازمة السياسية لم تنتهي وانما انتقلت من مرحلة الى مرحلة اخرى، فتشكيل الحكومة لم يكن بالامر اليسير بالمرة، بحيث ان جهود اربعين يوما لم تسفر عن اغلاق ملف الحكومة بالكامل، اذ ان جملة مسائل ، من بينها الوزارات الامنية بقيت معلقة، ناهيك عن عن الظروف وخلفيات المواقف وانعدام الثقة القت بظلالها الثقيلة على التشكيلة الحكومية الجديدة.وانتهاء عام 2010 والدخول في عام 2011، من دون حسم الازمة السياسية يؤكد ويثبت ان حدث "الازمة السياسية" شكل صورة عام 2010 العراقية.وكان من الطبيعي ان تفرز "الازمة السياسية" الخانقة ازمات اخرى، من قبيل ازمة الكهرباء التي تسببت بأندلاع تظاهرات جماهيرية حاشدة في عدة مدن عراقية، وكادت ان تعصف بمجمل الاوضاع في البلاد، الى جانب تدني الواقع الخدمي خلال فصل الصيف الفائت الذي شهد ارتفاعا حادا وغير مسبوق في درجات الحرارة.وكذلك فأن الاوضاع الامنية شهدت تراجعا كبيرا تمثل بأزدياد العمليات الارهابية النوعية في العاصمة بغداد ومحافظات اخرى، وبروز اساليب جديدة لتنفيذ العمليات الارهابية مثل المسدسات كاتمة الصوت، والتي طالت نخبا سياسية وثقافية واعلامية واكاديمية، وتفخيخ المجمعات السكنية. اضف الى ذلك استشراء ظاهرة الفساد الاداري والمالي في مخلتف مؤسسات الدولة، حتى ان الهيئة العامة للنزاهة ذكرت في اخر تقاريرها ان مليار دولار تبددت من ميزانية الدولة خلال عام 2010 بفعل عمليات الفساد.ومن انعكاسات الازمة السياسية تأجيل التعداد العام للسكان للمرة الثالثة ، بعد ان كان مقررا اجراءه في السادس من شهر كانون الاول-ديسمبر الجاري، الى اشعار اخر.ومن انعكاسات الازمة السياسية ايضا تأخر مناقشة واقرار الموازنة الاتحادية العامة للدولة للعام الجديد 2011.وهكذا فأن صورة المشهد العام في العراق التي صاغتها ورسمتها وقائع عام 2010 لن تتغير كثيرا على الارجح خلال الشهور الاولى من العام الجديد في ادنى تقدير، وربما لن تتغير كثيرا طيلة ذلك العام.
https://telegram.me/buratha