حسن الهاشمي
إبعاد التشريعات التي فيها منفعة لعامة المواطنين عن الشخصنة والحزبية في النظام الديمقراطي ضرورة ملحة تفرضها علينا طبيعة المرحلة التي نعيشها حاليا، حيث إنه إذا لم يكن الشخص الذي يشغل مسؤولية في الدولة العراقية متجرداً لا يمكن أن يؤدي وظيفته بالتزام ومهنية، وإذا لم يكن أباً لا يمكن أن يؤدي وظيفته بشكل جيد، والنفسية التي تعطل إرادة الأبوة في مؤسسات الدولة، إنها في حقيقة الأمر نفسية ضيقة الأفق لا تريد الخير للمجموع بل للفرد، وهذه هي الطامة الكبرى. والأنانية تارة تكون شخصية بأن يحب الشخص الخير لنفسه دون سواه، وأخرى تكون أنانية حزبية أو قومية أو طائفية أو دينية بأن يحب الشخص الخير لحزبه أو لقوميته أو لطائفته أو لدينه، والأنانية عند المسؤول ممقوته في كلتا الحالتين، وإذا ما أراد النجاح عليه أن يوزع خيره على جميع المواطنين بغظ النظر عن خلفياتهم العقدية والاجتماعية، ويكون همه الأول والأخير خدمة المواطن بما إنه مواطن، أما في حياته الخاصة لا بأس أن يعتز المرء بشخصيته أو حزبه أو دينه أو مذهبه أو قوميته، وإذا ما تم الفصل بين الحالتين فنحن بخير ونكون قد سرنا في الطريق القويم والعكس بالعكس. وطالما التزم المسؤول بمنطلقاته الشخصية والحزبية فإنه لا محالة سينحاز لمثيله المزاجي أو الحزبي في تمشية معاملته دون سواه وهذا ما سيلحق الإجحاف بحق شرائح كبيرة من المجتمع قد لا تتفق مع ميوله الشخصية أو الحزبية، أما إذا ما تجرد عن منطلقاته وهو يؤدي دوره الوطني فإن الجميع سينتقع منه ربما حتى الذي يختلف مع ميوله ورؤاه، وهذا ما سيعزز موقعه وموقفه، وسيدر على المجتمع المنافع ويزيل عنه المطامع. ولنا في قصص التاريخ عبرة في هذا الشأن، حيث كان أبو إسحاق الصابي أديبا بارعا وكاتبا معروفا، له في الكتابة والإنشاء مقام رفيع، فلقد شغل وظيفة كاتب الإنشاء ببغداد عن الخليفة وعن عز الدولة بختيار بن معز الدولة بن بويه، كان أبو إسحاق الصابي يصوم رمضان احتراما للمسلمين ويحفظ القرآن ويقتبس آياته في كتاباته، كان الصابي رفيقا مخلصا وصديقا وفيا للشريف الرضي ولما توفي سنة 384هـ رثاه الشريف الرضي بقصيدة مشهورة جاء فيها:أرأيت من حملوا على الأعواد*** أرأيت كيف خبا ضياء الفاديجبل هوى لو فر في البحر اغتدى*** من ثقله متتابع الأزيادما كنت أعلم قبل حطك في الثرى*** إن الثرى يعلو على الأطوادبعد أن رثى الشريف الرضي الصابي بهذه القصيدة الفريدة، لامه الناس وعاتبوه على ذلك، وحجتهم إن الصابي وكما هو معروف من اسمه لم يكن مسلما، فرد عليهم الشريف الرضي بقوله: إنما رأيت فضله!فلنتعلم من الصابي كيف إنه كان يدوس على شخصيته ويضمر ديانته ويحتفظ بهما ضمن حدود ذاتياته عندما كان يعمل في محيطه الإسلامي، إذ يذوب بخصوصياته من أجل المجموع بالرغم من إنها تبقى عزيزة عليه وعلى الآخرين، وليس يذوب المجموع من أجل خصوصياته، هذه النفسية هي التي تتفجر فضلا ومعرفة وتنبه إليها العظماء ومن بينهم الشريف الرضي الذي حفظ له جميل نفسيته المتعالية وتجرده عن خصوصياته في تلك المقطوعة الخالدة.نحن وعندما ابتعدنا عن تلك القيم السامقة قد آل الوضع بنا إلى تكريس الوضع الشخصي للمسؤول في بعض مرافق الدولة، وهذا ما نلاحظه من تلكؤ في الأمن والخدمات في حياتنا اليومية، أما الخدمة العامة والوضع العام والمشاكل الحقيقية كيف تعالج! هذا ما لم نقف عنده؟!! كم تشريعا إلى الآن نفتقر إليه؟!! كم مشكلة من المشاكل نعاني منها؟!! كم نعاني من مشاكل الخدمات والكهرباء والماء والمجاري والأمن؟! كم حالة فساد نعاني منها؟! نريد حلولاً حقيقية ؟! وليست حلولاً ترقيعية أو تسويفية؟!.نحن بحاجة إلى نفسية وطنية ترجح كفة المجموع على كفة الشخصنة بحاجة إلى تلك النفسية في مجلس النواب عندما يشرع، وفي مجلس الوزراء عندما ينفذ، وفي مجلس القضاء الأعلى عندما يقضي، وفي دوائرنا عندما تنجز معاملات المواطنين، وفي القوات الأمنية عندما تحافظ على الأمن والاستقرار، وخلاصة القول إننا بحاجة إلى النفس الوطني في تعاملنا مع الآخرين وفي كافة الميادين. إن جرعات العلاج موجودة وبحاجة إلى همة وجهد ومتابعة وميدانية، فالبلد غني وكل شيء فيه متوفر ولكن المشكلة أين؟! إنها تكمن في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، رجل يتحمل المسؤولية بمصداقية كاملة ويحارب المفسدين أينما كانوا ولا يخشى ردود الأفعال، فالبلد ما زال بخير وإنه يحمل المزيد من الكفاءات والمخلصين الذين إذا ما تبوءوا المراكز العليا في البلد فإنهم يقدمون الكثير لإرساء أسس دولة المؤسسات في بلدنا الحبيب.
https://telegram.me/buratha