جاسم الصافي
لا مجال لحصر العلمانية أو تلخيصها في مفهوم واحد كونها عملية تاريخية بالغة التعقيد وحالة أميبيه متحولة ليس لها مستقرا مع تقدم الزمن، آذ أنها ظهرت بعد الثورة الصناعية مع الزيادة التي حصلت في الإنتاج للمجتمعات الرأسمالية وبالأخص في الولايات المتحدة الأمريكية (Globalization) لهذا سماها البعض ( بالأمركة )،ولتعميم هذا النموذج الأمريكي وخروجه من حدوده الجغرافية بعد ان كان مختصرا على أوساط رجال المال والاقتصاد،اتجه الى السيطرة على الاقتصاد العالمي وبعدها انتقلت العدوى الى جوانب الحياة الأخرى مثل الموضوعات الاجتماعية والسياسية والثقافية لتكون أيديولوجية تبشيرية وثقافة اخترقيه ومشرع قانوني للرأسمالية العالمية كما هو حاصل اليوم، عن طريق المنظومة المعلوماتية والسوق الاقتصادية الحر، واعتبر قديما ان الاستعمار هو أعلى مرحلة وصلت أليها الرأسمالية ( التقليدية ) آنذاك، لكن حين جاءت العولمة، كانت الوجه الأخر لذلك للاستعمار القديم، حيث تربعت على عرش الإمبريالية العالمية،
لقد كان الفكر العربي يدرك هذا الاختراق ولهذا حذر مفكرونا في عصر النهضة الأول مثل الطهطاوي والأفغاني من هذا الاستعمار، الذي جاء اليوم بحجج الأمس حين بشر في حملات نابليون بمفاهيم إنسانية متحرر من الضوابط الشرعية ليتمكن من التسلل بين النخب، التي لها القدرة على احتواء الشرعية القانونية للتغير، لتبتعد تلك الشعوب عن هويتها الحقيقية وإلقاءها في منفى التراث، لهذا أنشاء المستعمر القديم محاكم القنصليات لتشريع احتلاله باحتواء القانون، وهذا ما اعتبره القاضي الهولندي فان بملن وهو من العاملين في تلك المحاكم بأنها هذه المحاكم " ركن قوي من أركان السيطرة الأوربية " في ذلك الوقت، أما اليوم جاءت العولمة بثورة معلوماتية احتلت الشعوب بمكر ألإعلام الملعون وبتسخير كل الإمكانيات وبشتى الوسائل، لأختراق ثقافات شعوب العالم الثالث (العالم الفقير)، لتجمعها في بوتقة أيديولوجيتها، تنبذ ذاكرة الثقافة الوطنية وتفكك جذور ومقومات تاريخ الشعوب، لتربط تلك الشعوب اقتصاديا وسياسيا وثقافيا الى محيطها، وبهذا لا يقودها الوعي والثقافة بل يكون مثل الشاه مربوطا بحبل الى نضم الراعي التي تسيطر على ثقافته، لتكون هذه الشعوب مجوفة من المحتوى ومحكومة الى قوانين عالمية جديدة تعيش تحت شمس العولمة والأمركة والخصخصة، وتطفو على ثقافاتها مصطلحات وتسميات جديدة تسمي الثقافة الإمبريالية الاستعمارية بثقافة الانفتاح والتعدد والتجديد بعد أن كانت تسمى في الماضي القريب بثقافة التبعية، أما الثقافة الوطنية فهي اليوم تسمى ثقافة الموروث والتقليد والتخلف، والعاقبة على خير .
https://telegram.me/buratha