علاء التريج حقوقي و مستشار نفسي
كنا وعدنا اننا سنكتب عن قصة الملقب بالشيخ الوائلي... سنتحدث عن هذه القصة وبعدها نتناولها من الناحية النفسية و من ثم نربطها بواقعنا الاجتماعي والسياسي.كان في محافظة البصرة رجل مؤمن وخطيب منبر يقلد ( بضم الياء وكسر اللام ) في محاضراته الشيخ احمد الوائلي ( رحمه الله تعالى ) وذلك ابان حكم البعثيين للعراق حيث كانت الصلاة تعد تحديا للنظام المقبور, مع ذلك كان هذا الرجل ( البصري ) يتحدى رجال الامن, و بعد عدة تحذيرات بترك الارشاد الديني لكنه لم يذعن لهم, ففي احد الايام قام زبانية صدام باعتقاله في دائرة الامن وانقطعت اخباره حتى قضى عدة اشهر تحت سياط التعذيب, و عندما خرج من الامن العام طلب من المقربين منه ان لا يطلقوا عليه لقب ( الشيخ الوائلي ) عملا بالتقية وتسمى لدى اخوتنا السنة ( الضرورات تبيح المحظورات ), لم يترك الرجل من قبل رجالات صدام فكانوا يستدعونه كل اسبوع مع اعلامه بانهم يقومون بمراقبته, كان يحاول ان يبين لهم انه غير طريقته في الحياة واصبح غير ملتزم من خلال الاختلاط بغير الملتزمين, لكن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة للسلطة في ذلك الوقت, عندها وجد ضرورة اتساع مساحة التقية فاخذ يتردد على محلات شرب الخمور وكان يكتفي بجلوسه على طاولة الخمر فقط. و في يوم من الايام وهو خارج من محل الخمر وجد سيارة تابعة لدائرة الامن اقتادته على الفور الى المديرية, عند وصوله تأكدوا انه لم يشرب الخمر, تعرض الى الضرب والتهديد وتلفيق تهم منها انه يريد ان يوعظ الناس في حانة الخمر, ثم اطلقوا سراحه, بعدها لم يجد الا ان يشرب شئ من الخمر وبكمية قليلة لدفع شبهة التدين, في الوقت نفسه كانت هناك رقابة عليه من قبل رجال الامن, ويتم استدعائه كل اسبوع, وبعد فترة من الزمن اخذ الرجل يستأنس ويكثر من شرب الخمر حتى اصبح الرجل من المدمنين, اما الملتزمون في ذلك الوقت كانوا باقون على نفس التصور وهو ان الرجل يستخدم التقية ( للضرورة احكام ), حتى جاء وقت انتفاضة شعبان المباركة عام 1991 هرعت الناس الى بيت الملقب بالشيخ الوائلي كي يؤدي دوره وينتقم من القوم الظالمين... لكنهم تفاجئوا بالرجل وهو مخمور, تصوروا انه لم يفق بعد, تركوه يومين ثم قدم له مجموعة من المنتفضين وطلبوا منه ان يؤدي دورا, قال لهم انه على استعداد للقتال معهم لكن بشرط؛ قالوا ما هو شرطك؟ قال ان تجلبوا لي خمرة. هذه قصة رواها لنا مجموعة من الاخوة ممن ذهبوا الى هذا الرجل من اهل منطقته.من الناحية النفسية: فقد اثبتت دراسة قام بها سميث (Smith ) سنة 1959 من خلال وضع افراد تحت التجربة فكان من ضمن النتائج (( عندما يجبر شخص ما على تقبل القيام بعمل او قول مخالف لما يراه شخصيا فان رايه الاصلي يأخذ بالتحول تدريجيا حتى يصبح متوافقا مع الموقف او الرأي المفروض عليه )). هذا باختصار شديد وهو الذي حصل مع ذلك الضحية والتي صاحبها الادمان على الخمر.اما واقعنا السياسي والاجتماعي: اننا وجدنا تحول كبير في الشارع العراقي منذ انتفاضة شعبان 1991 باتجاه الحالة الاسلامية حتى سقوط النظام ودخول شهيد المحراب ( رض ) الى العراق حيث استقبلته الملايين من ابناء الشعب وكانت الشعوب تنشد بشكل غريب حيال ما اظهره العراقيين من حب لعلمائهم وما يمثلون هؤلاء العلماء. بلغت ذروة التوجه حتى الانتخابات البرلمانية الاولى, ثم بدأ التراجع التدريجي للحالة الاسلامية الى درجة اننا قد نساوي او اضعف من العلمانية, اسئلة كثيرة تطرح عن الاسباب التي اوصلتنا الى هذا الحال؟؟ كتبنا سابقا مقالة تناولنا بعض تلك الاسباب, اما في هذه المقال وددت التركيز على ظاهر معينة من خلال قصة الملقب بالشيخ الوائلي. وكذلك لما توصل اليه سميث (Smith ), فاذا ما طبقنا هذه الجزئية على التحولات لدى بعض الساسة في التسابق على التظاهر بعدم الالتزام بأحكام الدين ( حلاقة الذقن ومصافحة النساء دون حرج و و...) هذا على سبيل المثال لا الحصر, نجد هؤلاء قد اختلفت دوافعهم فمنهم ليبين للدول المعادية للحالة الاسلامية بأنهم على استعداد لفعل ما يأمرون به حتى لو تعارض ذلك مع الاحكام الشرعية, بل ان الحكومة اجبرت العاملين في الاجهزة الامنية على حلاقة الذقن علما ان هذه البلدان الغربية لم تقم بفعل كهذا في بلدانهم ( باستثناء فرنسا التي تم انتقادها من قبل منظمات دولية بخصوص الحجاب ) باعتبار ان القانون يضمن حرية الانسان في التعبير عن طقوسه الدينية والدستور العراقي يكفل ذلك ايضا, لكن السؤال هو ما الذي اجبر هؤلاء الساسة او الحكومة على هذا الفعل كما يقول سميث؟ الجواب واضح وهو كرسي السلطة. اما البعض الاخر في تصوري فعل او طلب او اختار اشخاصا بهذه الصفاة مجاراة للشارع وهؤلاء ايضا وقعوا بخطأ, لكنه اقل عيبا, و لم يشخصوا علة التراجع لمعالجتها, فذهبوا لحل العقدة على طريقة ( الاذعان لرأي الجماعة ) كما يعبر عنه علماء النفس. على اية حال الاثنين معا لم يلتفتوا الى النتيجة وهي ان الطريقة الاصلية ستأخذ بالتحول التدريجي حتى تتحول الى الطريقة المصطنعة, و اما الاختلاف بين الاتجاهين هو ان الاول رأس الهرم هو المتأثر وبالتالي ينعكس على الكوادر ومن ثم عامة الناس, وفي الحالة الثانية ان الكوادر هي المتأثر الاول ومن ثم عامة الناس وقد تنعزل قيادة هذا الخط عن الجماعة تلقائيا, والفرق الثاني في الهدف فالأول هدفه التسلط ولا تهمه وسائل الوصول اليها, والثاني يمكن حمله على محمل الاصلاح انطلاقا من حالة الاذعان لكن ذلك يحتاج الى جهود مضاعفة من الاستقامة على الطريقة المثلى, وفي الحالتين ستتأثر الكوادر الاسلامية ويصعب اعادتها الى نفس المستوى, وايضا ان حالة الاذعان سوف تستمر في النزول مع نزول راي الجماعة فهل يستطيع هؤلاء مجاراتهم ام هناك خطوط حمراء؟.
https://telegram.me/buratha